theredrose
| موضوع: ذاكرة المكان في تشكيل الفضاء العمراني 12/1/2011, 06:26 | |
| ذاكرة المكان في تشكيل الفضاء العمراني
لقد عكف الباحثون في تنظيم المدن على تغيير إطارها الفيزيائي من اجل إيجاد فضاء ملائم تتناسب معطياته المادية ومختلف الأفعال والوظائف التي تحدث داخله.
فتراهم غالبا ما يتغاضون عن شخصية ذلك المكان وأثرها على السلوك الجمعي للأفراد, فتأتي التغيرات مجانبة للغاية المرجوة منها فتكون انعكاساتها سلبية في تنظيم المحيط وبالتالي تفقد المكان وظيفته وأهميته في تركيب عناصره العمرانية.
هاته الشخصية تشكل عبر الزمن ذاكرة المكان يبقى أثرها ساري المفعول في تحديد ماهية الفضاء ورسم معالمه.
فهل يا ترى للمكان ذاكرة تؤثر على الإنسان رغم زوال الإطار الفيزيائي أو تقادمه ؟؟؟
لقد توصل العلماء إلى أن الإطار الفيزيائي للمكان له تأثير نفسي وسلوكي على الفرد.
فإذا كان الإطار الفيزيائي هو الإسقاط المادي للمقومات المعنوية فان تأثيره لا يختلف عنها بتاتا.
فرد فعله هو حتما متجانسا وطبيعة مقوماته التي تشكل شخصية المكان وروحه.
فلقد وجدنا من خلال استقرائنا لمعطيات تاريخية واجتماعية أن المكان رغم اندثار إطاره الفيزيائي والمعنوي إلا انه مازال يؤثر في الضمير الجمعي للأفراد ومازال يحدد سلوكهم.الشيء الذي جعلنا نتيقن أن المكان له ذاكرة تبقى حية رغم زواله وهي مستمدة من قوة الحضور العمراني والمعماري داخل النسيج.
وكمثال حي على ما تقدم نجد انه رغم مضي أكثر من خمسة وعشرين سنة على هدم إحدى الكنائس في مدينة سكيكدة بالجزائر والتي كانت مهيكلة للنسيج العمراني الاستعماري الفرنسي, إلا أن أثرها بقي حيا في الحياة اليومية للأفراد, لا من حيث الجانب الإيديولوجي ولكن من حيث قيمته المعمارية والعمرانية.
وقس على ذلك المعالم التاريخية التي استطاعت أن تعود إلى واقع الحياة رغم زوالها كالمسارح الرومانية التي أضحت أمكنة كما كانت من ذي قبل لعقد المهرجانات الفنية الكبرى. وكذا الساحات التي مازالت محافظة على وظيفتها في أكثر المدن التاريخية داخل ايطاليا.
فذاكرة المكان كفيلة بضمان الاستمرارية والتواصل. فبقدر ما يكون الحضور قويا عمرانيا وحضاريا بقدر ما يمتد تأثير ذاكرة المكان إلى أزمنة لاحقة.
فكل النشاطات والأعمال التي تجري داخل الحيز وتتكرر فيه تصبح خاصية من خصائصه تشكل مع مر الزمن ذاكرة المكان.
فقوة التلاحم بين الفعل وإطاره الفيزيائي يعطي شخصية لذلك الموقع يمتد تأثيرها على مستعملي المكان مدة زمنية طويلة, وكلما كان التغير في احد منها كان أثره واضحا على العنصر الثاني.
فتغير الإطار الفيزيائي بدرجة ما, يؤدي حتما إلى تغير السلوك داخله, وكذا فان تغيير العادات والتقاليد والأنشطة داخل الحيز مدعاة إلى تغيير إطاره الفيزيائي.
فنجد مثلا أن اتساع الطرقات بمحاذاة الساحات يفقد هاته الأخيرة خاصية الاجتماع, ويضيف في نفس الوقت خصائص أخرى للطرقات إلى جانب وظيفة المرور.
لدى فان إجراء التغيرات على المدينة دون دراسة معمقة وشاملة قد يفقدها وظيفتها, ويجعل منها مكان غير صالح للاجتماع والمعيشة.
وهذا ما لمسناه في كثير من المدن التي سعى المسؤولون الإداريون إلى تغيير مركزها الحيوي, وإنشاء مراكز جديدة وفق أنماط معمارية وعمرانية جديدة فجاءت النتائج مخيبة للآمال المرجوة حيث فقد المركز الأول حيويته ونشاطه, ورجت ذاكرته في تحديد السلوك وطبيعة النشاط, ولم يستطع المركز الجديد أن يؤدي مهمته لأنه وفقط بلا ذاكرة, إذ لم تلاحم بعد الوظائف والأنشطة الجديدة والأطر الفيزيائية المشكلة لمحيطه, ومن تم فقدت المدينة توازنها ووظيفتها وأضحت هيكلا بلا روح.
وقد يعطى للمدينة بعدا مميزا عن أبعادها الأخرى من دون توازن كأن تكون على سبيل المثال مدينة بترولية صناعية أو منطقة تجارية عظمى فمسيرتها المترنحة يجعلها غير قادرة على الاستمرار إذا ما خفت بريقها الصناعي أو التجاري ذلك لأنها غير متوازنة وأبعادها الاجتماعية والديموغرافية والفيزيائية من جهة ومتطلباتها الاجتماعية من جهة أخرى.
لدى فان التغيرات المفاجئة التي تلم بفضاءاتها من جراء ذلك لا تعطي للمكان القدرة على مواكبتها فتختل الذاكرة والوظيفة, وطبيعة المكان ونوعية السلوك وفق سرعة لا تتناسب وسرعة التغير العمراني داخل الفضاء.
وعليه فان ذاكرة المكان لبنة أساسية في تجانس الفضاء والمدينة وكل تخطيط لا يأخذ بعين الاعتبار هاته الحقيقة سينتج عنه حتما فضاء غريب يساهم في تركيب عمراني لتجمعات شبيهة بالمدن لكنها بعيدة كل البعد عن المدن الحقة شكلا ومضمونا. | |
|
theredrose
| موضوع: رد: ذاكرة المكان في تشكيل الفضاء العمراني 12/1/2011, 15:40 | |
| | |
|