باب جواز تمني الموت و الدعاء به خوف ذهاب الدين
قال الله عز و جل مخبرا عن يوسف عليه السلام : { توفني مسلما و ألحقني بالصالحين } و عن مريم عليها السلام في قولها : { يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا }
فصل : قلت : لا تعارض بين هذه الترجمة و التي قبلها لما نبينه أما يوسف عليه السلام فقال قتادة : لم يتمن الموت أحد : نبي و لا غيره إلا يوسف عليه السلام حين تكاملت عليه النعم و جمع له الشمل : اشتاق إلى لقاء ربه عز و جل فقال : { رب قد آتيتني من الملك و علمتني } الآية فاشتاق إلى لقاء ربه عز و جل و قيل إن يوسف عليه السلام لم يتمن الموت و إنما تمنى الموافاة على الإسلام أي إذا جاء أجلي تو فني مسلما و هذا هو القول المختار في تأويل الآية عند أهل التأويل و الله أعلم
و أما مريم عليها السلام فإنما تمنت الموت لوجهين :
أحدهما : أنها خافت أن يظن بها السوء في دينها و تعير فيفتنها ذلك
الثاني : لئلا يقع قوم بسببها في البهتان و الزور و النسبة إلى الزنا و ذلك مهلك لهم و الله أعلم
و قد قال الله تعالى عز و جل في حق من افترى على عائشة رضي الله عنها { و الذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } و قال : { و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم } و قد اختلف في مريم عليها السلام : هل هي صديقة لقوله تعالى : { و أمه صديقة } أو نبية لقوله تعالى : { فأرسلنا إليها روحنا } و قوله : { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك } الآية و عليه فيكون الافتراء عليها عظيم أعظم و البهتان في حقها أشد و فيه يكون الهلاك حقا فعلى هذا الحد الذي ذكرناه من التأويلين يكون تمني الموت في حقها جائز و الله أعلم
و أما الحديث فإنما هو خبر : أن ذلك سيكون لشدة ما ينزل بالناس من فساد الحال في الدين و ضعفه و خوف ذهابه لا لضر ينزل بالمرء في جسمه أو غير ذلك من ذهاب ماله مما يحط به عنه خطاياه و مما يوضح هذا المعنى و يبينه قوله عليه السلام : رواه مالك و مثل هذا قول عمر رضي الله عنه : اللهم قد ضعفت قوتي و كبرت سني و انتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع و لا مقصر فما جاوز ذلك الشهر حتى قبض رحمه الله رواه مالك لـــ القرطبى
كتاب التذكرة