أيوب الغنيمات
قيل إن الحكمة يمانية، وذلك عين الصواب لما عرف عن أهل اليمن من حسن التصرف والسلوك، غير أن للزمان تبدلاته وتفسيراته.
بدعوة كريمة من هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية زرت بلاد التنين برهة من عمر الزمان وعمرنا، فهممت بتجهيز أموري وحصاد ما استطعت من معلومات عن تلك البلاد والعباد وتاريخها الممتد بسرد محكم خمسة الاف سنة أو يزيد.
ذات مساء استوت الطائرة على ارض مطار (بجين) كما ينطقها أصحابها فبدا بردهم القارس يراقص عظامي وأسناني، وقلت هذا لا يليق بابن العرب الذي قارع السماء والسحاب عشر ساعات أو يزيد؛ فشددت قامتي وعدلت من مسيري، وبدأت اختزل في ذاكرتي وكاميرتي بعضا مما يحيط بي... غير أني لم افلح أطلاقا في اختزال لغة (تغلب وعبس) التي كانت تنطق بها مترجمتنا التي شعرت أنها قادمة من إحدى المسلسلات المدبلجة أو أنها كانت من ضمن سبايا حرب البسوس، غير أن ذلك يتلاشى عندما ترى عيونها النائمة.
مرت أيام وبدأت اشعر أن حصادي من المعلومات لم يكن سوى نقطة في بحر غير أنها كتبت بحبر غير صيني، وأدرك –للأسف- أيضا أن حصادي الغذائي الذي أحضرته معي بدا في التلاشي بل كان أجمل هدية يمكنك أن تقدمها لعربي مغترب في تلك البقاع وخصوصا الخبز، كون طعامنا الشرقي غير موجود اصلا وان كان موجود فهو غير مرغوب والحمد لله.
قلت في نفسي (إن كنت في روما فتصرف مثل الرومان)، وعلى هذا النحو بدأت اتغلغل في مكونات المطبخ الصيني ومفرداته التي لن أجد ما يقابلها باللغة العربية من حيث الرائحة أو الطعم.
وفي كل الحالات اكتسبت خبرة جديدة في استخدام العيدان في الأكل، بل خرجت بحكمة وافية عن الطعام الصيني تختزل خبرتي المتواضعة وتلك الحكمة تقول:
إن الصينيين يأكلون كل ما في السماء... ما عدا النجوم.
وكل ما في الماء... ما عدا المراكب.
وكل ما على الأرض ما عدا الصخور.
عدا ذلك فهو حل لهم.
ربما طعام الصينيين هو سر صحتهم وعمرهم الطويل.
ربما طعامهم سبب شبابهم ولياقتهم الجسدية.
في نهاية اليوم سجلت في مفكرتي (في كل ما سبق تبرز الحكمة الإلهية العادلة التي تسير الكون، وقلت لو أن إرادة الله عز وجل قضت –لا قدر الله– بان يتحول الشعب الصيني وهو الشعب الذي يعادل ثلث الكرة الأرضية بان يتحول عن طعامه المتوارث وبدا في تذوق خبر الكماج والشراك والتنور والوردة عندها ربما يصبح سعر رغيف الخبز في بلادنا بدينار أو يزيد!).