الفصل الأول:
من التقرير العالمي حول الفساد2004
التقرير العالمي حول الفساد لعام 2004 يوفر نظرة شاملة لحالة الفساد في مختلف أنحاء العالم، ويعالج التطورات المحلية والدولية والتغيرات المؤسساتية والقانونية والخطوات التي يتبعها القطاع الخاص والمجتمع المدني خلال الفترة الواقعة بين تموز 2002 إلى حزيران 2003 .التقرير هذا العام يركز على الفساد السياسي ويقدم تقاريراً حول الاوضاع في 34 دولة ومعلومات حول آخر الابحاث في مجال الفساد.
من أهم الفعاليات الدولية، والتي تبلورت في الفترة ما بين تموز 2002- حزيران 2003، كانت المفاوضات حول ميثاق الأمم المتحدة حول الفساد. فعلى المستوى الإقليمي، قام إتحاد دول إفريقيا بتبني مؤتمر قمة للعمل على مكافحة الرشوة. أما الإتحاد الأوروبي ، وخلال التحضيرات اللازمة لإنضمام عشرة دول للإتحاد - وهي دول من اوروبا الوسطى والشرقية - فقد قام بتطبيق إجراءات هامة ضمن مساعيه المستمرة لمكافحة الفساد. ومن جهة أخرى، فالتعديلات المتوقعة في ميثاق المنظمة الدولية للتعاون والإنماء الإقتصادي ((OCED المتعلق بمكافحة الفساد، ما زالت تثير الجدل حتى بعد البدأ بتطبيقها. وأخيرا قامت حكومة الولايات المتحدة بتقديم مقترحاتها لمشروع "تحدي العقد " (مشروع مكافحة الفقر من خلال الانماء)، حيث سيتم تقييم تقرير الدول حول الفساد وإعتباره النقطة المركزية التي ستحدد تقديم المساعدات لتلك الدول.
الفساد السياسي: حجم المشكلة
الفساد السياسي هو عبارة عن سوء إستغلال للثقة وللصلاحيات التي يمتلكها القادة السياسيين بهدف الحصول على مكاسب شخصية، ومن أبرز أشكاله أيضا الفساد في مجال التمويل السياسي الذي يترواح بين شراء الاصوات وإستخدام الاموال بشكل غير قانوني وبيع المناصب والوظائف للاخرين وسوء إستغلال مصادر الدولة، كما أن التبرعات التي تتم قانونياً للاحزاب السياسية تؤدي أحيانا إلى تغير في السياسات.
ففي أحد الاستطلاعات التي أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2003، تبين أن 89% من الـ102 دولة التي جرى فيها الاستطلاع تتعرض لتأثير فاعل أو كبير جداً يؤدي إلى تغيير سياساتها بناء على التبرعات السياسية.
السيطرة على التمويل السياسي
في أغلب الاحيان نرى أن الانظمة القانونية ضعيفة في مجال السيطرة على التمويل السياسي، رغم وجود إجراءات روتينية تتحكم في التمويل السياسي للاحزاب وتضع حدا أعلى للتبرعات والمصروفات وتلزم الاحزاب والمرشحين بالكشف عن مصادر الدعم.
وبالرغم من ذلك، فان متطلبات الافصاح عن الاموال هي بالفعل ضعيفة في عدد من البلدان، والاسوأ من هذا أن واحدة من كل ثلاثة دول لا يوجد فيها نظام شامل يحدد الاسس للتمويل السياسي للاحزاب.
بالاضافة إلى التمويل المباشر، فان التشريعات يلزمها أن تأخذ بالاعتبار التبرعات العينية للاحزاب، خصوصاً فيما يتعلق إمكانية الوصول إلى وسائل الاعلام.
ففي جواتيمالا والاوراغواي أصبح لمالكي وسائل الاعلام تأثيراً سياسياً بالغاً لانهم يبثون الدعايات الانتخابية في الوقت المخصص على الهواء لصالح الحزب الحاكم.
ففي إيطاليا، رئيس الوزراء بارلوسكوني يمتلك أكبر مؤسسة إعلامية خاصة وفي نفس الوقت هو يضع التشريعات لعمل شبكات الاعلام، ما يدل على وجود تضارب في المصالح.
من الضروري إتباع القوانين التي تشرع التمويل السياسي وتضع له الخطوات التنفيذية، ففي اليونان تشير الادلة إلى أن المرشحين تجاهلوا قوانين الانتخابات عام 2000 ولم يؤدي ذلك الى فتح أية تحقيقات في الامر، وفي منتصف عام 2002 قامت الحكومة بتعديل القوانين المتعلقة بتمويل الاحزاب، لكن هناك ضرورة لتدعيم الاجهزة التنفيذية وليس إيجاد أجهزة جديدة.
إن التنفيذ الناجح يتطلب وجود مؤسسات رقابية مستقلة لديها الصلاحيات والقدرة على إجراء التحقيقات، وإذا ما تطلب الامر، إجراء الملاحقات القانونية اللازمة في حالة وجود سوء ائتمان.
ولسوء الحظ لا توجد لدى الكثير من الحكومات الارادة السياسية لتدعيم الاجهزة القانونية الرقابية لان ذلك قد يعمل ضدها عندما يغادر أعضاء الحكومة مناصبهم.
على سبيل المثال، في العام 2003 ، أعطيت للمؤسسة الفدرالية المكسيكية للانتخابات صلاحية الحصول على المعلومات البنكية، لكن هذه الامكانية تتاح بالنظر في كل قضية على حدة ومن الممكن إلغاء تلك الصلاحية إذا ما قررت المحكمة الانتخابية ذلك.
يعود الفضل أحياناً لمؤسسات المجتمع المدني وللضغط الذي تمارسه لتفعيل القوانين المتعلقة بالتمويل السياسي وخصوصاً في مجال الرقابة وتحليل حسابات الاحزاب وتوفير المعلومات للرأي العام. ففي الولايات المتحدة، قام مركز السياسات الايجابية بالكشف عن الإرتباطات الواسعة لشركة "أنرون" مع إدارة بوش، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل إذا ما كانت الحكومة تغض الطرف عن المخالفات الكبيرة التي تقوم بها تلك الشركة.
إحضار السياسيين الفاسدين أمام العدالة
إحدى التطورات الايجابية تتمثل هذا العام في رفع الحصانة عن رئيس نيكاراغوا السابق أرنولدو أليمان وملاحقته قانونياً بدعوى الاختلاس والتلاعب بالممتلكات. مع هذا، فإن مراجعة شاملة للاوضاع في 34 دولة كشفت أن الكثير من الحكومات- بما فيها إيطاليا- اختارت توسيع الحصانة بدل الحد منها خلال عامي 2002-2003.
إضافة الى ذلك، فإن محاولة إحضار السياسيين الفاسدين أمام العدالة قد واجهت عوائق سببها القوانين المتعلقة بنقل المتهمين من بلد الى آخر. على سبيل المثال، رئيس بيرو السابق البرتو فوهيموري حصل على حق الحماية من الملاحقة بسبب جنسيته اليابانية، بالرغم من مطالبات عديدة من حكومة البيرو والمنظمات غير الحكومية والدولية.
ان الخلل في الانظمة والقوانين يؤدي إلى التباطؤ في إستعادة الممتلكات التي يسلبها القادة الفاسدين، ففي أواخر التسعينات أدى التراخي في تطبيق قوانين السرية في البنوك السويسرية إلى زيادة الامال بأن تعاد الاموال المسلوبة إلى موطنها الاصلي، لكن مع هذا يظل التقدم بطيئاً.
وعلى مدى خمسة سنوات عمل المدعي القانوني على الحصول على حكم يلزم بنازير بوتو بإعادة مبلغ 250.000 دولار، علماًَ بأن المبلغ المذكور هو جزء بسيط من الملايين التي يعتقد أن بنازير بوتو وعائلتها سلبوها من الباكستان.
وفي تطور إيجابي، أعلن رئيس نيجيريا أو ليسيجون اوباسانجو في أواخر عام 2003 أن سويسرا وافقت على إعادة مبلغ 618 مليون دولار من المتعتقد أن الدكتاتور العسكري السابق سايني اباتشا قد سلبها، وقد التزمت حكومة نيجيريا بإستخدام تلك الاموال في مجال التعليم والصحة والزراعة والبنية التحتية.
قوانين العرض والطلب في مجال الفساد السياسي: دور القطاع الخاص
إن القطاع الخاص، بصفته مصدر التمويل للكثير من الفساد السياسي، تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة في الحد من هذه المشكلة.
فقد ساهمت السرية وعدم وجود شفافية في الاسعار في إنتشار الفساد في مجال تجارة الاسلحة.
وقد أدى الكشف عن معلومات مفادها أنه تم دفع الرشاوي بهدف الحصول على شحنات أسلحة الى سقوط عدد من السياسيين الفرنسيين والالمان في التسعينيات، وما زال التحدي ماثلاً أمام عدد من المسؤولين في جنوب أفريقيا حيث يتم توقيع صفقات دفاعية كثيرة بالرغم من الصعوبات الخانقة التي تواجهها البلاد في المجالين الاجتماعي والاقتصادي.
التطورات الدولية والاقليمية
"ميثاق الامم المتحدة لمكافحة الفساد"، والذي سيتم توقيعه في كانون الاول 2003، يعتبر أول آلية عالمية لمكافحة الفساد كما أنه يوفر مقاييس جديدة على المستويين المحلي والعالمي في مجال القانون الدولي، ذلك لانه يلزم الموقعين على تعزيز التعاون وتبادل الخبرات القانونية خصوصاً فيما يتعلق بإعادة الممتلكات المسلوبة، مع هذا فإن نجاح الميثاق يتطلب وجود الارادة السياسية والالتزام في مجال الرقابة على التنفيذ.
يشكل "ميثاق الاتحاد الافريقي لمنع ومحاربة الفساد" والمخالفات المرتبطة به إطاراً هو الاول من نوعه يتوفر للدول الاعضاء في مجال مكافحة الفساد، وقد تم تبنيه في تموز 2003 ويجب أن تتبناه 15 دولة قبل دخوله حيز التنفيذ، توجد بعض جوانب الخلل في الميثاق المذكور كضعف آليات التنفيذ كما أنه يسمح للموقعين بإختيار بعض الجوانب التي لا يرغبون بالالتزام بها.
إن التفاؤل الذي رافق التوصل الى ميثاق الـOECD الخاص بمكافحة الرشوة تحول الى شعور بالاحباط، مع أن الميثاق دخل حيز التنفيذ في شهر شباط 1999، فانه لم تجر أية ملاحقات قانونية على أساسه حتى نهاية عام 2003 – بإستثناء بعض الحالات المسجلة في الولايات المتحدة في ظل تشريعات جاءت قبل ميثاق الـOECD. إضافة الى ذلك، فان الكثير من الشركات لا تعلم أن تقديم الرشاوي للمسؤولين الاجانب هو جريمة.
إن دخول عشرة دول إلى الاتحاد الاوروبي مؤخرا أثار بعض المخاوف تتعلق بمدى جاهزيتها ومدى إلتزام الاتحاد الاوروبي بمكافحة الفساد. ولأن الاليات المتبعة لقياس إلتزام الدول بمكافحة الفساد وكشرط للعضوية هي آليات شكلية في مجملها، فإن الدول التي كانت شيوعية وفيها الكثير من مشاكل الفساد سوف تدخل في الاتحاد الاوروبي مع أنها قد فشلت في إيجاد إطار شامل لمكافحة الفساد.
إن حساب تحدي الالفية، إذا ما تم كبرنامج، سوف يغير بشكل جذري سياسة المعونة الخارجية التي تتبعها الولايات المتحدة، لانه سيوفر الكثير من المساعدات لمجموعات مختارة في دول معينة، ومن أجل الحصول على الدعم، على الدولة أن تحصل على نتائج أعلى من المتوسط وفق مؤشر مكافحة الفساد. المشكلة تكمن في أن هذا المتطلب الصارم يفترض أن مؤشرات مكافحة الفساد دقيقة وكاملة، وهنا نحن نتجاهل الفروقات في نقطة البدء التي تختلف من دولة لاخرى.
التطورات الحاصلة على مستوى الدولة
ينتشر الفساد بشكل كبير في نظام العقود العامة. فقد قامت كل من السنغال وصربيا بصياغة تسعيرات جديدة عام 2002-2003 ، لكن في الجزائر حيث فقد 2300 شخص حياتهم خلال زلزال أيار 2003، نرى أن الحكومة تدرس إمكانية التراخي في التشريعات حتى تشجع إعادة الاعمار ما سيؤدي بدوره إلى المزيد من الفساد والابنية الخطرة.
من الضروري العمل على تشجيع استقلالية القضاء، ففي الارجنتين تم طرد أحد القضاة ومدعي عام لانهما تابعا قضية فساد ضد أحد موظفي الحكومة المحلية، وفي مكان آخر كان هناك تطورات إيجابية.
ففي زامبيا حيث تم رفع الحصانة عن رئيس زامبيا السابق "فردريك شيلوبا" أدى ذلك إلى تشجيع المدعين العامين والقضاة على اتخاذ مواقف أقوى، وشاهدنا موقفاً مماثلاً عندما تم إتخاذ نفس الخطوات في نيكاراغوا.
يعتمد نجاح المجهودات في مكافحة الفساد على توفر الارادة السياسية لاحداث التغييرات. فقد قام رئيس البرازيل لولادي سيلفا بتوقيع إعلان لمكافحة الفساد تلتزم به حكومته ويشمل تأسيس وكالة لمكافحة الفساد، مع هذا ما تزال عملية التنفيذ تسير ببطئ. أما في مصر، فيقول النقاد أن حملة الرئيس حسني مبارك لمكافحة الفساد تهدف الى تهيئة إبنه لتولي الحكم.
يعتبر الحصول على المعلومات شرطاً أساسياً لوضع إستراتيجيات لمكافحة الفساد، لكن العائق الاساسي يتمثل في التطورات التي أدت الى الحد من استقلالية الصحافة.
الابحاث المتعلقة بالفساد
تشكل الاليات الجديدة والابحاث رافداً هاماً في فهمنا لمشكلة الفساد وفي تطوير آليات القياس، فمؤشر الشفافية الدولية لعام 2003، والذي يقيس الرأي العام في فساد المسؤولين الحكوميين والسياسيين في 133 دولة، يوضح أن 70% من البلدان حصلت على أقل من 5 درجات مع العلم أن الحد الاعلى هو 10 درجات. أما الاستطلاعات حول التجربة الشخصية مع الفساد، فأظهرت أن الضحايا لا يثقون بالمؤسسات العامة.
كما أوضحت أحدث الدراسات أن الفساد يؤدي الى ضعف المدخولات العامة وإلى تدني مستوى الانتاج، كما أن الفساد قد يشكل مانعاً أمام المستثمرين الاجانب بسبب عدم وجود قوانين حماية الملكية، هذا بالاضافة إلى البيروقراطية وسوء الادارة.
إذا ما أجرينا تقييماً على الاجراءات المتخذة لمكافحة الفساد، نرى أنه من المفيد نشر المعلومات وتعميمها. فبعد أن عرف الجميع في أوغندا بقيمة المنح المخصصة للمدارس، انخفض مستوى التسريبات من 80% عام 1995 إلى 20% عام 2001.
تدل الاستطلاعات التي أجريت في غرب أفريقيا وجنوب آسيا والبيرو على أن الفساد يزيد من مستوى الفقر لأن الفقراء يدفعون جزءاً من مدخولاتهم بهدف الحصول على الخدمات العامة.
التوصيات الرئيسية
• يجب أن تعمل الحكومات على تفعيل التشريعات المتعلقة بالتمويل السياسي وبالافصاح عن الاموال.
• يجب أن تتوفر لمؤسسات الرقابة العامة وللقضاء المستقل المصادر اللازمة والمهارات والصلاحيات لاجراء التحقيقات ومعاقبة المسؤولين.
• ضمان التغطية الإعلامية المنصفة لجميع المرشحين والأحزاب السياسية المشاركة. كما يجب وضع وتطبيق معايير لضمان تغطية اعلامية متوازنة للعملية الانتخابية، مع ضمان وضع الآلية لتحديث هذه المعايير حسب الحاجة.
• على الحكومات تفعيل القوانين المتعلقة بتضارب المصالح، بما فيها القوانين التي تشرع لامكانية إنتقال الموظف الحكومي إلى مؤسسات القطاع الخاص أو إلى الشركات التي تمتلكها الحكومة.
• على الاحزاب السياسية والمرشحين والسياسيين أن يفصحوا عن ممتلكاتهم ومدخولاتهم ومصروفاتهم لهيئة مستقلة على أن تقدم المعلومات في موعد محدد سنوياً وقبل وبعد الانتخابات.
• على المؤسسات المالية الدولية والمانحين أن يأخذوا الفساد السياسي في عين الاعتبار عندما يقررون في تقديم القروض أوالمنح للحكومات، كما أن عليهم تحديد مواصفات دقيقة لتقييم مستوى الفساد.
• من الضروري العمل سريعاً على تبني وتنفيذ ميثاق الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
• من الضروري تدعيم ميثاق الـOECD لمكافحة الفساد وتفعيل اجهزة الرقابة والتنفيذ.
• على الدول الموقعة إطلاق حملة تعليمية بهدف تعريف القطاع التجاري بالقوانين المرعية والعقوبات إذا ما كانت هناك أية مخالفة.
الفصل الثاني :
مقدمة التقرير حول الفساد السياسي
الفساد السياسي
مقدمة التقرير :
ما هو الفساد السياسي؟
الفساد السياسي هو سوء إستخدام السلطة التي هي أمانة في أيدي القادة السياسيين، بحيث يستغلون موقعهم للحصول على مكاسب شخصية تهدف الى زيادة قوتهم أو ممتلكاتهم. الفساد السياسي لا يتطلب بالضرورة نقل الاموال من يد إلى أخرى لكنه قد يأتي على شكل "تبادل النفوذ" أو المحسوبية التي تؤدي إلى تسميم الاجواء السياسية وتهدد الديمقراطية .
يشمل الفساد السياسي مجموعة كبيرة من الجرائم والاعمال السرية التي يقوم بها القادة السياسيين ما قبل وأثناء وجودهم في الوظيفة الرسمية أو بعد تركهم لها. ويختلف الفساد السياسي عن الفساد البيروقراطي كونه يتم على أيدي القادة السياسيين أو المنتخبين الذين تتوفر لهم صلاحيات عامة ويتحملون مسؤولية تمثيل المصلحة العامة.
يشكل الفساد السياسي عائقاً أمام الشفافية في الحياة العامة. ففي دول الديمقراطيات الثابتة نرى أن نتيجة الفساد هي خسارة المصداقية السياسية وفقدان ثقة الجمهور والناخبين، ما يشكل تحدياً للقيم الديمقراطية أما في الدول التقليدية والنامية نرى أن الفساد السياسي يشكل تهديداً لنجاعة المسيرة الديمقراطية لانه يؤدي إلى إضعاف المؤسسات الديمقراطية.
يشكل الفساد السياسي موضوعاً رئيسياً في عمل منظمة الشفافية الدولية، لذا تم إختيار الفساد السياسي كموضوع رئيس لتقرير المنظمة لهذا العام وكأولوية في عمل شبكات منظمة الشفافية الدولية في مختلف أنحاء العالم في دول ترى أن الفساد السياسي هو مشكلة كبيرة في بلدانهم.
مدى تأثير الفساد السياسي
كثيراً ما يؤدي الكشف عن قضايا الفساد السياسي الى إحداث صدمات في المجتمع، ورغم المطالبات المستمرة والقوية بضرورة تحقيق العدل، نرى أن القادة الكبار الذين تدور حولهم شكوك بالفساد يتمتعون بالحماية، والكثير من القادة يموتون أو يغادرون وظيفتهم قبل أن يتم الكشف عن جرائمهم.
منظمة الشفافية الدولية وضعت قائمة بأسماء الاشخاص الذين تدور حولهم شبهات الاختلاس، والذي يقدم تقريرات وتقديرات أيضا حول الاموال المختلسة وذلك بالمقارنة مع معدل الدخل الفردي.
إن الرأي العام في مختلف أنحاء العالم متيقظ للفساد السياسي، والمؤشر الخاص بالفساد السياسي والذي هو أداة جديدة لتقييم خبرة الرأي العام ونظرته للفساد، يوضح كيف أن المواطنين لو استطاعوا التلويح بعصا سحرية لازالة الفساد من مؤسسة واحدة فقط، فسيفعلون هذا وسيحاولون إزالة الفساد من كافة الاحزاب السياسية والمؤسسات.
يشعر أصحاب الاعمال التجارية أيضاً بالفساد السياسي ونتائجه، ففي استطلاع أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي، يعتقد أصحاب الاعمال أن للتبرعات التي تتم بشكل قانوني تأثيراً كبيراً على المسيرة السياسية، وأن مثل هذه التبرعات هي أسلوب متبع لتحقيق هدف ما في حوالي 20% من الدول التي شملها الاستطلاع، كما أن التبرعات غير القانونية هو أمر شائع فيما يقارب نصف الدول التي شملها الاستطلاع.
يقودنا الفساد السياسي إلى الحديث عن الشفافية وإلى إهتمامات أخرى مرتبطة بالعدالة، فالفساد السياسي يؤدي إلى الاجحاف بحقوق الانسان ويحد من تقديم الخدمات الانسانية للجميع. السيدة ماري روبنسن، مفوضية الامم المتحدة السابقة لحقوق الانسان، تقول إن الفساد هو عائق أمام مشاركة الجميع في الحياة السياسية وفي الحصول على العدالة المتكافئة.
الجوانب التي يركز عليها التقرير
تقرير هذا العام حول الفساد العالمي يسلط الضوء على الفساد في المسيرة السياسية وعلى نتائجه السلبية على الحياة العامة في المجتمعات، ويتحدث عن الجوانب التالية ضمن إطار الفساد السياسي:
• تشريعات متعلقة بالتمويل السياسي.
• الافصاح عن الاموال الواردة للعملية السياسية والتنفيذ الدقيق للقوانين المتعلقة بالتمويل السياسي.
• الانتخابات-خصوصاً عملية شراء الاصوات.
• القطاع الخاص- مع التركيز على قطاعي الاسلحة والنفط.
• التعامل مع مشكلة سوء استخدام الوظيفة بما فيه الحد من تضارب المصالح والحد من الحصانة ومتابعة واستعادة الاموال المكتسبة بصورة غير شرعية.
إضافة إلى هذا يوضح التقرير الاليات المتنوعة التي تستطيع الحد من الفساد السياسي، بدءً بالخطوات التي بالعمل الذي يستطيع المواطنين القيام بها وانتهاءً بإيجاد آليات ومواصفات دولية جديدة كالتي جاء ذكرها ضمن مواصفات الشفافية الدولية حول التمويل السياسي والمحسوبية.
بناء على ما جاء ذكره سابقاً، نجد أن تقرير الفساد الدولي يركز على نقاط الضعف في الحياة السياسية: سوء استخدام الاموال في النظام السياسي على يد المرشحين أو المسؤولين السياسيين، وإنعدام الشفافية في مسيرة الاموال في النظام السياسي، والامكانية المتوفرة للقطاع الخاص لشراء النفوذ، و تشويه صورة السوق وإنعدام التمثيل العادل لمصالح المواطنين، وإفساد العملية الانتخابية، والطرق المتوفرة للنظام القضائي للتأثير الايجابي على قدرة الدولة لمتابعة جرائم الفساد الكبرى.
الجدول 1.1 أين ذهبت الاموال؟
الجدول رقم 1.1 يوضح حجم المشكلة، وذلك لانه يوفر التقديرات حول الاموال مسلوبة على يد مجموعة من أسوأ القادة خلال العشرين سنة الماضية. ولكي نضع الارقام في إطارها الصحيح، أضيف العمود على الجانب الايسر ليوضح معدل دخل الفرد في كل من البلدان المذكورة.
الزعماء العشرة الواردة أسمائهم في الجدول هم ليسوا بالضرورة الاكثر فساداً خلال الفترة الزمنية المذكورة، كما أن التقديرات المالية لا تشكل أرقاماً نهائية، وهذا الجدول مأخوذ عن مصادر موثوقة وواسعة الاطلاع.
الجدول1.1
رئـيس الحكومـة المبالغ التقديرية التي تم اختلاسها مستوى الدخل القومي بالمقارنة مع عدد السكان عام 2001
محمد سوهارتو
الرئيس الاندونيسي، 1967-1998 15-35 مليار دولار 695 دولار
فرديناند ماركوس
الرئيس الفلبيني، 1972-1986 5-10 مليار دولار 912 دولار
موبوتو سيسيسيكو
الرئيس الزائيري، 1965-1997 5 مليار دولار 99 دولار
ساني اباتشا
الرئيس النيجيري، 1993-1998 2-5 مليار دولار 319 دولار
سلوبودان ميلوسوفيتش
الرئيس الصربي/اليوغوسلافي، 1989-2000 مليار دولار ________
جون كلود دوفاليه
الرئيس الهاييتي 300-800 مليون دولار 460 دولار
البرتو فوهيميوري
الرئيس البيروفي 1990-2000 600 مليون دولار 2,051 دولار
بابلولازانكو
رئيس الوزراء الاوكراني 1996-1997 114-200 مليون دولار 766 دولار
ارنولدو اليمان
الرئيس النيكاراجوي، 1997-2002 100 مليون دولار 490 دولار
جوزيف استرادا
الرئيس الفيليبني، 1998-2001 78-80 مليون دولار 912 دولار
هناك عدة أسباب لقيامنا بالتركيز على جوانب محددة. أولاً:التركيز على التمويل السياسي (سواء كان ذلك كتمويل للحملات الانتخابية أو للاحزاب السياسية) هو انعكاس لحقيقة أن الفساد السياسي يبدأ عندما نتحدث عن التمويل.
وهناك أسئلة كثيرة حول تكلفة الانتخابات في الديمقراطيات القديمة والجديدة من حيث التأثير الذي تلعبه الاموال الخاصة على العملية السياسية وعدم توفر المعلومات للعموم حول المصادر الحقيقية للتمويل السياسي.
وإذا ما درسنا أنواع الفساد وأشكاله في مجال التمويل السياسي، نجد أن مثل هذه الخطوة تؤدي إلى إزالة الهالة المحيطة بالموضوع، كما نعمل بذلك على كشف العوائق القانونية والهيكلية التي تحد من إجراءات الشفافية في مجال التمويل السياسي.
من المهم الحديث عن إحدى آليات معالجة الفساد في مجال التمويل السياسي ألا وهي عملية الافصاح عن الاموال-علماً بأن الافصاح يشكل جانباً رئيسياً من فلسفة وآلية عمل منظمة الشفافية الدولية.
إن الافصاح عن مسيرة الاموال في العمل السياسي، سواء كنا نتحدث عن تمويل الاحزاب والمرشحين للانتخابات أو الاموال المخصصة للانتخابات أو للعقود العامة، هو أمر هام جداً.
ومن الهام أيضا معرفة مصادر التمويل السياسي، حيث لا توجد أية مبررات لعدم الالتزام بأعلى مستويات الشفافية في التمويل السياسي.
على المستوى الرسمي والمعلن يتوفر الاجماع بين السياسيين والناشطين على أهمية التركيز على هذا الجانب، لكن في واقع الامر، نرى أن القوانين المتعلقة بالافصاح عن الاموال وآليات تنفيذها تكشف عن الكثير من العوائق التي تحد من شفافية عملية الافصاح عن الاموال.
فالتنفيذ هو المقياس الحقيقي لآليات الافصاح عن التمويل السياسي، ففي كل دول العالم تقريباً قد يكون التنفيذ هو الجانب الاصعب ضمن أي إطار يهدف إلى الحد من الفساد السياسي. إن التنفيذ الدقيق يتطلب توفر الصلاحيات في مجال التحقيق الذي تجريه الوكالات المتخصصة بشكل مستقل، هذا بالاضافة إلى ضرورة توفر نظام قضائي ناجع وإرادة سياسية.
بالاضافة الى إجراء تقييم على القوانين المتعلقة بالمرشحين والاحزاب والحكومات، نعمل على تقييم دور القطاع الخاص في مجال الفساد السياسي، ونوفر معلومات هامة حول قطاعي الاسلحة والنفط وآخر المستجدات حول الفساد السياسي والامور التي قد تؤدي إليه، كما نسعى إلى تحليل الاصلاحات الحالية في قطاع الاعمال خصوصاً تلك التي تأتي بناء على جهود المجتمع المدني.
إن الفساد السياسي لا يقتصر على مجال تمويل الاحزاب، في هذا القسم الخاص نحن نتحدث عن نوع من الفساد السياسي الذي له تأثير على العملية الانتخابية في كل أنحاء العالم ألا وهو شراء الاصوات.
وقد قمنا بدراسة أسباب وآليات شراء الاصوات وكيف أنها لا تغير فقط سير الانتخابات ونتائجها، لكنها أيضاً تغير العلاقة بين المسؤولين الذين يتم انتخابهم وأولئك الذين يصوتون من عامة الشعب. وبما أن العديد من المؤسسات غيرنا تعمل في تقييم الاجراءات المتبعة مثل السيطرة على صناديق الاقتراع، قررنا التركيز على شراء الاصوات كإجراء سياسي فاسد لم يحظ بالاهتمام والبحث المطلوبين.
ومن أجل استكمال هذا القسم الخاص، سعينا إلى توضيح كيف أن "العدالة" أحياناً ما تكون صعبة التحقيق. وقد ساهمت هذه الدراسة في توضيح آليات إستخدام أو سوء إستخدام الحصانة والقوانين المتعلقة بتضارب المصالح والعوائق التي تمنع تقديم التعويضات والاجراءات المعقدة لاعادة الاموال العامة المسروقة.
في كل الحالات الواردة أعلاه تحدثنا عن العوائق القانونية التي يواجهها المحققون والمواطنون في كثير من الجرائم المشتبه بها في مجال الفساد السياسي، كما أننا ركزنا على قوى التغيير وبروزها على المستوى الدولي والمحلي.
من خلال القسم الخاص بالفساد السياسي نحن نتحدث عن الفائزين بجائزة عام 2003 للنزاهة والتي تقدمها منظمة الشفافية الدولية. الكثير من الاشخاص الذين نكرمهم، وبعضهم دفعوا حياتهم ثمناً لنزاهتهم، يوضحون كيف أنه من الممكن محاربة الوضع القائم والوقوف في وجه الفساد السياسي والمطالبة بمعالجة الاضرار الواقعة على عامة الشعب.
منظمة الشفافية الدولية: تسليط الضوء على الفساد السياسي
للفساد السياسي نتائج عديدة، إحداها أنه يؤدي بالمقترعين الى الامتناع عن التصويت وما يصاحبه من إغتراب عن العملية الديمقراطية والامكانات المتوفرة فيها للحد من الفساد. أما الجانب الاخرالذي نحاول إيضاحه من خلال تقريرنا بصفتنا منظمة الشفافية الدولية فيهدف إلى تحفيز إهتمام الموطنين ومطالبتهم بالتحرك، وفي بعض الحالات، الحصول على خطوات تعتبر مكاسب من الحكومة والقطاع الخاص.
كيف يستطيع المجتمع التعامل مع الفساد السياسي؟
أحد الاجوبة على ذلك والمبني على فكرة واردة ضمن تقرير عام 2001 حول الفساد، يكمن في وضع مقاييس متعلقة بالتمويل السياسي. القسم المذكور يضع مقاييساً خاصة بمنظمة الشفافية الدولية في مجال التمويل السياسي والمحسوبيات، والذي قد يشكل أساساً لصناع السياسات وللناشطين، ويمكن تبنيه على المستوى الوطني (أوالمحلي).
إن القادة السياسيين الذين ينتخبهم الشعب ويضع بين أيديهم الصلاحية لصياغة شكل الحياة العامة، عليهم إلتزام تجاه المواطنين لكي يضعوا أحسن المواصفات فيما يتعلق بإستخدام الاموال العامة ومستوى الاداء العام أثناء توليهم للمنصب الرسمي وما بعده.
سوف تستمر منظمة الشفافية الدولية في الحديث ضد الفساد السياسي، وسوف تستمر في المطالبة بالحصول على قدر أكبر من الشفافية في العملية السياسية.
ان مقاييس منظمة الشفافية الدولية في مجال التمويل السياسي والمحسوبية تعتبر إحدى الجوانب الهامة ضمن مجهوداتنا التوعوية عالمياً والتي تشمل أيضاً تحقيق الاهداف التالية:
• المصادقة على ميثاق الامم المتحدة ضد الفساد وتنفيذه بالكامل.
ستعمل منظمة الشفافية الدولية على المصادقة على الميثاق والالتزام بتنفيذه وتشجيع كافة الموقعين على الالتزام بالقوانين المحلية بناء على الميثاق المذكور. ويتطلب الميثاق مصادقة 30 دولة قبل دخوله حيز التنفيذ.
• تقوية ميثاق الـOECD المتعلق بمكافحة الرشاوي
ليس المطلوب فقط الالتزام بتطبيق ميثاق مكافحة الرشاوي، لكن من المهم أيضاً تعديله بحيث يشمل منعاً لتقديم الرشاوي للأحزاب السياسية الاجنبية وممثليها.
• إدراج موضوع الفساد على أجندة المانحين
على المؤسسات التمويلية الدولية والمانحين الانتباه بشكل أكثر للفساد السياسي في الدول التي يقدمون لها الدعم، وفي نفس الوقت عليهم صياغة أسس حساسة تعالج الفساد بمستوياته المختلفة كما يجب أن تتوفر الحوافز للمانحين الدوليين لتطوير متطلباتهم في مجال الشفافية والالتزام بقوانين التمويل وقوانين المصالح المتضاربة والحصانة.
• رفع مستوى القوانين المحلية المتعلقة بالتمويل السياسي والافصاح عن الاموال وتضارب المصالح وتقوية المؤسسات التنفيذية.
سوف تطالب منظمة الشفافية الدولية بتشريعات أفضل وآليات تنفيذية على المستويين المحلي والدولي، آملين أن الانظمة القانونية الشاملة والقوية ستشكل مانعاً ضد الفساد السياسي وسيكون لها تاثير مباشر على إحقاق العدالة.
تطالب منظمة الشفافية الدولية بأن يساهم المجمتع المدني في مختلف أنحاء العالم بتوفير المعلومات والمصادر القانونية المطلوبة التي تساعد على لعب دور بناء في مراقبة التمويل السياسي.
يعتبر الفساد السياسي إستغلالاً للنظام السياسي ولثقة ولمبادئ المجمتع الديمقراطي، ونحن نأمل أن يشكل هذا الكتاب حافزاً للنقاش ضد الفساد السياسي وأن يساهم في تفعيل الخطوات المطلوبة وأن يؤدي إلى نتائج إيجابية. علما أنه ما زال أمامنا الكثير من العمل لمنع الفساد السياسي.
و تأمل منظمة الشفافية الدولية أن تلعب دوراً إيجابياً من خلال مكاتبها العالمية.