ترى هل أنا وحدي رهين الظلمتين ظلمة الأنانية و ظلمة الاستكفاء
أليس بينكم أيها الناس من تمر به من مواكب الحياة فلا يلتفت ليشاهد أمجادها و أبطالها منحني الرأس يداعب بأصابعه سبحة من حصى الوادي . أليس بينكم من إذا شرب غبة من الماء نسي صانع الكأس بل نسي الينابيع و الأنهار و من إذا تناول لقمة من طعام ترفّع عمن طبخها بل عن الحقول و البساتين التي كونت عناصرها و من إذا لبس رداء ناعما توهم أن ذلك الرداء قد حيك بمعجزة لجلده الناعم و أن الإنسانية جمعاء لا تلبس سوى الألياف الخشنة و من إذا توسد فراشا لينا شعر براحته أولا ثم تمثل العالم كله متقلبا على الأشواك و الحسك
ترى هل أنا وحدي أسير المحبسين محبس الدعوة و محبس الكبرياء
أليس بينكم من إذا أشعل شمعة سخر بالكواكب و من إذا قال كلمة تصام عن تهاليل الدهور و من إذا كتب فقرة ظنها زبدة النواميس و الأنظمة و من إذا تنهد تنهدة استهزأ بالعواصف و البراكين و من إذا مشى خطوة ظن أنه بلغ المشتري و من إذا قفز فوق ساقية حسب أنه حلق فوق المجرة
ترى هل ولدت وحدي عبد الغيبوبتين غيبوبة الجحود و غيبوبة النسيان
أليس بينكم أيها الرجال من إذا أحبته امرأة غفل عن عطفها ووقف أمام مرآته بجمال طلعته و من إذا قيل فيه كلمة حسنة تبختر كالطاووس بدلا من أن يقف متهيبا خجلا و من إذا حباه القوم بمكرمة توهم أنه مغناطيس جميع المكرمات
لا ، لست وحدي رهين الظلمتين ظلمة الأنانية و ظلمة الاستكفاء و لست وحدي أسير المحبسين محبس الدعوى و محبس الكبرياء و لست وحدي عبد الغيبوبتين غيبوبة الجحود و غيبوبة النسيان
لست وحدي ، فكلنا من جبلة واحدة فالفخار في عظامي كالفخار في عظامكم ، و العصارة التي تمشي في عروقي مثل العصارة التي تتركض في عروقكم
و ما أشبه فكرتي اللاجئة إلى المغادرة بروحكم المتحجبة عن فضاء الله و لكن الحياة كريمة و لولا كرمها ما حسبتنا من أبنائها و لكن الأرض جوادة و لولا جودها ما سيرتنا أمام وجه الشمس