الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين (عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رحمه الله)
يجب فعل الصلاة جميعها في وقتها المحدد لها لقوله تعالى: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً" أي فرضاً ذا وقت. ولقوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر. إن قرآن الفجر كان مشهوداً" والأمر للوجوب. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف" قال المنذري: رواه أحمد بإسناد جيد. فلا يجوز للمسلم أن يقدم الصلاة كلها أو بعضها قبل دخول وقتها لأن ذلك من تعدي حدود الله تعالى والاستهزاء بآياته. فإن فعل ذلك معذوراً بجهل أو نسيان أو غفلة فلا إثم عليه وله أجر ما عمل، وتجب عليه الصلاة إذا دخل وقتها لأن دخول الوقت هو وقت الأمر بها، فإذا أتى بها قبله لم تقبل منه، ولم تبرأ بها ذمته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي: مردود. رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها. ولا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة عن وقتها لأن ذلك من تعدي حدود الله تعالى والاستهزاء بآياته. فإن فعل ذلك بدون عذر فهو آثم وصلاته مردودة غير مقبولة ولا مبرئة لذمته لحديث عائشة السابق وعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويصلح عمله فيما استقبل من حياته. وإن أخر الصلاة عن وقتها لعذر من نوم أو نسيان أو شغل ظن أنه يبيح له تأخيرها عن وقتها فإنه يصليها متى زال ذلك العذر لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك" وفي رواية: "من نسي صلاة أو نام عنها" متفق عليه. وإذا تعددت الصلوات التي فاتته بعذر فإنه يصليها مرتبة من حين زوال عذره، ولا يؤخرها إلى نظيرها من الأيام التالية لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق توضأ بعد ما غربت الشمس فصلى العصر ثم صلى بعدها المغرب. متفق عليه. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام العصر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام الصلاة للمغرب فصلاها" كذلك روى أحمد. وفي هذا الحديث دليل على أن الفائتة تصلى كما تصلى في الوقت ويؤيده حديث أبي قتادة رضي الله عنه في قصة نومهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس قل: "ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم" الحديث رواه مسلم. وعلى هذا فإذا صلى في النهار فائتة من صلاة الليل جهر فيها بالقراءة وإذا صلى في الليل فائتة من صلاة النهار أسر فيها بالقراءة كما يدل على الأول حديث أبي قتادة وعلى الثاني حديث أبي سعيد، وإذا صلى الفوائت غير مرتبة لعذر فلا حرج عليه، فإذا جهل أن عليه صلاة فائتة فصلى ما بعدها ثم علم بالفائتة صلاها ولم يعد التي بعدها، وإذا نسي الصلاة الفائتة فصلى ما بعدها ثم ذكر الفائتة صلاها ولم يعد التي بعدها لقوله تعالى: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا". قال أهل العلم: وإذا كان عليه فائتة فذكرها أو علم بها عند خروج وقت الحاضرة صلى الحاضرة أولاً ثم صلى الفائتة لئلا يخرج وقت الحاضرة قبل أن يصليها فتكون الصلاتان كلتاهما فائتتين. والأفضل تقديم الصلاة في أول وقتها لأن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو أسبق إلى الخير وأسرع في إبراء الذمة. ففي صحيح البخاري عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنه سئل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة، قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس. وفي رواية إذا زالت الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية. وله من حديث أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة، وبعد العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه. وفي رواية كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة. ونسيت ما قال في المغرب (ولكن روى مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب، ومن حديث رافع بن خديج: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله)، وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة. ولهما من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء أحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا على عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، والصبح كانوا أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس. وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قال: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فذكر الحديث وفيه: "ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة" ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى. وفي صحيح البخاري عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبرد" ثم أراد أن يؤذن فقال له: "أبرد" حتى رأينا فيء التلول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة". ففي هذه الأحاديث دليل على أن السنة المبادرة بالصلاة في أول وقتها سوى صلاتين: الأولى: صلاة الظهر في شدة الحر فتؤخر حتى يبرد الوقت وتمتد الأفياء. الثانية: صلاة العشاء الآخرة فتؤخر إلى ما بعد ثلث الليل إلا أن يحصل في ذلك مشقة فيراعى حال المأمومين؛ إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخَّر