theredrose
| موضوع: بحث عن الدستور الاردني وقانون حرية الانسان الشخصية 23/1/2011, 17:42 | |
| الدستور الاردني وقانون حرية الانسان الشخصية المقدمة :- نص الدستور الأردني على قاعدة أساسية وهي أن حرية الإنسان الشخصية مصونة( ) وانطلاقاً من هذه القاعدة، فإن له أن يتصرف بأمواله بما يشاء من التصرفات ولمن يشاء ما دام أنه لا يخالف النظام العام والآداب العامة وما دام أنه كامل الأهلية وغير محجور عليه. وبما أن أموال المدين تشكل الضمان العام للدائنين، مما يترتب على ذلك أن تصرفاته النافعة تزيد من ذمته المالية وبالتالي تقوي الضمان العام للدائنين، أما تصرفاته الضارة فإنها تنعكس سلباً على ذمته المالية، وبالتالي تضعف الضمان العام للدائنين، ومن هنا كان لابد من إيجاد وسائل قانونية لحماية حقوق الدائنين في هذا الضمان والمحافظة عليه من تصرفات المدين بأمواله بصورة تؤدي إلى إلحاق الضرر بحقوق الدائنين. ولقد اقر المشرع الأردني، شأنه في ذلك شأن معظم التشريعات وسائل قانونية لحماية الضمان العام للدائنين ومن بين هذه الوسائل دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن (الدعوى البوليصية) ونص عليها في المواد من 370-374 من القانون المدني. وتعرف هذه الدعوى بأنها الوسيلة التي يتمكن بها الدائنين من مراقبة تصرفات المدين الذي اختلت أحوالهم المادية، فبات عاجزاً عن الوفاء بديونه( ) وأما عن سبب اختياري للبحث في هذا الموضوع فيعود إلى:- أولاً:- أهمية هذه الدعوى من الناحية النظرية والقانونية وإبراز أهميتها من الناحية العملية باعتبارها وسيلة قانونية لحماية حقوق الدائنين من تصرفات مدينهم الضارة بهم كقيامهم بتهريب أموالهم من الضمان العام للدائنين حتى لا يتمكن الدائنون من التنفيذ عليها لتحصيل حقوقهم. ثانياً:- قلة الأبحاث القانونية التي تناولت أحكام هذه الدعوى في ضوء القانون المدني الأردني الذي استقى غالبية أحكامها من الفقه الإسلامي وبالذات من الفقه المالكي، والبعض الأخر من الفقه الغربي وأما الأبحاث القانونية التي تناولت هذه الدعوى بالبحث فقد كان معظمها يبحثها من خلال أحكام الالتزام بشكل عام وعلى ضوء أحكام الفقه الغربي. وسأتناول دراسة هذه الدعوى من خلال فصل تمهيدي وثلاثة فصول وخاتمة. 1- أما الفصل التمهيدي:- فسأبحث فيه مفهوم الضمان العام ووسائل حمايته. 2- وأما الفصل الأول:- فسأبحث فيه ما هية دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن. 3- وأما الفصل الثاني:- فسأبحث فيه شروط هذه الدعوى. 4- وأما الفصل الثالث:- فسأبحث فيه أثار هذه الدعوى وانقضاءها وفي الخاتمة نتعرض من خلالها لما أحرزته هذه الدراسة من ملاحظات ومقترحات.
الفصل التمهيدي الضمان العام للدائنين ووسائل حمايته وفي هذا الفصل سنتكلم عن مفهوم الضمان العام وعن وسائل حماية الضمان العام من خلال :- المبحث الأول المبحث:- مفهوم الضمان . المبحث الثاني:- وسائل حماية الضمان العام.
المبحث الأول تحديد مفهوم الضمان العام للدائنين. نصت المادة 365 من القانون المدني الأردني على "مع مراعاة أحكام القانون أموال المدين جميعها ضامنه للوفاء بديونه وجميع الدائنين متساوون في هذا الضمان". ومفهوم هذا النص:- أنه يتحدث عن قاعدة أن أموال المدين تشكل الضمان العام للدائنين وأن الدائنين يستوفون حقوقهم من أموال المدين، وأن أموال المدين هي التي تكون محلاً لهذا التنفيذ( ) لأن الالتزام لم يعد علاقة بين شخصين يخول الدائن بموجبها سلطة على شخص مدينه وإنما أصبح الالتزام علاقة بين ذمتين، وأصبحت الذمة المالية هي الضمان العام لحقوق الدائنين، والذمة المالية تعني الوعاء الذي يجمع ما للانسان من حقوق وما عليه من التزامات في الحال وفي المستقبل( ). وعليه فإن جميع أموال المدين الحاضرة والمستقبلة تضمن الوفاء بحقوق دائنيه، وأن أي مال من امواله يضمن الوفاء بجميع ديونه، وأن أي دين من ديونه تضمنه جميع أمواله، ويستطيع الدائن التنفيذ على أي مال يملكه المدين
وقت التنفيذ سواء أكان عقاراً أم منقولاً إلا ما استثنى من هذه الأموال سواء بطبيعته أو بنص القانون( )، وهذا ما نصت عليه المادة 29 من قانون التنفيذ( ) وكذلك المادة 142 من قانون أصول المحاكمات المدنية( ). وقد كانت بعض هذه الاستثناءات لاعتبارات إنسانية جوهرية مردها الشفقة بالمدين في أن يترك له ما يكفيه من العيش وضروريات الحياة وحتى لا يكون المدين وأسرته عبئاً على الدولة والمجتمع. ويجب عدم الخلط بين الضمان العام والتأمين الخاص الذي يقع على مال معين للمدين لمصلحة احد دائنيه فيتقدم على غيره من الدائنين، فالضمان العام يتساوى فيه كل الدائنين ولا يتقدم فيه دائن على أخر وإنما يتقدم الدائن على غيره من الدائنين إذا كان له تأمين خاص كرهن أو امتياز( ). وإن عدم الخلط بين الضمان العام والتأمين الخاص يتضح من خلال بيان خصائص الضمان العام وهي:- أولاً:- الضمان العام يرد على جميع أموال المدين. القاعدة العامة:- أن جميع أموال المدين تضمن الوفاء بديونه ومن ثم يجوز التنفيذ عليها، وهذه الأموال هي التي تكون مملوكة للمدين وقت تنفيذ الدائن بحقه، ويقتصر عليه ولا تشمل الأموال التي كان يملكها المدين وقت نشوء الدين ثم خرجت من ملكه قبل التنفيذ، لأنه ليس للدائن العادي ما للدائن ذي التأمين الخاص من حق عيني على مال محدد للمدين يخوله تتبعه ومن ثم التنفيذ عليه تحت أي يد يكون( ). مع ملاحظة الاستثناءات الواردة بنص المادة (29) من قانون التنفيذ ونص المادة (142) من قانون أصول المحاكمات المدنية التي أشرنا إليها سابقاً. ثانيا:- الضمان العام يتساوى فيه جميع الدائنين. لأن الضمان العام مقرر لجميع الدائنين فهم متساوون جميعاً في اقتضاء ديونهم من أموال المدين، فإذا اشترك عدة دائنين في التنفيذ على مال للمدين ولم يكن هذا المال كافياً لسداد الديون جميعها اقتسم الدائنون المشتركون في التنفيذ المال المتحصل من التنفيذ كل بنسبة حصته في الدين وفقاً لقاعدة قسمة الغرماء. ما لم يوجد لأحد الدائنين ضمان خاص يخوله حق التقدم كالرهن أو صاحب حق الامتياز( ). والمقصود بالمساواة هنا هي المساواة القانونية وليست المساواة الفعلية، فقد يبادر بعض الدائنين إلى التنفيذ على الضمان العام واقتضاء ديونهم قبل غيرهم من الدائنين دون أن يتعرضوا لمشاركتهم في ثمار هذا التنفيذ( ). ثالثاً:- الضمان العام لا يخول حق التتبع لا يشمل الضمان العام سوى ما يكون للمدين من أموال وقت التنفيذ، فليس للدائن أن يتتبع أي مال خرج من ذمة مدينه، وفي هذا يختلف الضمان العام عن الضمان الخاص الذي يخول صاحبه حق تتبعه وملاحقته متى انتقل من يد إلى أخرى( ). رابعاً:- الضمان العام لا يغل يد المدين فالضمان العام لا يخول الدائن حق التدخل في إدارة المدين لامواله والتصرف فيها، بل يبقى حق المدين قائماً في إدارة أمواله حتى اتخاذ إجراءات التنفيذ أو بصدور حكم بالحجر عليه فيحرم عندئذ من إدارة أمواله ومن التصرف بها( ), أما في التأمين الخاص فيجب التفرقة بين الرهن التأميني والرهن الحيازي ، ففي الرهن التأميني يكون من حق الراهن إدارة عقاره المرهون ولحصول على غلته حتى تاريخ نزع ملكيته جبراً عند عدم وفاء الدين( ) أما في الرهن الحيازي فإن المرهون ينتقل بالقبض على يد المرتهن ولا يجوز للراهن ان يتصرف بالمرهون كالبيع أو الإجارة وغيرها إلا بقبول المرتهن( ).
المبحث الثاني وسائل حماية الضمان العام بما أن القانون أقر مبدأ الضمان العام للدائنين باعتبار أن جميع أموال المدين ضامنه للوفاء بديونه، فإن من مصلحة الدائنين أن يبقى هذا الضمان محافظاً عليه ويكون ذلك بالمحافظة على أموال المدين والإبقاء على ذمته المالية مليئة كي تزداد فرص استيفائهم لحقوقهم( ). وبما أن فكرة الضمان العام لا تغل يد المدين عن التصرف بأمواله وإدارتها( ). فقد يعمد المدين إلى إضعاف هذا الضمان أضراراً بالدائنين، مما يتطلب من المشرع إيجاد وسائل يمنحها للدائن لحماية الضمان العام من الإهمال أو الغش الذي قد يقع من المدين مما يؤدي إلى إنقاص الضمان العام، وقد قسمت هذه الوسائل إلى ثلاثة أقسام:- أولاً:- الوسائل التحفظية وهذه الوسائل على نوعين النوع الأول:- وسائل يتخذها الدائن بالنسبة إلى حقه الذي يريد التنفيذ به أي يتخذها في ماله كان يقطع الدائن التقادم بالنسبة لحقه أو تسجيل رهن ضامن لحقه( ). أم النوع الثاني:- فهي طرق يتخذها الدائن بالنسبة إلى أموال المدين حتى يحافظ عليها من الضياع باعتبارها الضمان العام لحقه( ) ، ومثالها الحجز التحفظي أو الاحتياطي الذي يوقعه الدائن على اموال المدين قبل وعندا إقامة الدعوى أو أثناء نظرها( ). ثانياً:- الوسائل التنفيذية وتشمل الإجراءات التي يتخذها الدائن من اجل التنفيذ على مال مدينه بهدف الحصول على حقه ويتم ذلك وفقاً لأحكام قانون التنفيذ الأردني. ولا يجوز التنفيذ الا اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء وأن يكون بيد الدائن سند تنفيذي( ). ثالثاً:- الوسائل الوسطى لحماية الضمان العام وهي طرق وسطا ما بين التحفظية والتنفيذية، فلا هي مقصورة على مجرد التحفظ على أموال المدين كما هو الأمر في الطرق التحفظية ولا هي تؤدي مباشرة إلى استيفاء الدائن حقه كما هو الأمر في الطرق التنفيذية، بل هي تتوسط بين الطرق التحفظية والطرق التنفيذية( ). وتمهد الطريق للتنفيذ على أموال المدين وتمنع من الإضرار بالدائنين. وقد نظمها المشرع الأردني في القانون المدني وهي 1- الدعوى غير المباشرة المادة (366 – 367) والتي يدفع فيها الدائن عن نفسه نتائج تهاون المدين أو غشه إذا سكت عن المطالبة بحقوقه لدى الغير، فيباشر الدائن بنفسه حقوق مدينة نيابة عنه عن طريق هذه الدعوى بهدف المحافظة على الضمان العام تمهيد للتنفيذ عليه بعد ذلك( ). 2- الدعوى الصورية للمواد (368 – 369) وهي التي يدفع فيها الدائن عن نفسه نتائج غش المدين إذا عمد إلى التظاهر بالتصرف في ماله ليخرجه من الضمان العام بتصرف صوري، فيطعن الدائن في هذا التصرف بالصورية بهدف كشف حقيقته، فيتبقى بذلك مال المدين في الضمان العام تمهيداً للتنفيذ عليه بعد ذلك( ). وقد نص عليها المشرع الأردني في المواد (368- 369). 3- الحجر على المدين المفلس المواد (375 – 386) وهو نظام قانوني يتم بمقتضاه الحجر على المدين إذا زادت ديونه المستحقة على أمواله، ويكون( ) الحجر بحكم تصدره المحكمة بناءاً على طلب المدين نفسه أو أحد الدائنين وبذلك تغل يد المدين المعسر عن التصرف بماله وابقاء هذا المال في الضمان العام للدائنين. 4- حق الاحتباس المواد (387 – 392) ويصرف حق الاحتباس (الحق في الحبس) بأنه حق الدائن الذي يكون مديناً لمدينه في أن يمتنع عن الوفاء بما التزم به تجاهه، حتى ينفذ المدين ما التزم به تجاهه (نجاة الدائن) إذا كان ذلك الدين قد ترتب في ذمته بمناسبة التزام الدائن وارتبط به( ). 5- دعوى عدم نفاد تصرف المدين في حق الدائن (البوليصية) المواد (370 – 374)ومن خلال هذه الدعوى منح القانون الدائن الحق في الطعن بتصرفات مدينه المعسر (الذي احاط الدين بماله بأن اصبحت ديونه مساوية أو تزيد على ماله) والذي يعمد إلى التصرف في ماله أضراراً بدائنيه، يطلب الدائن من خلالها عدم نفاذ تصرفات المدين في حقه، ليعود المال المتصرف فيه إلى الضمان العام للدائنين وهذه الدعوى هي موضوعنا ببحثنا.
الفصل الأول تحديد مفهوم دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن وفي هذا الفصل سنقوم بتعريف دعوى عدم نفاذ تصرف المدين، ونميزها عن غيرها من بعض الدعاوى، وتطورها وتاريخ نشأتها، وعن طبيعتها القانونية والتكيف القانوني لها وذلك من خلال:- المبحث الأول:- تعريف دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن. المبحث الثاني:0 تمييز دعوى عدم نفاذ تصرف المدين عي غريها من بعض الدعاوى.
المبحث الأول تعريف دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن. قد يعمد المدين إذا ساءت حالته المالية إلى القيام بإجراء تصرفات ضارة تؤثر على الضمان العام للدائنين كقيام المدين ببيع منزله لإخفاء ثمنه عن دائنيه أو أن يقوم بالتنازل عن بيته لأحد أقاربه على سبيل الهبة أو يجامل أحد دائنيه على حساب الآخرين بأن يدفع له كامل دينه حتى يفلت من قاعدة قسمة الغرماء. ومن هنا كفل المشرع للدائنين الحماية من هذه التصرفات الضارة بهم بما قرر لهم من حق الطعن بها بطلب عدم نفاذها في مواجهتهم عن طريق دعوى تسمى دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن ( ). فالغرض من هذه الدعوى هو المحافظة على الضمان العام عن طريق حماية الدائن من تصرفات مدينهم العسر (الذي احاط الدين بماله) والضار بهم. ولتعريف دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن، فنسلط الأضواء من خلال هذا البحث على موقف المشرع من تعريف هذه الدعوى وما قرره الفقه والقضاء بهذا الخصوص. ولقد سكت المشرع الأردني عن وضع تعريف لهذه الدعوى شأنه في ذلك شأن اغلب التشريعات الأخرى، ونحن نعتقد أن موقف المشرع كان سليماً، لأن مهمة وضع التعريف يجب أن تترك للفقهاء وقد تعرض الفقه والقضاء لهذه المهمة:- أما بالنسبة للفقه فقد عرفها البعض على أنها " دعوى يقيمها الدائن للطعن في التصرفات الضارة به والصادرة من مدينة المعسر بقصد حمايته من غشه والمحافظة على الضمان العام لحقوق الدائنين عن طريق المطالبة باعتباره من الغير بالنسبة لأثر هذه التصرفات كي لا تكون نافذة في حقه( ). والبعض الأخر عرفها بـ "دعوى عدم النفاذ هي الوسيلة التي يتمكن بها الدائن من مراقبة تصرفات المدين الذي اختلت أحواله المادية فبات عاجزاً عن الوفاء بديونه( ). أما محكمة التمييز الموقرة ففي إحدى قراراتها عرفتها بأنها " دعوى بعدم نفاذ تصرفات المدين المعسر في حق الدائن، وهي طريق يسلكه الدائن لينال من القضاء حكماً بأنه من الغير في تصرف صدر من مدينة المعسر اضر بحقوقه، أي أنها دعوى بطلان من نوع خاص، وحيث أن البطلان لا يكون الا فيما بين المتعاقدين فليس للغير أن يطلب إلا عدم نفاذ العقد في حقه"( ). وغالبية أحكام هذه الدعوى في القانون المدني الأردني مستقاة من الفقه الإسلامي وبخاصة الفقه المالكي وأن كان المشرع قد استقى بعض أحكامها بعض التشريعات العربية ومنها القانون المدني المصري والقانون المدني العراقي وسيتضح هذا عند الحديث عن شروط الدعوى وأثارها في الفصول اللاحقة.
المبحث الثاني تمييز دعوى عدم نفاذ تصرف المدين عن غيرها من بعض الدعاوى قد تشتبه دعوى عدم نفاذ تصرف ببعض الدعاوى مثل الدعوى غير المباشرة والدعوى الصوريه من ناحية ومن ناحية أخرى ما يربطها بجريمة تهريب الأموال مما يقتضي التمييز بينها وبين هذه الدعاوى من ناحية وبيان علاقتها بجريمة تهريب الأموال من ناحية أخرى وذلك في من خلال:- 1- المطلب الأول:- التمييز بين عدم نفاذ تصرف المدين والدعوى غير المباشرة. 2- المطلب الثاني:- التمييز بين دعوى عدم نفاذ تصرف المدين والدعوى الصورية. 3-المطلب الثالث:- دعوى عدم نفاذ تصرف المدين وجريمة تهريب الأموال
المطلب الأول التمييز بين دعوى عدم نفاذ تصرف المدين والدعوى غير المباشرة. تشترك دعوى عدم نفاذ تصرف المدين مع الدعوى غير المباشرة في أن كلاهما تهدفان إلى المحافظة على أموال المدين التي تمثل الضمان العام للدائنين وأن كلاهما طرق وسطى بين الوسائل التنفيذية والوسائل التحفظية( ) وفي أن سائر الدائنين يشاركون عند التنفيذ الدائن الذي رفع الدعوى ويقسمون معه ما حصل عليه قسمة الغرماء( ). ومع ذلك فإنهما يفترقان في عدة أمور منها:- 1- أن الدعوى غير المباشرة تعالج عمل سلبي من المدين وهو امتناعه عن استعمال حقوقه عمداً أو إهمالاً، بينما تعالج دعوى عدم نفاذ تصرف المدين عمل إيجابي من المدين وهو تصرفه في حقوقه إضراراً بالدائنين ولأن الموقف الإيجابي اشد خطورة على أموال المدين التي تمثل الضمان العام للدائنين من الموقف السلبي لذلك كانت الحماية ضد العمل الإيجابي اشد نشاطاً من الحماية ضد العمل السلبي لذا فإن الدائن يرفع دعوى عدم نفاذ تصرف المدين باسمه لا باسم المدين أما الدعوى غير المباشرة فيمارسها الدائن باسم المدين وبصفته نائباً قانونياً عنه( ). 2-حتى يجوز للدائنين الطعن بدعوى عدم نفاذ تصرف المدين لابد أن يكون التصرف الذي قام به المدين تصرفاً قانونياً، أما أعمال المدين المادية أو مواقفه السلبية فلا تكون محلاً للطعن بدعوى عدم نفاذ تصرف المدين ولو أدت هذه الأعمال إلى إعساره أو زيادة هذا الإعسار كأن يرتكب المدين فعلاً غير مشروع سواء أكان عمداً أو إهمالاً ترتب عليه التزامه بالتعويض، أو عدم مطالبة المدين بحق له لدى الغير المدة المقررة لسقوط هذا الحق بالتقادم فمثل هذه الأعمال والمواقف السلبية لا تكون محلاً للطعن بدعوى عدم نفاذ تصرف المدين( ). أما في الدعوى غير المباشرة فيجوز استعمال جميع حقوق المدين الا ما كان متصلاً بشخصه أو لا يقبل الحجز( ).( ) 3- أن دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في القانون المدني الأردني لا تشترط أن يكون حق الدائن مستحق الأداء إذا ما أقيمت هذه الدعوى في مرحلة إحاطة الدين بمال المدين (المادة 370)، أما إذا أقيمت الدعوى في مرحلة المطالبة أو ما تسمى حالة التفليس العام فيشترط في حق الدائن أن يكون مستحق الأداء (المادة 371) أما في الدعوى غير المباشرة فلا يشترط في حق الدائن أن يكون مستحق الأداء وإنما يكفي أن يكون حقه ثابتاً (المادة 366/1). 4- في دعوى عدم نفاذ تصرف المدين يشترط في الدائن أن يكون حقه سابقاً على التصرف المطعون فيه، ولا يشترط في الدعوى غير المباشرة أن يكون حق الدائن سابقاً على ثبوت حق المدين الذي يطالب به الدائن نيابه عنه( ). المطلب الثاني التمييز بين دعوى عدم نفاذ تصرف المدين والدعوى الصورية( ) تشترك كل من دعوى عدم نفاذ تصرف المدين والدعوى الصورية في أن كل منهما يواجهان التصرفات التي يقوم بها المدين بهدف إخراج أمواله أو بعضها من الضمان العام للدائنين سواء أكان تصرفه جدياً أو صورياً وفي كلتا الحالتين لا ينفذ تصرف المدين في حق الدائن وتبقى أمواله داخل الضمان العام. ورغم هذا التشابه إلا أن الفرق بين الدعويين يكمن في الأحوال التالية:- 1- أن المدين في دعوى نفاذ تصرف المدين يتصرف في ماله تصرفاً جدياً، بينما في الدعوى الصورية فإن المدين يتصرف في ماله تصرفاً صورياً (أي غير حقيقي). 2- من حيث الأثر المترتب ففي دعوى عدم نفاذ تصرف المدين يهدف الدائن إلى إدخال شيء خرج من ملك المدين، أما في الدعوى الصورية فالدائن يهدف إلى استبقاء شيء في ملك المدين لم يخرج منه. 3- دعوى عدم نفاذ تصرف المدين يرفعها الدائن، أما الدعوى الصورية فيرفعها الدائن وكل من له مصلحة مشروعة وأضرت به صورية التصرف. 4- يشترط في دعوى عدم نفاذ تصرف الدين أن يكون حق الدائن مستحق الأداء وتكون في حالة المطالبة أما في حال الاحاطة فلا يشترط الاستحقاق. أما في دعوى الصورية فلا يشترط الاستحقاق ويكفي أن يكون الحق خالياً من النزاع. 5- يشترط في دعوى عدم نفاذ تصرف المدين أن يكون حق الدائن سابقاً في الوجود على تصرف المدين المطعون فيه، أما في الدعوى الصورية فلا يشترط ذلك لأن الدائن في هذه الدعوى لا يطلب أكثر من تقرير عدم وجود تصرف المدين وهذا لا يتأثر بتاريخ نشوء حق الدائن. 6- تقوم دعوى عدم نفاذ تصرف المدين على فكرة منع الإضرار بالدائنين لذا يشترط أن تحيط الديون بمال المدين أو أن يؤدي التصرف إلى عجز المدين عن الوفاء بديونه فيلحق الضرر بالدائن، أما دعوى الصورية فتقوم على إظهار الوجه الحقيقي للتصرف وبالتالي يكون للدائن الطعن بتصرف المدين بالصورية ولو لم يؤدي هذا التصرف إلى إحاطة الديون بمال مدينه أو عجزه عن الوفاء بها. 7- دعوى عدم نفاذ تصرف المدين تسقط بالتقادم الثلاثي تبدأ من تاريخ علم الدائن بسب عدم نفاذ تصرف المدين في حقه كعلمه بإحاطة الدين بمال المدين وتسقط في جميع الأحوال بانقضاء خمسة عشرة سنة تبدأ من وقت صدور التصرف عن المدين (374 مدني أردني). أما دعوى الصورية فلا تسقط بالتقادم لأنها تهدف إلى تقرير واقع مستمر لا ينتفي مهما مر عليه الزمن.
المطلب الثالث دعوى عدم نفاذ تصرف المدين وجريمة تهريب الأموال إذا كان الهدف من الوسائل الوسطى التي نص عليها المشرع في القانون المدني ومن ضمنها دعوى عدم نفاذ تصرف المدين هو من أجل المحافظة على أموال المدين باعتبارها الضمان العام للدائنين، فإذا ما قام المدين الذي أحاط الدين بماله بتصرفات ضارة بدائنه وتؤثر على الضمان العام فيحكم بعدم نفاذها في مواجهة دائنه عن طريق دعوى عدم نفاذ تصرف المدين هذا من الناحية المدنية، ولكن وبالرجوع إلى قانون العقوبات الأردني نجد أن المشرع قد رتب جزاء جنائي على من يهرب أمواله بقصد الإضرار بدائنيه وهو ما نصت عليه المادة (419) على "يعاقب بالحبس حتى سنه كل من:- 1- وهب أو افرغ أو رهن أمواله أو تسبب في ذلك بقصد الاحتيال على دائنيه. 2- باع أو نقل أي قسم من أمواله بعد صدور حكم أو قرار يقضي عليه بدفع مبلغ من المال وقبل تنفيذ ذلك القرار أو الحكم أو خلال مدة شهرين سابقين لتاريخ صدورها قاصداً بذلك الاحتيال على دائنه". فالمدين الذي يرتكب إحدى الأفعال المشار إليها في النص أعلاه يجرم بجرم الاحتيال ويعاقب على ذلك. لذا نجد أن الجزاء المدني يلتقي مع الجزاء الجنائي في أن كليهما يهدف إلى المحافظة على الضمان العام للدائنين وردع المدين من القيام بتصرفات ضارة بدائنيه . وإدانة المدين بارتكاب جرم الاحتيال وتهريب الأموال خلافاً للمادة 419/2 يشكل حجية الحكم الجزائي امام القاضي المدني وهذا ما أشار إليه قرار محكمة التمييز الموقرة بقولها "أن عدم تعرض محكمة الموضوع للحكم الجزائي الصادر بحق المدعى عليه عن جرم تهريب أمواله ومدى قيمة الحكم القانونية في ضوء أحكام المواد (370 و371 و 372)، من القانون المدني الباحثة عدم نفاذ تصرفات المدين بحق الدائن يشوب الحكم المميز بقصور في التعليل"( ).
المبحث الثاني تاريخ دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن ويضم هذا المبحث مطلبين، ففي المطلب الأول نبحث في تاريخ هذه الدعوى في القانون المصري، وفي المطلب الثاني عن تاريخ هذه الدعوى في القانون الأردني. المطلب الأول تاريخ هذه الدعوى في القانون المصري يعتبر القانون الروماني المصدر التاريخي الذي استقى منه معظم التشريعات احكام هذه الدعوى فبعد زوال الحقوق التي كان يتمتع بها الدائن على شخص المدين والتي يستطيع الدائن بمقتضاها قتل المدين أو استعباده واقتصرت حقوقه على إمكانية حبس المدين والتنفيذ على أمواله تنفيذاً جماعياً( ). وبهدف المحافظة على أموال المدين ومنعه من تهريبها بقصد عدم التنفيذ عليها من قبل الدائنين وعدم السماح له بالتصرف فيها غشاً تدخل البريطور الروماني ليجعل من غش المدين ضد دائنه فعلاً غير مشروع يواجه بدعوى مسؤولية سميت بالدعوى البوليصية نسبة إلى البريطور بولص الذي قيل بأنه أول من ادخالها في القانون الروماني( ). ويقال أن البريطور بولص هذا ليس ألا شخصاً خيالياً( ).ولم تكن الدعوى البوليصية دعوى واحدة بل كانت تشكل دعاوى متعددة أعطيت لحماية الدائنين في حالات مختلفة ولم تتوحد في دعوى واحدة الا في عهد جوستنيان( ), وتدخل الدعوى البولصية ضمن اجراءات تصفية أموال المدين المعسر بطريقة جماعية بواسطة شخص يمثل الدائنين ويوكل إليه أمر تصفية أموال المدين وتوزيعها على الدائنين,فإذا لم تكفي هذه الأموال للوفاء بجميع ديونه, تظهر دور الدعوى البوليصية,بحيث يستطيع وكيل الدائنين رفعها للطعن بتصرفات المدين المنطوية على غش بحيث تؤدي إلى رد المال المتصرف فيه( ). وقد انقلبت الدعوى البوليصية في القانون الحديث من دعوى جماعية إلى دعوى فردية بحيث يملك أي دائن رفعها إذا ما توافرت شروطها ويستفيد من أثرها كافة الدائنين الذين استوفوا شروط هذه الدعوى( ). وقد كانت تسمى هذه الدعوى بدعوى إبطال التصرفات،وقد تأثر القانون المصري القديم بهذه التسمية إلا أن المشرع المصري رجع عن هذه التسمية في التقنين المدني المصري الحالي فسماها دعوى عدم نفاذ تصرفات المدين في حق الدائن( ). ونجد أن التقنين المدني المصري الحالي قد أدخل بعض التعديلات الهامة على هذه الدعوى, وأهمها جعل نفع هذه الدعوى يعم كافة الدائنين الذين تتوافر فيهم شروط هذه الدعوى,ووسع من نطاق التصرفات التي يجوز للدائن الطعن بها بحيث شملت التصرفات التي تزيد من التزامات المدين, وتفضيل دائن على آخر,وكذلك يسر القانون الحالي إثباتها فأقام القرائن القانونية على إعسار المدين وعلى غشه وتواطئه,كما جعل للمتصرف إليه أن يتجنب الدعوى بإيداع ثمن المثل خزانه المحكمة,وأنشأ تقادماً خاصاً للدعوى مدته ثلاثة سنوات. ( ). المطلب الثاني تاريخ هذه الدعوى في القانون الأردني لما كان المشرع الأردني قد استقى القسم الأكبر من القواعد المنظمة لهذه الدعوى من الفقه الإسلامي، وبالأخص من الفقه المالكي، فإن هذه الدعوى في الفقه الإسلامي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحجر على المدين المفلس( ). ويرجع الفقهاء المسلمين مشروعية الحجر إلى الأدلة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فبالنسبة لما ورد في القران الكريم، فقد رأى جمهور الفقهاء في قوله تعالى "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"( ) خطاباً موجهاً إلى الأولياء أمروا فيه بالحيلولة بين السفهاء (المبذرون) وبين ما في أيديهم حماية للحقوق وصونا لها، فيصح إذن الحجر عليه وإعادة الحقوق لاصحابها، أما بالنسبة لما ورد في السنة النبوية الشريفة فإنها عديدة تشير إلى صحة ايقاع الحجر على المدين وحق الدائنين في اقتسام ماله، ومنها أن الرسول (ص) قد أجاز الحجر على معاذ بن جبل وبيعه لماله، ويستدل على مشروعية الحجر بالقياس أنه إذا كان المريض محجوراً عليه لمكان ورثته فأحرى أن يكون المدين محجوراً عليه لمكان الغرماء( ). أما فقهاء المالكية فذهبوا إلى جواز تقييد تصرفات المدين دون حجر مستندين على أساس من القياس ومن الاستحسان، أما القياس فيقوم على أساس علة منع المدين من التصرف بالحجر وهي عجزه عن الوفاء بديونه فإذا وجدت هذه العلة قبل الحجر وجب قبول ثبوت الحكم وهو المنع، إلا أن المالكية لم يجعلوا المنع شاملاً بل جعلوه متدرجاً يتفق والخطورة التي تمثلها حال المدين المالية( ). فالمدين الذي أحاط الدين بماله حتى قبل الحجر عليه ليس له التصرف بغير عوض لانه يضر بدائنيه، ولا يجوز تصرفه في ماله بغير عوض فيما لا يلزمه ولا تجري العادة بفعله من هبة وصدقه وغيرها ولكن يجوز بيعه وشراءه، أما في حالة التفليس العام وهي تعني قيام الدائنون على المدين يطالبونه بديونهم دون أن يطلبوا الحجر عليه فلا يجوز للمدين أن يتصرف بغير عوض أو يعوض وللدائنين أن يقتسموا ماله بالمحاصة( ). أما من خلال الاستحسان .. فيرون أن تمكين المدين المفلس من التبرع فيه إبطال لحقوق الغرماء (الدائنون) والشريعة لا تأتي بمثل هذا وإنما جاءت لحفظ الحقوق وسد الطرق المفضية إلى إضاعتها( ). والمشرع الأردني نص على شرعية هذه الدعوى بنصوص صريحة في القانون المدني( ).
المبحث الرابع الطبيعة القانونية لدعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن وفي هذا المبحث سنحاول بحث الطبيعة القانونية لهذه الدعوى في القانون المصري وكذلك الطبيعة القانونية لهذه الدعوى في القانون الأردني وذلك من خلال:- المطلب الأول:- الطبيعة القانونية لهذه الدعوى في القانون المصري. المطلب الثاني:- الطبيعة القانونية لهذه الدعوى في القانون الأردني
المطلب الأول الطبيعة القانونية لهذه الدعوى في القانون المدني المصري اختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لهذه الدعوى فهنالك رأي ذهب إلى أنها دعوى بطلان، ورأي أخر ذهب إلى أنها دعوى تعويض واخيراً ذهب رأي إلى أنها دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن مما تقتضي دراسة هذه الآراء وذلك من خلال:-
الفرع الأول:- الرأي القائل بأنها دعوى بطلان. الفرع الثاني:- الرأي القائل بأنها دعوى تعويض. الفرع الثالث:- الرأي القائل بأنها دعوى عدم نفاذ.
الفرع الأول:- دعوى عدم نفاذ تصرف المدين دعوى بطلان ذهب رأي إلى أن هذه الدعوى هي دعوى بطلان مستندين إلى أن كلمة البطلان وردت في نصوص التقنين المدني الفرنسي،وإلى تقاليد القانون الروماني ، وما ورد في التقنين المدني المصري السابق( ). وكذلك اعتبار هذه الدعوى دعوى بطلان تصرف المدين الذي أضر بدائنيه يقوم على أساس أن رفع الضرر الذي أصاب الدائن من التصرف لا يتحقق إلا بهدم هذا التصرف عن طريق إبطاله، وذلك حتى يمكن القول بأن الحق المتصرف فيه يخرج من ذمة المتصرف إليه بأثر رجعي وبالتالي يستطيع الدائن أن ينفذ عليه في أي وقت كما لو أنه لم يخرج من ذمة المدين ولا يتعرض إلى مزاحمة دائني المتصرف إليه أما لو اتبع لرفع الضرر عن الدائن طريقة التعويض العادي فإنه سيحكم للدائن الطاعن بمبلغ من النقود وسيتعرض لمزاحمة دائني المحكوم عليه الآخرين وهذا يتعارض مع ما هو مسلم به في هذه الدعوى من أنها تؤدي إلى تمكين الدائن من التنفيذ على الحق المتصرف به دون مزاحمة دائني المتصرف إليه وبالتالي هي دعوى بطلان وليست دعوى تعويض( ). أما عن كيفية تفسير اقتصار اثر البطلان على الدائن رافع الدعوى وعلى المتصرف إليه فالفقه يبرر ذلك بالأثر النسبي لدعوى البطلان( ). كما أن القول بأن هذه الدعوى دعوى بطلان هو الذي يبرر جواز الطعن في الهبة التي يبرمها المدين مع موهوب له حسن النيه لا يعلم عن حال المدين وعليه فهو لا يتفق مع قواعد المسؤولية التي تشترط الخطأ ولا يمكن اعتبارها دعوى تعويض( ). هذا الرأي لم يسلم من النقد الذي يتمثل بالآتي:- إن قواعد البطلان تتناقض مع أحكام دعوى عدم نفاذ تصرف المدين من حيث أولا:- أن البطلان يترتب على التصرف إذا فقد أحد أركانه أو شروطه التي تستلزمها القانون وينص على بطلان هذا التصرف في حالة فقدان هذا الركن أو ذلك الشرط دون اعتبار لظروف خارجة عن هذا التصرف كحسن أو سوء نية احد أطرافه وبالتالي فتصرف المدين المشوب بالغش بقصد الإضرار بدائنه لا يكون تصرف معيباً بالصورة التي تؤدي إلى بطلانه لعدم فقدان هذا التصرف لشروطه أو أركانه ولكن يمكن أن يثور بالنسبة للغاية من هذا التصرف الذي يقصد به غش دائنيه فيقال أنه تصرف باطل لعدم مشروعية سببه ولكن هذا الأمر مستبعد لأن البطلان لعدم مشروعية السبب لا يتحقق إلاّ إذا كانت غاية التصرف مخالفة للنظام العام, بينما قصد الغش بالتصرف تكون الغاية منه الإخلال بمصالح الدائن فقط وبالتالي لا يؤدي إلى البطلان( ). ثانياً:- إن الدائن لا يطلب إبطال التصرف الصادر من مدينه وإنما يبقى هذا التصرف قائم بين المدين والمتصرف إليه وكل ما يطلبه الدائن هو عدم نفاذ هذا التصرف في حقه لأن الدائن يعتبر من الغير في تصرف مدينه وبالتالي لا يجوز له طلب إبطاله لان البطلان لا يكون الا فيما بين المتعاقدين( ). ثالثاً:- من حيث اثار الطعن بهذه الدعوى أنها لا تؤدي إلى هدم التصرف المطعون فيه الا في الحدود اللازمة لرفع الضرر الواقع على الدائن, وبالتالي فإن ما يبقى من ثمن الحق المتصرف فيه بعد استيفاء الدائن لحقه يكون من حق المتصرف إليه، ويستطيع المتصرف إليه أن يتجنب هذا الطعن بأن يوفي حق الدائنين، وهذه الآثار لا تتفق والآثار التي تترتب على البطلان( ). والخلاصة أن دعوى عدم نفاذ تصرف المدين ليست بدعوى بطلان وذلك لاختلاف شروطها وآثارها عن شروط وآثار دعوى البطلان. الفرع الثاني:- دعوى عدم نفاذ تصرف المدين دعوى تعويض ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار هذه الدعوى دعوى تعويض وذلك من خلال التقريب بين شروط وآثار هذه الدعوى وبين شروط المسؤولية عن الفعل الضار وقواعد تقدير هذا التعويض( ). أما من حيث الشروط، فإنه يشترط لرفع هذه الدعوى أن يكون هنالك ضرر أصاب الدائن نتيجة تصرف المدين المعسر وهذا يقابل ركن الضرر في المسؤولية أما ركن الخطأ في دعوى المسؤولية يتمثل في هذه الدعوى في اشتراط غش المدين ومن تصرف إليه وأن علم المدين بإعساره يعتبر قرينة على توافر قصد الإضرار بالدائنين( ). وإن قياس التعويض بما يساوي الضرر الحاصل هو الذي يقضي بأن يكون إهدار التصرف المطعون فيه بدعوى عدم نفاذ تصرفات المدين تكون في الحدود التي تلزم لرفع ما أصاب الدائن من ضرر ولذلك لا يسري أثر الطعن الا في علاقة الدائن بالمتصرف إليه أما علاقة المدين بالمتصرف إليه تبقى صحيحة ونافذة بما يزيد عما يلزم لتعويض الدائن( ) إلاّ أن هذا الرأي لم يسلم من النقد ومن الانتقادات التي وجهت إليه ما يلي: أولاً:- لا يمكن اعتبار هذه الدعوى دعوى تعويض في التصرفات التي يجريها المدين تبرعاً إلى متبرع إليه حسن السنة، لأنه ليس هنالك خطأ ارتكبه المتبرع إليه لأنه يجهل إعسار المدين( ). لذلك حاول البعض تكييف مسؤولية المتبرع له بأن يرد ما آثري به دون وجه حق على أساس الإثراء بلا سبب إلا أن الفقه لم يقبل جعل أساس الطعن بهذه الدعوى حق المتبرع إليه حسن النية على أساس الإثراء بلا سبب( ) لأنه يكتسب حقوقه بناء على تصرف المدين مما يجعل لإثرائه سبباً وهو العقد المبرم بين المتبرع له والمدين( ). لذلك ذهب البعض إلى تبرير الطعن في التبرع إلى المتبرع إليه حسن النية على أساس المسؤولية ولكن ليست على أساس الخطأ وإنما على أساس تحمل المخاطر. ( ) ثانيا:- لو أن تصرف المدين ينفذ في حق الدائن فيضره فيعطي تعويض عن هذا الضرر لصح أن تكون هذه الدعوى دعوى تعويض, ولكن الواقع غير ذلك فتصرف المدين لا ينفذ في حق الدائن وبالتالي لا يستحق تعويضاً عن ضرر منع وقوعه وإذا صح أن يكون هذا تعويضاً فهو تعويض عيني( ). ثالثاً:- إن التعويض في هذه الدعوى لا يتخذ صورته الأصلية وهو الحكم بمبلغ من النقود بل يكون تعويضاً عينياً يتمثل في اعتبار التصرف المطعون فيه كأنه لم يكون بالنسبة للدائن الطاعن, وذلك بهدم التصرف المطعون فيه بقدر الضرر الذي يصيب الدائن مع بقاء التصرف صحيحاً ونافذاً بين المدين والمتصرف إليه, ولكن ما هي الوسيلة التي يتم فيها الهدم البعض يرى بأن الوسيلة هي البطلان بقصد التعويض والبعض الأخرى يرى الوسيلة في فكرة عدم النفاذ( ) والخلاصة أن هذه النظرية لم تنجح في تحديد طبيعة هذه الدعوى. الفرع الثالث:- دعوى عدم نفاذ تصرف المدين هي دعوى عدم نفاذ هذه النظرية تلقى قبولاً متزايداً من رجال الفقه الحديث باعتبار عدم النفاذ الوسيلة المقبولة لتفسير خصائص هذه الدعوى وآثارها( ). ولان هذه الدعوى ما هي إلا طريقاً يسلكه الدائن باعتباره من الغير لينال من القضاء حكماً بعدم نفاذ تصرف مدينه المعسر الذي اضر بحقوقه، |إذا كان هذا المدين سيئ النية في إجراء هذا التصرف لأن الأصل أن الدائن ينصرف إليه اثر العقد الصادر من المدين إذا كان حسن النية عند إجراء هذا التصرف، وعليه فتكون هذه الدعوى هي دعوى نفاذ تصرف المدين المعسر في حق الدائن( ). فالدائن في هذه الدعوى لا يطلب إبطال التصرف الذي أجراه المدين، وانما يطالب بعدم نفاذ هذا التصرف في حقه، مع بقاء هذا التصرف منتجاً لإثارة فيما بين المدين والمتصرف إليه في الحدود التي لا تضر بحقوق الدائن. وكذلك فالدائن لا يطالب بالتعويض من خلال هذه الدعوى لعدم وقوع الضرر لأن تصرف المدين لم ينفذ في حق الدائن وإنما يطالب بعدم نفاذ هذا التصرف في حقه وإذا ما طالب الدائن بالتعويض فلا يكون من خلال هذه الدعوى وإنما على أساس الفعل الضار إذا ما توافرت شروطه. هذا التكييف الحديث لهذه الدعوى أخذت به كثير من التشريعات ومنها التشريع المصري الذي وصف هذه الدعوى بأنها دعوى عدم نفاذ ونص عليها صراحة، والفقه المصري مستقر الآن على أن طبيعة هذه الدعوى هي دعوى عدم نفاذ( ). المطلب الثاني الطبيعة القانونية لهذه الدعوى في القانون المدني الأردني كما أشرنا سابقاً فإن المشرع الأردني اخذ أحكام هذه الدعوى من الفقه الإسلامي وبالتحديد من الفقه المالكي، وكذلك من بعض التشريعات العربية وبالأخص من التقنين المدني المصري والقانون المدني العراقي. وكما هو في التقنين المدني المصري لا تعتبر هذه الدعوى في القانون المدني الأردني دعوى تعويض لأنها لا تستند على قواعد المسؤولية، ولأن تصرف المدين لم ينفذ في حق الدائن وبالتالي لم يصب بضرر حتى يمكنه من المطالبة بالتعويض وإذا كان هنالك تعويض فهو تعويض عيني يتمثل بالتزام المدين بعدم الإضرار بالدائن. وكذلك لا يمكن اعتبارها دعوى بطلان وهذا واضح من خلال اثر هذه الدعوى في حال نجاحها فإنها لا تؤدي إلى إبطال تصرف المدين وإنما يبقى هذا التصرف منتجا لأثاره بين المدين والمتصرف إليه في الحدود التي لا تضر بالدائن وإنما تؤدي |إلى عدم نفاذ هذا التصرف في حق جميع الدائنين. إذن فالطبيعة القانونية لهذه الدعوى هي دعوى عدم نفاذ وهذا واضح من خلال: أولاً:- نصوص المواد 370 "إذا أحاط الدين حالاً أو مؤجلاً بمال المدين بأن زاد عليه أو ساواه فإنه يمنع من التبرع تبرعاً لا يلزمه ولم تجر العادة به وللدائن أن يطلب الحكم بعدم نفاذ هذا التصرف في حقه". 371 "إذا طالب الدائنون المدين الذي أحاط الدين بماله بديونهم فلا يجوز له التبرع بماله ولا التصرف فيه معاوضة ولو بغير محاباة وللدائنين أن يطلبوا الحكم بعدم نفاذ تصرفه في حقهم.." 373 "متى تقرر عدم نفاذ التصرف استفاد من ذلك جميع الدائنين الذين يضارون به". وقد ورد في المذكرات الإيضاحية للقانون المدني"أنه أن كان لفظ بعض الفقهاء أن للدائن رد التصرف وإبطاله,إلاّ أنه رؤى في القانون المدني أن المتفق مع أحكام التفليس العام وأحكام الحجر مع أنهما أشد من مجرد احاطة الدين بالمدين,ومع حكمه هذا النص هو عدم نفاذ التصرف في حق الدائنين( ). ثانياً:- وهذا ما أكدت عليه محكمة التمييز الموقرة في احد قراراتها بقولها " عرف الفقه والقضاء الدعوى البوليصية بأنها دعوى عدم نفاذ تصرفات المدين المعسر في حق الدائن وهي طريق يسلكه الدائن لينال من القضاء حكماً بأنه من الغير في تصرف صدر من مدينه المعسر أضر بحقوقه أي أنها دعوى بطلان من نوع خاص، وحيث أن البطلان لا يكون إلا فيما بين المتعاقدين فليس للغير أن يطلب إلا عدم نفاذ العقد في حقه( ). وفي قرار آخر بقولها:" حيث أن مقتض منع النفاذ للتصرف في الأموال غير المنقولة الخاضع للتصرف فيها للتسجيل لدى دائرة الأراضي إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل تصرف المدين,حيث أن محكمة الموضوع قد توصلت بقرارها إلى هذه النتيجة وقضت على هذا الأساس فإنها تكون قد طبقت مفهوم منع نفاذ التصرف"( ).
المبحث الخامس التكييف القانوني لدعوى نفاذ تصرف المدين في حق الدائن قد ثار التساؤل حول تكييف هذه الدعوى هل هي دعوى شخصية أم عينية أم مختلطة. فيرى جانب من الفقه أن هذه الدعوى هي دعوى شخصية لأن الدائن لا يطالب من خلال هذه الدعوى بنقل حق عيني له أو لمدينه، وإنما يطالب بعدم نفاذ تصرف المدين في حقه، وأساس هذا الطلب هو التزام المدين بالاّ يتصرف في ماله إضراراً بدائنيه وهو التزام شخصي مصدره القانون( ). وهي دعوى شخصية حتى ولو كان الدائن يطعن بها في تصرف ناقل للملكية أو لحق عيني أخر لان الدائن يستند فيها إلى حقه الشخصي الذي يدافع عنه وإلى حقه في الضمان العام على أموال مدينه( ). وكذلك فإن اثر هذه الدعوى التي يرفعها الدائن لا تؤدي إلى إرجاع العين التي تصرف بها المدين إلى ملك المدين أو أن يتملكها الدائن شخصياً، وإنما يبقى تصرف المدين قائماً ومنتجاً لإثارة بين المدين والمتصرف إليه، ويقتصر اثر هذه الدعوى على إعادة العين إلى الضمان العام للدائنين( ) لان الدائن لا يرفع هذه الدعوى باعتباره مالكاً لهذه العين أو باعتباره صاحب حق على هذه العين وإنما يرفع هذه الدعوى بهدف الحفاظ على الضمان العام للدائنين على أموال المدين وبالتالي فهي دعوى شخصية. وذهب جانب أخر من الفقه إلى القول بأن هذه الدعوى هي دعوى عينية، وقد بنى أصحاب هذا الرأي قولهم على أساس أنهم يرون بان هذه الدعوى هي دعوى بطلان، وأن دعاوى البطلان هي دعاوى عينية لأنها تؤدي إلى إرجاع العين إلى ملك المدين( ) مما يضفي عليها طابعاً عينياً، الأمر الذي دفعهم إلى إلحاقها بالدعاوى العينية. ولكن هذا الرأي لم يسلم من النقد الذي تمثل بالآتي:- أولاً:- أن هذه الدعوى ليست بدعوى بطلان كما بينا سابقاً وبالتالي لا يمكن تكييفها على أنها دعوى عينية. ثانياً:- مطالبة الدائن من خلال هذه الدعوى بإرجاع العين التي تصرف بها المدين إلى الضمان العام لا تقوم على أساس أنه مالكاً لهذه العين أو صاحب حق عليها، وإنما يفعل ذلك استناداً إلى حقه في الضمان العام على أموال المدين وهذا الحق هو حق شخصي وليس حقاً عينياً( ). ثالثاً:- أن الأثر الذي يترتب على نجاح هذه الدعوى لا يتمثل بإرجاع العين التي تصرف بها المدين إلى ملكه أو أن يتملكها الدائن شخصياً، وإنما يبقى تصرف المدين قائماً ومنتجاً لإثارة، وإنما يقتصر اثر هذه الدعوى على عدم نفاذ هذا التصرف بحق الدائن عن طريق إرجاع العين إلى الضمان العام للدائنين( ). وذهب رأي ثالث إلى القول بأن هذه الدعوى هي دعوى مختلطة، على أساس أن الدائن الذي يطعن بتصرفات المدين عن طريق دعوى عدم نفاذ تصرف المدين فإنه يمارس حقه الشخصي في الضمان العام، فإذا ما ترتب على نجاح هذه الدعوى إرجاع العين التي تصرف بها المدين إلى الضمان العام، فإن هذه الدعوى تنقلب من دعوى شخصية إلى دعوى عينية( ). وقد اخذت بهذا الرأي بعض الأحكام الفرنسية القديمة، ويؤيده بعض الشراح المعاصرين( ). ولم يسلم هذا الرأي من النقد والذي تمثل بالآتي:- أولاً:- أن الدعوى لا تعتبر مختلطة إلا إذا كان رافعها يستند إلى حق شخصي وأخر عيني في وقت واحد، وهذا لا ينطبق على دعوى عدم نفاذ تصرف المدين لأن الدائن يستند فيها إلى حقه الشخصي فقط الذي يخوله حق الضمان العام على أموال مدينه( ). ثانياً: أن الطبيعة القانونية لهذه الدعوى لا يمكن اعتبارها دعوى بطلان. وبهذا فإن الرأي الراجح هو أن هذه الدعوى هي دعوى شخصية وليست دعوى عينية أو مختلطة( ). | |
|
Jasmine collar
| موضوع: رد: بحث عن الدستور الاردني وقانون حرية الانسان الشخصية 24/1/2011, 01:17 | |
| | |
|
theredrose
| موضوع: رد: بحث عن الدستور الاردني وقانون حرية الانسان الشخصية 24/1/2011, 03:52 | |
| | |
|
Jasmine collar
| موضوع: رد: بحث عن الدستور الاردني وقانون حرية الانسان الشخصية 24/1/2011, 03:53 | |
| | |
|
theredrose
| موضوع: رد: بحث عن الدستور الاردني وقانون حرية الانسان الشخصية 24/1/2011, 15:49 | |
| | |
|
Jasmine collar
| موضوع: رد: بحث عن الدستور الاردني وقانون حرية الانسان الشخصية 24/1/2011, 20:21 | |
| | |
|
theredrose
| موضوع: رد: بحث عن الدستور الاردني وقانون حرية الانسان الشخصية 30/1/2011, 20:41 | |
| | |
|