تأخر الكلام بمعناه العلمي هو تأخر الطفل في البدء بنطق كلمة ذات معنى في الوقت المفروض لذلك، وبالتالي بنطق كلمتين أو ثلاث كلمات معاً يعبر بها عما في نفسه، وتختلف قابلية الأطفال في تعلم الكلام أو البدء به، من طفل لآخر.
فبعض الأطفال مثلاً، يستطيع أن ينطق كلمة واحدة ذات معنى في الشهر الثامن من العمر، ثم يسير تطور الكلام معه سيراً حسناً من غير تأخر أو عيوب، بينما لا يستطيع البعض الآخر أن ينطق كلمة واحدة ذات معنى إلا بعد السنة الثالثة أو الرابعة من العمر، مع ظهور بعض العيوب في كلامه في السنة الخامسة.
إن قلة الذكاء عند الطفل، من العوامل المهمة في تأخر الكلام. ومن الهام جداً أن نميز سبب تأخر الكلام الذي يكون سببه التأخر العقلي عند الطفل عن الأسباب الأخرى لتأخر الكلام.
ذلك أن الطفل المتأخر عقلياً يكون متأخراً في كثير من نواحي التطور الأخرى، كتأخر الجلوس، المشي، وكثير من المهارات اليدوية الأخرى وغير وذلك.
لذلك يجب عدم التسرع في الحكم على حالة الطفل العقلية والشك في سلامتها، من غير أن يكون تأخر الكلام مترافقاً مع تأخر في النواحي الأخرى من التطور.
كذلك فإن فهم الطفل لما يقال له، واستيعابه للكلام الذي يسمعه، أهم بكثير في تقييم حالة الذكاء عنده، من عدم مقدرته على النطق بذلك الكلام.
وخلاصة القول، فإن تأخر النطق عند الطفل لا يعني بالضرورة قلة الذكاء أو قلة العقل عند الطفل. وأهم أسباب تأخر الكلام عند الأطفال هي:
* ضعف القوى العقلية حيث إن هناك صلة وثيقة بين الذكاء السوي للطفل وبين الكلام. وإن التخلف العقلي له تأثير كبير على تطور الكلام عند الطفل. فالطفل المتخلف عقلياً لا ينتبه لما يقال له، ولا يلقي بالاً لما يدور حوله، وذلك لعدم وجود قوة التركيز والانتباه عنده، وعدم تمكنه من محاكاة الغير وتقليده بالكلام إلا متأخراً.
* نقص السمع حيث يتعلم الطفل الكلام عند سماعه من الآخرين الذين يحيطون به. لذا فمن البديهي إذا كان الطفل مصاباً بخلل في قوة السمع، فإنه لا يستطيع أن يتعلم الكلام لعدم سماعه له، واطلاعه على النطق، ومعرفة كيفية التفوه بالكلمات.
* العوامل العائلية: تلعب العوامل العائلية دوراً مهماً في تطور الكلام. فإذا ما تأخر الطفل السوي، ذو الذكاء الطبيعي، الذي يملك سمعاً جيداً وليس مصاباً بتخلف عقلي، فإن سبب ذلك التأخر يعود في الغالب إلى وجود حالات تأخر للكلام في العائلة ولاسيما عند الأب أو الأم. حيث إن الكلام مثل غيره من حالات التطور الأخرى، يعتمد على نضج النخاعية(mylination) في الجهاز العصبي، في أجزائه التي تتحكم بالكلام.
* العوامل البيئية: تؤثر بيئة الطفل ومحيطه على تأخر تطور الكلام عند الطفل. فقد لوحظ أن الأطفال الذين يتربون في المؤسسات والمعاهد التربوية، بعيداً عن أمهاتهم، كثيراً ما يصابون بتأخر الكلام. وقد يكون السبب هو عدم اهتمام المعنيين والمربين في هذه المؤسسات بتدريب الطفل على الكلام لسبب أو لآخر.
كذلك فإن سوء تصرف الأم أو الوالدين معاً، في معاملة الطفل، فيما يخص النطق في أول عهد الطفل بتعلم الكلام، قد يسبب امتناع الطفل عن الكلام، أو التقليل منه.
حيث إن بعض الأمهات يستخففن بطفلهن، فينتقدن كيفية نطقه وطريقة الكلام عنده فتخطئه وتسخر من كلامه وتهزأ من طريقة نطقه، فيصاب الطفل بالخيبة التي تفقده حسن النطق والتجويد في الكلام مدة من الوقت.
كذلك العائلة المفتقدة للنظام والتي تعيش بحالة فوضى وشجار بين الأب والأم، قد يكون لذلك تأثير على نفسية الطفل فيسبب تأخر في الكلام لديه أو يؤدي لإصابته ببعض مشاكل الكلام وعيوبه.
وقد لوحظ أن تطور الكلام عند العائلات ذات المستوى الاجتماعي والثقافي العالي مع وجود وضع اقتصادي جيد يكون أفضل وأسرع.
* التوائم: قد يتأخر التوأم في تعلم الكلام عن غيره من الأطفال الأسوياء الذين هم في مثل سنه من غير سبب ظاهر، ولكن ذلك التأخر كثيراً ما يصيب أحد التوأمين، ولا يصيب التوأم الآخر إلا نادراً.
ويعزى سبب التأخر إلى أن الأم لا تجد الوقت الكافي للتحدث مع طفلين اثنين مدة كافية، كما يعزى أيضاً إلى أن التوأمين يقلد أحدهما الآخر بالكلام بدلاً من تقليد الكبار الآخرين الذين يتحدثون إليهما.
* وجود خلل أو سقم في بعض تراكيب الأعضاء التي تؤثر على الكلام: كانشقاق شراع الحنك وإذا عولج هذا الانشقاق في الوقت الملائم فإن كلام الطفل لن يتأثر بشيء. كذلك سوء الإطباق فإنها تؤثر على الكلام ولاسيما إذا كانت مترافقة بحالة صغر في الفك السفلي.
* إن الطفل الأول الذي يولد في العائلة، يتكلم أسرع من إخوته الذين يلونه بعد ذلك على الأغلب.كما أن الإناث أسرع في الكلام وأقدر عليه من الذكور الذين هم في نفس السن والبيئة.
* وجود حالات مجهولة السبب: فقد يمر بعض الأطفال بحالات من تأخر الكلام، ليس لها سبب ظاهر أو معلوم، مما يسبب قلق الأم والأهل، ولكن الطفل لا يلبث أن يعود للكلام ثانية وبصورة سوية.
نشير هنا إلى بعض الاعتقادات الخاطئة التي يظن أنها تسبب تأخراً في الكلام عند الأطفال، ولكنها ليست كذلك. فاللسان المربوط لا يؤثر على الكلام شيئاً أو على تعلمه مطلقاً، إلا إذا كان بدرجة شديدة جداً بحيث يصبح من المتعذر على الطفل أن يحرك لسانه في فمه. وهذه حالة نادرة جداً.
كذلك الغيرة من أخ اصغر أو أخت اكبر، فإنها لا تسبب تأخراً في الكلام عند الطفل. وان ما يلاحظ من تأخر الكلام عند بعض الأطفال المصابين بالغيرة لا يبرر الاعتقاد بأن ذلك التأخر قد حدث بسبب الغيرة. فإن الأطفال على وجه العموم لا يخلون من الغيرة من ناحية، وإن تأخر الكلام من غير سبب ظاهر عند الأطفال من الأمور الاعتيادية من ناحية أخرى
منقول