التورية
ان في المعاريض لمندوحة عن الكذب
هي كلام جائز يوهم السامع معنىً غير ماقصده القائل لاشتراك معنى عرفي او لغوي لكنه لايسقط حقاً لاحد فهي مباحة فيما يصلح بين الناس . ومحرمة اذا ضيعت حقاً لاحد او استعملت فيما يجب بيانه كالبيع والشراء .
اما ما يحرم بيانه فيجوز فيه التعريض بل يجب ان امكن كالغازي مطالب باخفاء وجهته التي يتوجه اليها فله التعريض او يجب عليه .
ولقد استعملها الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في الحرب ، سئل من القوم ؟ فقال : " نحن من ماء " فحسب السامع ان الماء اسم للقوم ... وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الماء خلق كل شيء حي .
وكان عليه الصلاة والسلام يستخدم التورية والكناية ، اذا توجه الى سفر ورّى بغيره حتى لا تنتهي اخباره الى اعدائه ، وإذا خرج الى غزوة كنى عنها الا غزوة تبوك فانه بينها لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدد الذي نهد الى لقائه ومن جليل نصحه صلى الله عليه وسلم ما يورده البعض في باب الحيل المشروعة . شكا اليه رجل الاذى الدائم من جاره ، فأمره ان يطرح متاعه في الطريق ففعل - فجعل كل من يمر يسأل عن شأن المتاع فيخبرونه ان جار صاحب المتاع يؤذيه ، فيسبه ويلعنه . فجاء المسيء الى صاحبه وقال : رد متاعك فو الله لا اؤذينك بعد هذا ابداً .
واباح الامام احمد رحمه الله المعاريض في مجلسه ، اذ كان تلميذه المروزي بين يديه وطلبه طالب فورّى تلميذ آخر جالس هو مهنأ بن يحيى الشامي بالاشارة باصبعه الى راحة يده وقال : ليس المروزي ها هنا وبعد ذهابه وضع اصبعه في راحة يده وقال : وما يصنع المروزي ها هنا ؟ فضحك الامام احمد رحمه الله ولم ينكر ذلك .
واما الامام سفيان الثوري رحمه الله همّ بالخروج من مكان فمنعوه فحلف ان يعود فتركوه - فترك نعله وخرج ثم عاد فأخذها كالناسي لها ومضى دون ان يعود .
والامام ابو حنيفة رحمه الله نفسه من فرسان هذه الحلبة ولكنه لم يجز منها ولا اجاز اصحابه الا ما يساعد على التخلص من ضائقة دينية كاليمين والنذور والطلاق وما الى ذلك . ويروي بشر بن الوليد : انه كان بجوار ابي حنيفة رحمه الله فتىً يغشى مجلسه تعلق قلبه بامرأة وطلب اهلها مهراً فوق طاقته قال له الامام ابو حنيفة رحمه الله : اقترض واعطهم ما طلبوا . ودخل بها وجاءه يقول : اخاف من المطالبين بالدين قال الامام ابو حنيفة رحمه الله : اظهر انك تريد الخروج باهلك الى سفر بعيد فاشترى جمالاً للسفر واشتد الامر على المرأة واهلها فلجأوا الى الامام ابو حنيفة رحمه الله يستفتونه في جواز سفره . قال : له ان يذهب باهله حيث يشاء . قالوا نحن نرضيه ونرد اليه ما اخذناه منه ولا يسافر . فلما سمع الزوج ذلك طمع وقال لا والله حت يزيدوني . قال الامام ابو حنيفة رحمه الله : ان رضيت بهذا والا اقرّت المرأة ان عليها ديناً لرجل فلا يمكنك ان تخرجها حتى توفيه
وانما قدر الامام ابو حنيفة رحمه الله بفقهه ان ينصف الرجل من اصهاره والاصهار منه والمرأة من زوجها وكأنّ في يده الاعنّة كافة .
والامام الشعبي كان يريد ان يدارس العلم فازعجه كثرة من يطلبونه فرسم دائرة قرب الباب فكان اذا سئل عليه احد تضع الجارية اصبعها في هذه الدائرة وتقول الشعبي ليس هنا هي تقصد ليس في الدائرة والسائل يظن انه ليس في البيت .
وسد الذرائع وجه آخر من وجوه المصلحة وهي وسيلة ودرجة الوسائل الى المطلوب تكون بحسبه فوسيلة الواجب واجبة ووسيلة المستحب مستحبة ووسيلة الجائز جائزة والوسيلة المؤدية الى المفاسد ممنوعة على حسب درجة الممنوع وبهذا تصان دائرة الحلال باحكام سد الذريعة الى الحرام ويحدث الورع اثره في ابعد مدى للتصرفات. وقديماً قيل سد الذرائع ربع الدين لأنّ الدين امور اربعة :
1- ما مقصود لنفسه .
2- ماهو وسيلة للمقصود .
3- ماهو منهي عنه .
4- ماهو ذريعة الى المنهي عنه .
ومن تطبيقات ابن تيمية في سد الذريعة يقول : مررت انا واصحابي في زمن التتار - وقوم منهم يشربون الخمر - فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له : انما حرم الله الخمر لانها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية واخذ الاموال . فدعهم .
ويرى الامام احمد رحمه الله الا تقام الحدود على المسلمين في ارض العدو لاحتمال ان تلحقهم حمية الشيطان بالكفار
اتمنى ان يكون اختياري للموضوع اعجبكم مع خالص تحياتي
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
موضوع: التورية 
16/12/2010, 07:29
