العرب وامريكا
بقلم :أ.د. عبد الكريم غرايبة
حديث امريكا امر صعب ومعقد.. فقد كان اسم امريكا قبل قرن مقترنا بالتحرر والتقدم، وقصدها للاقامة فيها محبو الحرية والبحبوحة المادية والفكرية، واستمع الناس وقرأوا الشعارات الحلوة التي رافقتها منذ تأسيسها حتي قال الناس انها ام الحرية والرفاهية.
ثم عرفها الناس عن قرب، فابتلوا بقوتها وعجرفتها وغرورها وبالدروس الكثيرة والنصائح التي كررها ممثلوها بتعال في كل مكان. ونجح الامريكان في تحطيم صورتهم الحلوة في اذهان الناس التي لم يتعبوا في بنائها ولكن شقوا واشقونا في تحطيمها وبجهد كبير.. لماذا لا ادري!
وامريكا هي اغني دولة في العالم بل في التاريخ وهي اقوي دولة في التاريخ واعتاها.. وكان امرا طبيعيا ان تعاني وان يعاني العالم معها من صلف القوة المدمر للمثل الانسانية وقيمها. والقوة دوما مفسدة للانسان الفرد وللمجتمعات وللدول. فكيف اذا جمعت دولة كل هذه القوي المادية والعسكرية بدون منازع او ما يشبه ذلك.. وجاءها اقوام من انحاء العالم. جاء بعضهم طمعا بالحرية الفردية واليسر المادي. ولكنهم كانوا يشكون الضيق في بلادهم الاصلية فجاءوا بعقلية ونمط تفكير لاجئين. واللاجيء دوما يشكل معضلة لبلده التي غادرها وللبلد الذي لجأ اليه. وهو غالبا يحرض بلد اللجوء علي الاساءة للبلد التي جاء منها لانها لم تقدره حق قدره.
تكون المجتمع الامريكي امتدادا للمجتمع الاوروبي القديم الذي كان قائما قبل خمسة قرون. ونظر هذا المجتمع الي المجتمع العربي المسلم نظرة كراهية ممزوجة بالاحتقار الديني. ولم يكن الشعور العربي والمسلم مختلفا عن ذلك. فقد وصف قاضي طليطلة مجتمعات الشمال الاوروبي بالتأخر وفقدان الاستعداد الطبيعي للتحضر. قال ذلك القاضي صاعد الاندلسي (القاضي ابو القاسم صاعد (سعيد) بن احمد المتوفي 462 هـ/1070م) في كتابه طبقات الامم.. وذكر ان سبب بربريتهم هو طبيعة بلادهم التي لا تنال ما يكفي من الشمس. ومن سخرية القدر ان مدينته طليطلة سقطت بأيدي هؤلاء البرابرة بعد سنوات قليلة من وفاته في 478 هـ/1085م. ووصف مؤرخ عربي ما حدث و خرج من اقصي بلاد الروم ـ المانيا ـ جيش عظيم وصل الي صاحب قشتالة وخرج ايضا من الارض الكبيرة ـ فرنسا ـ جيوش كثيرة فانتشر جمعهم يقتلون ويأسرون .. ولم يوقف هذه الجموع عن اجتياح كل المدن الاخري واخراج العرب والمسلمين سوي تدخل خارجي جاء من الشمال الافريقي وقادة المرابطون الذين صدوا الغزاة في الزلاقة الجمعة 12 رجب 479هـ/ 23 تشرين الاول 1086م.
وتأخر اخراج العرب وسقوط اخر مدينة عربية في اسبانيا اكثر من ثلاثة قرون اخري. ولم يكن بمقدور سكان البلاد من العرب والاسبان حسم النتائج بدون تدخل خارجي. وتلقت مملكة قشتالة دعما ماليا وعسكريا من اوروبا بالاضافة الي الدعم الديني المعنوي والمالي للبابا. وسقطت غرناطة يوم الاثنين الثاني من ربيع الاول 897هـ/ الثاني من كانون الثاني 1492م. ووصل النبأ السعيد للبابا انوسنت الثامن (1484 ـ اب 1492م) اخر الشهر. وسار البابا في موكب ضخم يوم الاربعاء الاول من شباط من الفاتيكان الي الكنيسة الاسبانية سانتياغو ليصلي فيها صلاة الشكر. وحف بموكبه الكرادلة والاعيان وصلوا معه وطربت روما لاحتلال طرابلس 1511م ونصر ليبانتو (9/10/1571م) وحزنت كل عواصم اوروبا بعد معركة المخازن (4 آب 1578) التي خسر كل بلد اوروبي جنودا فيها.
واستمرت العواطف الاوروبية معادية للعرب والمسلمين. ولم ينج الراديكاليون اليساريون من هذه النظرة الي العرب. فقد عبر يساري بل شيوعي بارز مثل فردريك انجلز (1820 ـ 1895م) عن سروره لمصير عبد القادر الجزائري. وكان انجلز قد اصدر مع زميله كارل ماركس البيان الشيوعي عام 1848م. ونشر انجلز في نفس السنة، في 22 كانون الثاني 1848م، مقالا جاء فيه: لحسن الحظ ان هذا الزعيم العربي قد قبض عليه ذلك ان نضال البدو كان بلا جدوي.. واحتلال الجزائر عمل في صالح التقدم الحضاري.. وارغم بايات تونس وطرابلس وسلطان المغرب علي الدخول في طريق الحضارة.. والبورجوازي الفرنسي المزود بالحضارة والصناعة والنظام والثقافة سيكون افضل لهذا المجتمع من السيد الاقطاعي المستبد .. الم يتكرر هذا القول كثيرا خلال قرن ونصف! اليس هذا ما قالوه عن فلسطين والعراق!
اي ان حركة الاستعمار هي حركة تحرير في رأي الاوروبيين الاوائل.. وغير الاوروبيون الكثير من هذه الاراء بعد زمن وبدأوا بتفهم دوافع حركات التحرير وانسحبوا عسكريا من البلدان التي احتلوها. اي انهم وافقوا علي تحريرها من التحرر القديم. ولكن قادة حركة التحرير الذين توهموا انهم هم الذين حرروا البلد اساءوا الفهم والتصرف وكادوا ان يقنعوا الكثيرين ان التحرر الجديد لم يكن مفيدا للشعب بسبب سوء تصرف الزعماء.
.......................................................................
المصيبة اننا بنعرف كل هذا ولكن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟