المقدمة:-
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد :
فإن هدفي لكتابة هذا البحث هو النصح و التذكير التي تساهل بها الكثير من المسلمين وهي الربا ..
أود أن أعرض بعض أنواع الربا في موضوعي وهي :.
أنواع الربا ؟ قواعد في الربا ؟ أكل الربا ؟ الربا في اللغة ؟ وخطورة الربا ؟ تعريف الربا شرعاً ؟
الربا في الجاهلية ؟ وأسباب تحريم الربا ؟
الموضوع:-
الربا من المحرمات الشديدة والذنوب الموبقة التي أكد الكتاب المجيد والسنّة الشريفة على الردع عنها، حتى عد في النصوص الكثيرة من الكبائر الخمس أو السبع التي يظهر من النصوص أنها أكبر الكبائر، وفي الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام» وفي بعض النصوص أنه: سبعون جزءاً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام، وأنه أخبث المكاسب، وأن صاحبه لا يزال في لعنة الله تعالى والملائكة ما كان عنده منه قيراط، وأنه إذا أراد الله بقوم هلاكاً ظهر فيهم الربا، إلى غير ذلك. وقد تقدم في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يشترك في إثمه الآكل والمعطي والكاتب والشاهد.
الربا في اللغة..؟
الربا في اللغة هي الزيادة , قال ابن الأثير : قد تكرر ذكر "الربا" في الحديث والأصل فيه الزيادة . ربا المال يربو ربوا إذا زاد وارتفع ، والاسم الربا مقصور ، وهو في الشرع : الزيادة على أصل المال من غير عقد تبايع ، وله أحكام كثيرة في الفقه، يقال : أربى الرجل فهو مرب.
تعريف الربا شرعاً:
الربا في الشرع : هو الزيادة في أشياء مخصوصة.
وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل وربا النسيئة .
:الربا في الجاهلية:.
لقد كان الربا منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً وقد عدوه من الأرباح العظيمة – في زعمهم – التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري – رحمه الله – بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال: ”كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه“ [جامع البيان في تفسير آي القرآن .
وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تربي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه، وأخّرله الأجل إلى حين، وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضاً. وفي السِّنِّ كذلك، فإذا كان للرجل فضل دين على آخر فإنه يأتيه إذا حلّ الأجل. فيقولله: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضاه، وإلا حوله إلى السّنِّ التي فوق سنه من تلك الأنعام التي هي دين عليه، فإن كان عليه بنت مخاض، جعلها بنت لبون في السنة الثانية، فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضى، جعلها حقه في السنة الثالثة، ثم يأتيه في نهاية الأجل فيجعلها جذعة، ثم رباعيّاً وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة. وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضاً، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه ، وشرحه للزر قاني فهذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
أنواع الربا :.
ينقسم الربا إلى أربعة أنواع :
النوع الأول : ( ربا الفضل ) ، وهو بيع جنسين متفاضلين يشترط فيهما التماثل . كبيع مائة جرامٍ ذهبا بمائتي جرامٍ ذهبا. أو بيع صاعِ برٍ بصاعي برٍ .
النوع الثاني : ( ربا النسيئة ) ، وهو بيع جنسين نسيئة يشترط فيهما الحلول . كبيع مائة جرامٍ ذهبا حالَّة بمائة جرامٍ ذهبا مؤجلة . أو بيع مائة جرام ذهبا حالة بمائتي جرام فضةً مؤجلة . أو بيع صاعِ برٍّ حالا بصاع بر مؤجلا ، أو بيع صاع بر حالا بصاعي شعير مؤجلة .
(النوع الثالث : ( (ربا القبض ) ، وهو بيع جنسين يشترط فيهما التقابض في مجلس العقد ، بلا تقابض . كبيع مائة جرام ذهبا حالة بمائة جرام ذهبا حالة ، ويتفرقا بدون تقابض . أو بيع مائة جرام ذهبا حالة بمائتي جرام فضة حالة ، ويتفرقا بدون تقابض . أو بيع صاع بر حالا بصاع بر حالا ، ويتفرقا بدون تقابض ، أو بيع صاع بر حالا بصاعي شعير حالة ، ويتفرقا بدون تقابض .
النوع الرابع : ( ربا القرض ) ، وهو القرض بشرط المنفعة ، أو الزيادة في أجل الدين بشرط المنفعة ، مثال الأول : أقرضتك ألف ريال بألف ومائة إلى شهر ، أو أقرضتك ألف ريال بشرط أن أسكن بيتك أسبوعا ، أو أقرضتك ألف ريال بشرط أن تحمل هذا المتاع إلى البيت ، ومثال الثاني : أقرضتك ألف ريال بألف ريال إلى شهر ، فلما حل الأجل قال : إما أن تقضي وإما أن تُربي ، أي إما أن تقضي ديني ألف الريال ، أو تصير الألف بألف ومائة وأزيدك في الأجل إلى شهر آخر مثلا .
أكل الربا :.
أكل الربا والربا هو المال الذي يؤخذ بغير حق من المعاملات الربوية المحرمة شرعا وهو من كبائر الذنوب، ولذلك قال الله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ سورة البقرة، الآيتان 275، 276 .
ولا شك أن الربا متمكن في الأمة، فكثير من المعاملات يكون فيها ربا وأهلها لا يشعرون، ولكن يفعلون ذلك تقليدا أو يفعلونه ظنا منهم أنه لا إثم فيه، فالواجب أن نبتعد عنه وألا نتعامل إلا بالمعاملات المباحة التي لا شك فيها، وفي الحلال غنية عن الحرام.
والربا محرم بالكتاب والسنة وهو من المهلكات والموبقات السبع، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ سورة البقرة، الآيتان:278، 279 .
إن المتعامل بالربا قد حارب الله ورسوله، ويا خيبة من أعلن حربه على الله ورسوله لأنه خاسر لا محالة.
وانظر أيها المتعامل بالربا إلى ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في شناعة عملك هذا، ففي الحديث عن عبد الله بن مسعود قال: الربا ثلاثة وسبعون بابا ، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم
وعن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنهما: ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنيه )
خطورة الربا..؟
1) )أكل الربا يعرض صاحبه لحرب الله ورسوله ، فيصير عدوا لله ورسوله:.
قال الله تعالى " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " .
قيل المعنى :إن لم تنتهوا فأنتم حرب لله ولرسوله ، أي أعداء.
فهي الحرب بكل صورها النفسية والجسدية ، وما الناس فيه الآن من قلق واكتئاب وغم وحزن إلا من نتاج هذه الحرب المعلنة لكل من خالف أمر الله وأكل بالربا أو ساعد عليها ، فليعد سلاحه إن استطاع ، وليعلم أن عقاب الله آت لا محالة إن آجلا أو عاجلا ، وما عهدك بمن جعله الله عدوا له وأعلن الحرب عليه رب سلم سلم .
2) )آكل الربا وكل من أعان عليه ملعون :.
قال صلى الله عليه وسلم " آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهداه ، إذا لمسوا ذلك ، والواشمة، والموشومة للحسن ، ولأوي الصدقة ، والمرتد أعرابيا بعد الهجرة، ملعونون على لسان محمد يوم القيامة "واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى.
3) )أكل الربا من الموبقات:.
قال الله تعالى : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من
المس "
قال ابن عباس في قوله : " الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش " قال : أكبر الكبائر الإشراك بالله عز وجل ، قال الله عز وجل " ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة " ثم قال : وأكل الربا لأن الله عز وجل يقول " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "
وحقيقة الكبيرة أنها كل ذنب ورد فيه وعيد شديد ، وقد جاء مصرحا بهذا في الصحيحين وغيرهما فعد رسول الله أكل الربا من السبع الموبقات . قال صلى الله عليه وسلم " اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات "
4) )عقوبة آكل الربا أنه يسبح في نهر دم ويلقم في فيه بالحجارة :.
وعن سمرة بن جندب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال من رأى منكم الليلة رؤيا قال فإن رأى أحد قصها فيقول ما شاء الله فسألنا يوما فقال هل رأى أحد منكم رؤيا قلنا لا قال لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة وفي سياق القصة قال ـ صلى الله عليه الصلاة والسلام ـ : " فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم على وسط النهر وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان ثم فسر له هؤلاء بأنهم آكلوا الربا " .
[ رواه البخاري ] .
5) )ظهور الربا سبب لإهلاك القرى ونزول مقت الله :.
قال صلى الله عليه وسلم " إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله "
[ أخرجه الطبراني في الكبير الحاكم في المستدرك عن ابن عباس ، صححه الألباني في صحيح الجامع [
6) )مآل الربا إلى قلة وخسران :.
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة " [ رواه ابن ماجه والإمام أحمد وصححه الشيخ الألباني [.
7))أكل الربا من أسباب المسخ .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن غنم وأبي أمامة وابن عباس " والذي نفس محمد بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم والقينات وشربهم الخمر وأكلهم الربا ولبسهم الحرير"
الربا شقيقة الشرك .
" الربا سبعون بابا، والشرك مثل ذلك " وفي رواية لابن ماجه " الربا ثلاثة وسبعون بابا " [ أخرجه البازار عن ابن مسعود وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع .
8) )الربا أشد من ستة وثلاثين زنيه•
قال صلى الله عليه وسلم " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم ، أشد عند الله من ستة وثلاثين زنيه " [أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن عبد الله بن حنظلة وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع ]
• وفي لفظ عند البيهقي من حديث ابن عباس درهم ربا أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به " .
• وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الربا وعظم شأنه، فقال: إن الرجل يصيب درهما من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " .
9) )أدنى الربا ذنبا كمثل من زنا بأمه .
عن ابن مسعود قال : قال صلى الله عليه وسلم : " الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم "
أخرجه الحاكم في المستدرك وصحح الحافظ العراقي في تخريج الإحياء إسناده وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع
وعن البراء بن عازب مرفوعا " الربا اثنان وسبعون بابا ، أدناها مثل إتيان الرجل أمه ، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه "
أخرجه الطبراني في الأوسط وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع
قال الطيبي : المراد إثم الربا ، ولا بد من هذا التقدير ليطابق قوله أن ينكح " ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم.
قال الطيبي : إنما كان الربا أشد من الزنا لأن فاعله حاول محاربة الشارع بفعله بعقله قال تعالى " فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله " أي بحرب عظيم فتحريمه محض تعبد وأما قبيح الزنا فظاهر عقلاً وشرعاً وله ورادع وزواج سوى الشرع فآكل الربا يهتك حرمة اللّه ، والزاني يخرق جلباب الحياء
ـ أسباب تحريم الربا وحِكَمهُ:.
لا يشك المسلم في أن الله عز وجل لا يأمر بأمر ولا ينهى عن شيء، إلا وله فيه حكمة عظيمة، فإن علمنا بالحكمة، فهذا زيادة علم ولله الحمد، وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك، إنما الذي يطلب منا هو أن ننفذ ما أمر الله به، وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1ـ الربا ظلم والله حرم الظلم.
2ـ قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة.
3ـ الربا فيه غبن.
4ـ المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع.
5ـ الربا مضاد لمنهج الله تعالى [الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر ص93].
الخاتمه:-
قال الله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لاتأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون )
وقال الله تعالى ( الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس)
فنسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخره.
المراجع:-
[1] أخرجه البخارى (5142) ك النكاح ، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع ، ومسلم (1412) ك البيوع ، باب تحريم بيع الرجل على بيع الرجل وسومه على سوم أخيه – واللفظ له -
[2] أخرجه النسائي عن ابن مسعود ، و صححه السيوطي والألباني “صحيح الجامع [5] “ ، “ تخريج الترغيب 3/49 “ }
[3] متفق عليه أبو داود النسائي عن أبي هريرة ، وهو في صحيح الجامع [144] ، “ الإرواء/ 1202 ، 1335 ، 2365 “ }
(4) كتاب الدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر .