يجيب د. نجاح كاظم في كتابه "الاسلام وجوهر الحداثة" الصادر حديثاً عن "لارسا للنشر" – لندن، على جملة اسئلة اساسية تتمحور حول تخلف العرب على اصعدة عدة، وانفصامهم التام عن الحداثة ودور الدين في بلورة الوعي الجمعي العام، مسلطاً الضوء على عمليات التغيير العشوائية التي تشهدها المنطقة، مقدماً بذلك شرحاً مختصراً لهندسة جديدة قائمة على بناء مؤسسات عصرية. يناقش الكاتب في الفصل الاول المعنون: "الازمة الفكرية" التراجع الفكري والعقلي الملحوظ في المنطقة العربية، ويعزي الامر الى قلة الافكار وقدم النظام المعرفي والعودة الدائمة الى الماضي لاستخراج الافكار القديمة واعادة انتاجها مجدداً، الامر الذي يشكل على الدوام الفارق الشاخص بيننا وبين بقية الامم التي تسعى لاستثمار الحاضر لتشييد المستقبل. يستعرض المؤلف في ذات الفصل الفكر القومي واصفاً اياه بأنه يعتمد على نظم معرفية قديمة، ويقوم على ابراز تفوق الذات واظهار نقائض الاخر، مع الفشل في رؤية نقائضه وحاجاته، ما ينطوي على نفسه في ابراج عاجية تتعالى على الواقع العملي المعاش، معيباً عليه اعتماده على النصوص التراثية وتأثره بها، مستنداً الى الانتقائية في قراءة التاريخ، التي غالباً ما تتعمد تجميل مواضيع معينة وتشوه اخرى. ولكن من وظف النص الديني لصالح السلطة؟ يجيب كاظم في متن الفصل الاول بأن مرحلة جديدة تلت الخلفاء الراشدين تميزت بالاستبداد السياسي، اذ شهدت تلك الحقبة خلطاً كبيراً بين الدين والسلطة. ومع ظهور مصلحين اجتماعيين امثال جمال الدين الافعاني ومحمد عبده ومحمد اقبال، ابتداء ما يسمى بعصر النهضة العربية الذي سعى لانسجام الدين مع متطلبات الحياة المعاصرة، لتأتي بعدها مرحلة ما بعد رواد النهضة المتمثلة بابو العلا المودودي وسيد قطب.. والعديد غيرهم. يناقش المؤلف الانفتاح بأنه غالبا ما يطرح على التراث اسئلة جديدة في محاولة جادة لانتزاع أجوبة جديدة وتفسيرات متقدمة في العديد من تفاصيل الحياة، لكنه في الوقت ذاته يعدد الصعوبات التي تواجه الانفتاح، ولعل من اهمها: لغة المرجعيات المعقدة، تغليب الاكتشاف على الابداع، استفحال المنهجية القديمة، تخلف عمل الكثير من المؤسسات الدينية، غياب فلسفة عقلية، والعجز في ايجاد بعد تكنولوجي. يحدد د. كاظم ان التعبية والتقليد يضفي سمة السكون واللاحركة على الفكر، اذ لم تلعب علوم الاجتماع والنفس دوراً اساسياً في تطوير علوم الفقه او استخدام العقل في تطوير علوم الحديث، اذ فشلت تلك العلوم في معالجة او فهم الانسان وتغيراته عبر القرون من جهة، وفهم علاقة الانسان مع واقعه وتفاعلاته مع محيط الاخرين من جهة اخرى، مما شكل خللاً فاضحاً في فهم واستيعاب النصوص الدينية. يسرد المؤلف تحت عنوان جانبي: "الروحاني والاخلاقي في مواجهة السياسي والايدولوجي" الازمات الحقيقية التي تواجه المسلمين اليوم بسبب طغيان الجانب السياسي على الجانب الروحي، مما افقد الاخير دوره في بلورة الاخلاق لدى الفرد والجماعة، مشدداً على خطورة بلورة الدين بالسياسة "تسييس الدين هو اشعال الفتن والتشنجات للوصول الى اهداف سياسية. في تسييس الدين يصبح الحجاب واللحية وامور التراث وغيرها، رموز سياسية او ظواهر سياسية أكثر مما هي روحية، اي ادلجة الشعائر والمناسبات لاداء وظائف سياسية وليست روحية او اخلاقية". يشير الكاتب في ذات الفصل الى ان المعرفة عند المسلمين لن تتطور لانها لم تمثل جانباً اساسياً من دراسات الفلسفة التي قاموا بها، مؤكداً ان "المعرفة عند المسلمين بدأت مع نزول اول آية على الرسول (ص) "أقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق". فالمعرفة في عصر الجاهلية كان ينظر لها نظرة دنيوية، وحسب مصدر الطبري فان في تلك الفترة كان في مكة 17 شخصاً يستطعون القراءة والكتابة، وجزء مهم من الثقافة السائدة انذاك كانت الثقافة الشفوية القائمة على الفخر بالنسب والاصل". في الفصل الثاني المعنون: "ارتداد المجتمع العربي" يسلط الكاتب الضوء على الانقسام والتشتت والقتل بين ابناء المجتمع الواحد، الامر الذي يحد من انشاء معماريات اجتماعية جديدة يكون لها الدور الاهم في تصميم المجتمع المدني وقيام المؤسسات العصرية باعتبارها المحرك الحقيقي في صياغة السياسة وفعالياتها. ويشير د. كاظم الى ان ثمة صراع مجتمعي داخل العالمين العربي والاسلامي نتيجة التطرف والارهاب ومشاكل البطالة والضغط السياسي الهائل والانفجار السكاني وانهيار التطوير الزراعي وتدهور نظم التعليم لدرجة الانهيار، لهذا يدعو الكاتب الى ضرورة انشاء معمارية اجتماعية جديدة تحتوي على بنى اجتماعية قابلة للعمل والتطوير من خلال مؤسسات فاعلة وحديثة تقوم على اربع ضرورات: 1 – المرأة. 2 - التعليم الحديث والتربية. 3 - مؤسسات بحث علمي قادرة على انتاج الافكار وشد الوحدات الاجتماعية بالابداع. 4 - النقد والتقويم كثقافة وممارسة. ويقدم الفصل ارقاماً واحصائيات بشأن الضرورات المذكورة وطرق اداء دورها ضمن معمارية اجتماعية مغايرة. وحول العنف الاجتماعي يقول المؤلف ان العنف كان بمثابة "ثقافة مجتمعية متجذرة عند العرب تبدأ في البيت وتتبلور في المدرسة ودور العبادة وتنعكس فيما بعد على الفعاليات الاخرى في المجتمع. يتربى الطفل على تربية القسر ويعيش، ضمن الاسرة، على النهج السلطوي للأب، ولا توجد عناية بالطفولة كمرحلة مهمة في حياة نشوء الانسان، وعند غياب الأب تكون النيابة بالرأي المسموع للأخ الكبير، مروراً بالمدرسة التي غالباً ما يكون عقابها في مرحلة الابتدائية وحتى الثانوية بالضرب والتأديب الجسدي. وتنعكس هذه التربية او الثقافة على فعاليات المجتمع في الجوانب الامنية والسياسية وغيرها". العلاقة مع الاخر تبدو ايضاً مرتبكة، حيث يتساءل الكاتب في متن الفصل الثاني: هل الغرب (او الآخر) يتربص بنا او يتأمر علينا، هل حقيقة واقعة أم نسيج اللاشعور لعقلية المؤامرة المستحوذة علينا؟ يجيب د. كاظم ان المؤامرة بشكلها الواسع والمهيمن من قبل "اخطبوط الغرب ما هي الا من صنع الخيال الواسع للشعور، فضلاً عن الخلفية البدوية وتخوفها من الغريب في اللاشعور، لتتبلور وتصبح ظاهرة اجتماعية". ويضيف الكاتب بأن مشكلتنا في ثقافتنا المجتمعية مع الآخر، الخارجي او الداخلي، المحلي او العالمي "نابعة من قيم البداوة والقبلية المترسخة في الذهن العربي، بالرغم من تأكيد القرآن على سيرورة التاريخ في سوره وآياته، وتشجيع الاسلام على لقاء الآخر والتعرف عليه "وخلقناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم". في الفصل الثالث من الكتاب "المأزق السياسي" يطرح المؤلف الازمة السياسية الخانقة التي تعانيها انظمة وشعوب المنطقة على حد سواء، سارداً دور تلك الازمة في تهميش الاصلاح والحد من الانطلاق من الذات لاحداث التغيير، اذ يرى ان الحكومات العربية هي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل، كما انه لا يمكن للمجتمع المدني النمو في ظل النخب الحاكمة. فالاصلاح يبدأ اساساً مع فصل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويعرج د. كاظم في الفصل ذاته على الحركات الاسلامية، شارحاً الكثير من الملابسات التي تحيطها، حيث حاولت ملء الفراغ في الساحة السياسية بخبرة قائمة على التراث والفقه القديم، ولم تتمكن من طرح رؤية معاصرة ومتقدمة موازية لمفهوم الدولة الحديثة القائمة على القانون ومؤسسات المجتمع المدني وتبادل السلطة سلمياً، كما انها لم تعمل على اشاعة الوعي في الامور الحساسة لانه، بحسب الكاتب، لا قيمة لرأي الناس في الفقه التراثي. يعتبر الكاتب ان المأزق السياسي للحركات الاسلامية يكمن في برامجها السياسية النابعة من تصوراتها القائمة على الفكر القديم، فالبعض منها عند الوصول الى السلطة يصطدم بواقع معقد وكبير لا يمكن حله فقط بشعارات العودة للاسلام او رفع راية "الاسلام هو الحل". وفي الاسلام السياسي ينحو الكاتب باتجاه التجربة التركية واصفاً اياها بالتجربة العصرية الموازية مع العقلانية، اذ تقدم ميداناً عملياً لاختبار الجدلية حول تلائم الاسلام والديمقراطية او تماشي مفاهيم الاسلام مع قيم المجتمع المدني. لكن الكاتب يعيب على العلمانية العربية ويعزو فشلها الى امرين: الاول، استعارتها النموذج العلماني الفرنسي المتقاطع مع الدين، وثانياً دور العسكر في الحياة السياسية والمدنية، الامر الذي ادى بالتالي الى حدوث انقلابات عسكرية متكررة في المنطقة العربية واحداث فجوة هائلة بين العلمانيين والاسلاميين. وتحت عنوان "الثقافة السياسية السائدة" يعكس المؤلف وجهة نظره حول تصورات العرب الجاهزة في المسرح السياسي – الاجتماعي، مطلقاً عليها تسمية "الثقافة السائدة". فالعدو الوهمي غالبا ما يوفر ارضاً خصبة للايمان بنظرية المؤامرة، اذ استبدلت مرادفات الاستعمار سابقاً بمرادفات العولمة اليوم، دون معرفة يقينية بالمصطلحات وما تعنيها حقاً. ولكن ما انعكاسات ذلك على الجانب السياسي وافرازاته؟ يجيب د. كاظم: "بشرت مرحلة الاستقلال بوصول عهد جديد من الجمهوريات والانظمة القائمة في عملها لخدمة الشعوب، لكن الامر تغير مع ظهور خطوط بارزة في صياغات سياسية قائمة على علاقات القرابة، وما يوازيها من المحسوبية والمنسوبية والولاء والتبعية، ما ساهم في بروز دول ذات تركيبة طائفية اثنية عنصرية بشكل مخفي ومغلفة شعارات العروبة والفكر الشمولي، كواجهة للكينونات الجديدة". يحدد الكاتب في ذات الفصل بأن ازمتي الفكر العربي تتمثل في: 1- فلسطين – اسرائيل. 2 – العراق. معرجاً على الازمتين بشرح مفصل، مقوماً التجربتين والظروف المحيطة بهما على صعيد التاريخ وما رافقهما من تطورات حاضراً، في ملاحظاته الاخيرة يدوّن الكاتب ملخصاً للكتاب وما احتوى من اراء، مشدداً على ان حجم الردة الاجتماعية في المنطقة يمكن قياسها عند النظر لاعمال القتل والعنف العشوائي ضد الابرياء، النساء والاطفال خصوصاً، باسم الدين، وليس ضد الاخر الخارجي وانما الاخر الداخلي، ابناء الجلدة من بلدان عربية واسلامية. والضمير الاسلامي الراهن، يقول الكاتب، تبرز ملامحه في اساليب جز الرقاب من مجاميع الانتحاريين والاستبداد الرهيب من الحكومات وحالة شديدة من اللامبالاة لاغلبية الشعوب. ويستنتج الكتاب في ملاحظاته الاخيرة ان هناك فجوة في القيادات والافكار والممارسات العملية والفعلية ما يسبب أزمة مبادرات وغياب الابتكار وقلة الافعال عدا الاعمال التقليدية والغابرة، وثقافة منزوية تكر ذاتها وتعتبر كل ما يأتي من الخارج غزواً وتحدياً يجب مقاومته ومعارضته، ما يساهم في زيادة التشتت والتطرف والانقسام الى فرق صغيرة في الدولة الواحدة، والطائفة الواحدة، والعشيرة الواحدة، عكس ما تقوم به عمليات العولمة وتجمعاتها الكبيرة، مما يؤدي بالتالي الى الانزواء الذاتي عن حركة التطور الانساني، مما يكبل ارادة الامة ويعوق قدرتها على التعلم من الاخر ومعرفته. ولعل الاهم من هذا كله هو الدخول في جوهر الحداثة وتحديث الاشياء والوعي باهمية التغيير والتجديد ومعرفة ماهية الحياة والتعامل معها بوعي وقدرة ومسؤولية. ينبغي القول ان الكتاب يناقش بصورة عقلانية بعيدة عن العاطفة العديد من مفردات الازمة التي تحاصر حياتنا كالتحريم المنفلت من عقاله، والتخلف المتخفي بستار الدين الذي يحد من اطلاق الطاقات والابداعات، والعنف الدموي، ذلك الذي ساهم بوقف دورة الحياة. معتمداً على جملة ارقام وجداول واحصائيات، الامر الذي يلامس بقدر كبير جوهر المشكلة في خطوة للوصول الى الحلول الناجعة او الاقتراب منها على اقل تقدير. يقع الكتاب في 392 صفحة من القطع الكبير.
theredrose
موضوع: رد: كتاب: اعمال القتل والعنف العشوائي ضد الابرياء محصلة للردة الاجتماعية 22/1/2011, 17:16
بده مليون موسوعة حتى يناقش عن تراجعنا وتخلفنا وحضارتنا الي بالحلم طبعا
Jasmine collar
موضوع: رد: كتاب: اعمال القتل والعنف العشوائي ضد الابرياء محصلة للردة الاجتماعية 22/1/2011, 17:18
ومارح يستوعبوا شي من اللي نحنا فيه
كتاب: اعمال القتل والعنف العشوائي ضد الابرياء محصلة للردة الاجتماعية