قبل الميلاد :
15000 نهاية العصر الحجري القديم / 12000 العصر الكباري - الكوم / 10000 العصر النطوفي - المريبط / 8500 العصر الحجري الحديث - المريبط / 6500 العصر الحجري الحديث - بقرص - رأس الشمرة / 6000 العصر الحجري الحديث - تل الرماد - دمشق / 5000 العصر الحجري الحديث - تل حلف / 3500 بداية التاريخ - حبوبة كبيرة ( العصر السومري ) / 2800 العصر البرونزي القديم / 2700 العصر البرونزي القديم - تل خويرة / 2600 العصر البرونزي القديم - قصر ماري واستيلاء إيبلا على ماري 2650 / 2450 العصر البرونزي القديم - قصر إيبلا / 2200 الاستيلاء على إيبلا صارغون - نارام سين / 2100 النزوح إلى الغرب - العموريين / 2000 حكام أور في ماري شمسي حدد / 1900 الممالك العمورية / 1850 نقماد الأول ملك أوغاريت - عودة مملكة إيبلا / 1800 مملكة يمحاض ( حلب ) / 1750 احتلال ماري من حمورابي ( 1792 - 1750 ) / 1650 ياريمليم ملك يمحاض ( حلب ) / 1600 بداية الهكسوس في مصر / 1550 دخول الحثيين إلى سورية وبابل - مرشيلي الأول / 1500 دخول المصريين / 1450 الأمبراطورية الميتانية / 1400 دخول المصريين إلى سورية 1595 - 1155 ق.م / 1350 عصر العمارنة / 1300 عصر ازدهار مملكة أوغاريت / 1250 معركة قادش 1285 ق.م - مملكة إيمار - الآشوريين في ماري / 1200 غزو شعوب البحر للساحل / 1100 المملكة الحثية الجديدة في سورية الشمالية وفي حماتا ( حماه ) / 1000 غزوات الآراميين - غزو ثغلات بلاصو 1117 - 1077 ق.م / 900 الممالك الآرامية في الشمال وفي دمشق / 850 تدخل أشور ناصر بال الثاني في سوريا 883 - 859 ق.م / 800 الاستيلاء على تل برسيب الذي أصبح مرفا شلمنصر / 750 سوريا تصبح مقاطعة اشورية / 732 احتلال دمشق / 600 سوريا مقاطعة بابلية حديثة / 550 سوريا تلحق بالإمبراطورية الفارسية الأخمينية سيرهوس الثاني 559 - 530 ق.م 539 سبرهوس أو قورش يستولي على بابل ودارا الأول ينشئ إمبراطورية فارسية تضم أسورا عربايا. / 350 الإسكندر المكدوني في سوريا وموقعة ايسوس 333 ق.م / 300 سليقوس نيكاتور مؤسس الإمبراطورية السلوقية / 250 إنشاء أنطاكية / 200 أنطوخيوس الثاني الكبير 223 - 187 ق.م / 150 الحرب الأهلية في سوريا / 100 الإمبراطورية البارثية / 50 سوريا مقاطعة رومانية 64 ق.م
بعد الميلاد :
106 بصرى عاصمة المقاطعة العربية / 194 تدمر الآرامية - تدمر في العصر الروماني / 175 زواج الإمبراطور " سبتيموس سيفيروس " و " جوليا دومنا " / 218 الأسرة السورية من " كاراكالا " وحتى " اسكندر سيفروس " 218 - 235 / 272 الإستيلاء على تدمر من أورليان / القرن4 البيزنطيون والمسيحيون العرب / 450 كسرى الأول الساساني يستولي على أنطاكية / القرن5 المنشآت المسيحية في قلعة سمعان والرصافة والمدن المنسية / 622 بداية الهجرة وبداية الإسلام / 632
636 فتح الشام -موقعة اليرموك - ونهاية الروم في بلاد الشام / 661 - 750 دمشق عاصمة الأمويين
750 - 1258 العصر العباسي / 950 - 1004 الإمارات الحمدانية والعربية في الشمال والجزيرة / 969 - 1171 الفاطميون في مصر والشام / 1031 - 1175 السلاجقة / 1227 - 1181 الزنكيون في الجزيرة وحلب نور الدين 1146 - 1174 / 1174 - 1250 الأيوبيون في مصر وسوريا - صلاح الدين 1174 - 1193 / 1258 - 1517 المماليك في مصر وسوريا / 1258 - 1260 الغزو المغولي - موقعة عين جالوت / 1291 تحرير عكا ونهاية الصليبيين /
مملكة ماري / مدينة سورية منذ خمسة آلاف عام
إنشاء / نشوء مدينة ماري : (2900) ق . م :
يحمل موضوع إنشاء ماري عدة اعتبارات تدخل في السياق الذهني والإبداعي لحضارة المشرق العربي .
وان ذكرنا كلمة إنشاء فلأن هذه المدينة أنشئت وفق تصور مسبق وحسب مخطط معماري دقيق .
ولعل هذا الخط الحضاري في العمران المشرقي يعّبر عن ذاتية أساسها التواصل الحضاري ، فلو عدنا إلى حوالي 6500 ق . م فسوف نجد أنفسنا أمام قرية أنشئت في تل بقرص وفق مخطط معماري مسبق ، ثم سنجد في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد نشوء مدينة حبوبة الكبيرة الجنوبية وفق نقس المساق ، وها نحن في ماري التي أيضا أنشئت وفق مخطط عمراني متطور ودقيق ومسبق وقد أخذ بالاعتبار إنشاء المنشآت المائية والملاحية التي تخدم المدينة الجديدة . إذن ماري لم تكن قرية تطورت إلى مدينة .
ويبدو وأن من سعى لإنشاء ماري سواء كان سلطة سياسية أو اجتماعية ، كان يملك موقعا" على الفرات وقريب من ماري ما لبث أن هجر أو دمر لسبب ما ، مما آل إلى التفكير بإنشاء مدينة جديدة على الفرات الأوسط .
يقول مارغرون :
" ربما كان زمن وجود ماري حوالي 2900 أو 2800 ق.م ، حيث اتخذت السلطة السياسية ضمن إطار تنظيم إقليمي واسع قرارا" بتأسيس مدينة حديثة على الفرات الأوسط .
وكان هدف بناء المدينة هو مراقبة الطريق التجاري الذي يتبع مسلك الفرات ".
ويعتقد الباحث المذكور أنه كان ثمة مدينة قريبة إلى موقع ماري هي التي قامت بتعمير ماري ، ويعتقد أن موقع هذه المدينة يمكن أن يكون في تل الرمادي ".
ويبدو من أن إنشاء ماري على الفرات وبشكل بعيد عنه لحوالي 2كم ، ينبئ على أن الموقع السابق الذي كان معمرا" في تل الرمادي كان قائما على ضفة الفرات مباشرة مما سبب هلاك هذا الموقع بفعل الفيضانات وهذا ما نستنتجه من خلال أن ماري كانت تبعد قليلا" عن ضفة الفرات اليمنى .
وإذا ما عدنا إلى الخارطة الجغرافية التاريخية في تلك الفترة فلسوف نجد أن المشرق العربي يحفل بالمدن المتزايدة ، ففي الجناح الرافدي نجد مدن : سيبار ، شوروباك ، أور ، كيش ، أداب ، أكشاك ، لاغاش ، ايسين ، لارسا .
لهذا لا بد أن تقوم على الفرات الأوسط مدينة تشكل صلة وصل بين الجناحين وتفّعل السياق الحضاري والاقتصادي والتجاري والاجتماعي بين مدن الجناح الرافدي ومدن الجناح الشامي إذن إن إنشاء ماري في موقع المنتصف تماما" بين الجناحين ، عنى بشكل واضح على ضم الجناح الشرقي مع الجناح الغربي في دورة حياة واحدة ، فالجناح الرافدي صار مطلا" على المتوسط عبر الجناح الغربي ، والجناح الشامي صار مطلا" على العالم الإيراني والهندي والخليج العربي عبر الجناح الرافدي . ويمكننا أن نحدد أيضا" انعكاس تأثير إنشاء ماري وفق الحياة الاقتصادية _ التجارية ، فنجد :
أولا": كان الجناح الرافدي وتبعا" لاشراطات وإمكانات البيئة يفتقد للأخشاب والحجارة ومواد أخرى وهذا مل أمكن تأمينه عبر موقع ماري / الواصل بين الجناحين / الذي بدوره كان يحصل عليه من مدن الداخل الشامي . وكذلك في تأمين الجناح الغربي لحاجياته التي يفتقر إليها من الجناح الشرقي وامتدادا ته .
ثانيا": إن منطقة الخابور الخصيبة ، وسهولها الزراعية الوفيرة ، تؤمن إمكانات حياة زراعية نشطة ومنتجة ، وهذا ما كان محور اهتمام لدى سلطة ماري تجاه هذه المنطقة طيلة فترة فاعليتها .
وكان المخطط الأصلي للمدينة على شكل دائرة كاملة تخترقها قناة متفرعة عن الفرات تؤمن جر المياه إلى المدينة وتسهل وصول السفن إلى المرفأ .
حيث نلاحظ أنه تم بناء السور ، ثم شيدت الأبنية داخله ، وكان التوسع العمراني يتجه من المركز إلى السور . مع ملاحظة أن السور يحيط بكافة جهات المدينة عدا الجهة التي على الفرات . ويزيد قطر المدينة على 19 كم .
أما لجهة المنشآت المائية التي انشئت بالتوازي مع إنشاء المدينة ، فإنها تدل على تطور مذهل في التقنيات المائية عبر السدود والأقنية إلى ما هنالك وهذا ما دفع الباحث مارغرون للقول :
من أن ماري عمرت وفق مخطط وتنظيم هادفين حيث يشهد على ذلك منشآتها المائية وآثار السور الذي يحيط بها ، وأن منظر المدينة في الألف الرابع قبل الميلاد ، يدل على تفكير منطقي متجانس .. يمثل قوة الحضارة وتفتحها التي ظهرت في الألف الرابع قبل الميل وتوجهت في بداية الألف الثالث عبر إنشاء هذه المدينة .
وتشير الدراسات الآثارية التي جرت في تجويف ماري و منطقة التقاء الخابور بالفرات ، على وجود شبكة من الأقنية .
فثمة قناة مهمتها إيصال مياه الري إلى مصطبة واقعة على ضفة الفرات اليمنى، بشكل يتأمن معه إنتاج الحبوب اللازمة لاستهلاك المملكة .
وهناك اعتقاد من أن هذه جرى ربطها بسد أقيم على مادي الصواب لتأمين المياه في نهاية فصل الشتاء .
وأبانت التنقيبات الآثارية عن وجود قناة أخرى تربط الخابور بالفرات عند مستوى البوكمال ويتعدى طولها 120 كم .وكانت وظيفة هذه القناة تأمين الملاحة وبالتالي تفعيل التبادل التجاري بين منطقة الفرات والرافدين عبر تجويف ماري .
والى حين كان يعتقد أن مياه الشرب كانت تأتي إلى مارى عبر قنوات من الفرات ، ولكن الأمطار )حيث كانت ثمة سدود لحفظ المياه التي سوف تنتقل إلى ماري عبر القنوات المائية .
الجدير ذكره هنا ، هو أن التطور في تقنيات وسائل الري ومعالجة المياه وصلت إلى حد أن تمكنت السلطة في ماري من أن تتحكم بالمسافات الطميية التي كانت تشكل تجويف ماري .
والذي يبدو أن إنشاء المدينة في مطلع الألف الثالث أدى إلى إزهار هام لمنطقة الفرات الأوسط، حيث أكدت الاكتشافات والدراسات على أن وادي الفرات الأوسط شهد في هذه الفترة تكثفا"للسكن ولا سيما في الجزء الجنوبي منه حول مدينة ماري .استطاع الباحثان جيير ومونشابير من تحقيق وجود مالا يقل عن عشرين موقعا" ،يبدو وأنها كانت تدور في فلك فاعلية ماري .
يقول الباحثان : إن صورة الفرات في الألف الثالث قبل الميلاد أشبه بصورة عالم مكتنز بالخيرات وضع فيه عالم المار القديم كل إمكاناته لاستغلال جميع المسافات الزراعية المتوفرة أحسن استغلال.
وعلى هذا نفهم مقولة مارغون من أن علاقة ماري بالفرات كانت تشكل علة وجودها .
لابد لنا قبل أن نبحث في الواقع الديمفرافي لماري في الألف الثالث قبل الميلاد ،ولاسيما في ثلثه الأول من أن نشير خصيصة أساسية من خصائص الحضارة السورية . عنيت بذلك خصيصة الحيوية التي تجلت في منحيي :
أولهما : الحيوية المتبدية في البيئة والوسط الطبيعي والتي أفرزت فيما أفرزته حالة التنوع البيئي الطبيعي وهذا ما تبدي جليا" في انعكاساته على الاجتماع البشري وبنيته ، بحيث نستطيع أن نقارب وسطا" اجتماعيا" بدويا" وآخر زراعيا" وثالثا" مدينيا" .
ولعل هذه الحيوية البيئية الطبيعية وتنوعاتها فرضت إيقاعا" تفاعليا"، أمتزاجيا على المستوى المجتمعي وهذا ما نلمسه في الذهنية الأسطورية والبنية الفكرية الاجتماعية والتي أدت ضمن هذا المساق التفاعلي إلى جملة الإبداعات الحضارية .
ثانيهما: لم يعد بناء على ما سبق النظر إلى حركة الاجتماع المشرقي على أنها حالة تفاعل لكتل فيزيائية اجتماعية ربما لا تتفاعل أو تتداخل ، بل أصبحنا أمام حالة تفاعل امتزاجي بنيوي أكدته المعطيات الآثارية والتاريخية .
فكما استند المنجز الحضاري السومري على ما سبقه من منجز حضاري عبيدي ، فإننا الآن أمام استناد للمنجز الحضاري الأكادي والعموري على المنجز الحضاري السومري .
وهكذا تتمخض حركة المجتمع الشرقي العربي عبر التاريخ عن سلسلة واحدة متصلة ومتواصلة من التفاعل والامتزاج الاجتماعي والتي صهرت كل الموجات البشرية المتعاقبة في بوتقة حضارية واحدة ذات خصائص مجتمعية _ إنسانية ، أدت إلى مجمل المنجزات الحضارية على صعيد الحضارة الإنسانية والتي ظهرت أول ما ظهرت في المشرق العربي .
بناء على هذا يمكننا مناقشة الواقع الديمغرافي في ماري ، انطلاقا" من هذه المفاهيم التي حاد عنها النهج الاستشراقي الغربي إما جهلا" أو تجاهلا" واما لإظهار حالة قطيعة بين مشرق اليوم ومشرق الأمس ولاسيما في بعده الاجتماعي _ التاريخي .
الواقع الديمغرافي في ماري في الألف الثالث قبل الميلاد :
إذا كان الواقع الديمغرافي مع مطالع الألف الثالث قبل الميلاد قد استمد ركائزه من الفاعلية السومرية ، فإننا إزاء الجناح الغربي للمشرق العربي / بلاد الشام / نلاحظ أن هذه الفاعلية ليست ذات فعالية كما هي في الجناح الشرقي / بلاد الرافدين / . وعلى هذا نستطيع القول أن الفاعلية الحضارية والاجتماعية لبلاد الشام قامت بفضل الأكاديين والماريين والابلائيين ، مع استفادتها من الفاعلية السومرية .
يقول الدكتور علي أبو عساف : " ساهم السومريون في صنع حضارة الجناح الشرقي للمشرق العربي ولم يسهموا في حضارة بلاد الشام ، حيث قامت هذه بواسطة الماريين و الابلائيين والأكاديين " .
وما يميز ثقافة ماري منذ إنشاء المدينة هو أنها وان كانت ذات تأثيرات سومرية لكنها تفتحت في وسط غير سومري على حد قول مكتشف ماري أندريه بارو .
وعلى هذا نستطيع فهم عمق العلاقات التفاعلية والامتزاجية في المساق الاجتماعي بين مدن الجناحين المشرقيين فالباحث أبو عساف يشير إلى وجود علاقات وطيدة بين مواقع الجناحين في الفترة بين 2800_2350 ق . م .
في حين يؤكد أحد الباحثين الغربيين القارئ لرقم إبلا " أن المبادلات الثقافية في الألف الرابع قبل الميلاد بين مدن المشرق العربي كانت أغزر وأقوى مما كان من الممكن تصوره حتى الآن "
وهذا ما يتبدى بصورة جلية في العلاقات بين كيش وأبو صلابيخ في الرافدين وماري وابلا في بلاد الشام .
ويشير الباحث الفرد هالدار في كتابه " العموريين " إلى علاقات قوية بين ماري وأوروك ولاغاش في الرافدين .
ونتيجة لنشوء ماري في هذا المناخ الديمغرافي أولا" والطبيعي ثانيا" ، فان الدارس لحركة التفاعل الاجتماعي الاقتصادي في النصف الأول من الألف الثالث سيلاحظ أن تلك الحركة متجهة نحو الشرق أكثر من اتجاهها إلى الجناح الغربي الشامي وباعتقادنا أن هذا الأمر نابع من التأثيرات السومرية الأصل في مطلع تلك الألفية ،بالإضافة إلى قلة مدن الجناح الغربي نسبيا" في تلك الفترة والتي تمتلك الفاعلية الحضارية ، اقتصادية كانت أم تجارية ..الخ .
وعلى هذا يمكننا فهم مجمل أوجه النشاط الاجتماعي في ماري في هذه الفترة من فنون ولغة وكتابة حيث أننا أمام تأثيرات سومرية واضحة .
يقول الباحث مارك لوبو :
" إن الدراسات حول الثقافة المادية القديمة في ماري ، منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد ، تقودنا إلى اعتبار ماري متصلة حصرا" مع وادي ديالي في الرافدين . وفي الواقع إن ماري أسست في حوالي 2750 ق . م خط سير واضح يعبر عن العلاقة بين اشنونا في الرافدين وماري في بلاد الشام ، بحيث أن هذا الخط يمر عبر عانة ويجتاز الطريق السفلي لوادي الثرثار "
والذي يبدو وفق خرائط ذلك الخط أن الطريق أدت إلى نشوء علاقات مباشرة بين مناطق كيبان ، كركميش ، ايمار ، توتول ، ترقا ، ماري ، عانة ، سيبار ، كيش .
إذن ، إذا كان أصل نشوء ماري يحمل صفات سومرية على أرض ليست سومرية فان اتجاه حركة الحياة في الثلث الأول إلى حوالي النصف الأول من الألفية الثالثة كان يتجه نحو الجناح الرافدي بأكثر من اتجاهه إلى الجناح الغربي الشامي .
وفي كتابه " آثار الممالك القديمة في سورية " يشير الدكتور أبو عساف إلى أن الأبحاث الآثارية أثبتت وجود سلالات حاكمة في مدن أور ، أوروك ، لجش ، كيش ، أوما ، شوروباك ، أدب ، ماري وغيرها وهذه كلها تعود لما يطلق عليه اسم عصر فجر السلالات 2800 2350 ق.م وان هذه السلالات كانت كلها سومرية فيما عدا سلالات مدينتي كيش الرافدية وماري حيث كانت أكادية .
ويضيف الباحث إلى أن مدن لجش وأوما وأور لم تشارك مباشرة في التفاعل مع مدن بلاد الشام آنذاك بل شاركت الأكاديين في صنع حضارة الجناح الشرقي / الرافدي / .
وبالاتجاه إلى لغة سكان ماري في مطلع الألف الثالث فان الدراسات والأبحاث أثبتت أنهم كانوا يتكلمون اللغة السومرية والأكادية القديمة والحورية واللهجات " الشامية " وكان ملوك ماري في تلك الفترة يحملون أسماء شامية / عمورية .
ويعتقد الباحث هالدار أن السكان الذين كانوا يتكلمون اللغة السومرية كانوا موجودين في شمال سورية وفي ماري وتل الخويرة في النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد على الأقل.
والجدير ذكره هنا،هو أن تمثال الملك لمجي ماري_ملك ماري والذي دلّت النقوش المسمارية المكتوبة عليه عن موقع مدينة ماري والذي يعود إلى حوالي 2600ق.م كان يحمل كتابة غير سومرية، بمعنى أنها كتابة بلاد الشام سواء كانت أكاديمية قديمة أو عمورية.
أما التواجد العموري في المشرق العربي فتؤكد الأبحاث الآثارية والتاريخية واللغوية إلى أنه يعود إلى الثلث الأول من الألف الثالث ، حيث أنه أخذ بالتصعيد التدريجي وصولا" إلى تأسيسه للممالك العمورية الكنعانية مع مطلع الألف الثاني قبل الميلاد في مجمل مدن المشرق العربي آنذاك . وللتأكيد على خصيصة التفاعل والتمازج الأهلي الاجتماعي آنذاك والذي سبق أن قدّمنا له ، نشير إلى مقولة العالم مارك لوبو حيث " أن التعايش السومري - العموري سار جنبا" إلى جنب وبسلام في ماري .. وكان التجار العموريون يتجولون في بلاد الرافدين وأكاد كما تجول السومريون في ماري ، وكثير منهم توطن في أماكن الآخر " .
وهذا أيضا" ما يؤكده الباحث ألفرد هالدار بقوله :
" لما كانت التجارة تتيح إمكانية التبادل ليس فقط بين البضائع ، بل أيضا" بين الأشخاص ، فان النتيجة أنه استوطن العموريون بصفة دائمة في الرافدين واستوطن السومريون في الغرب" أما الباحث شاربان فيتحدث من خلال دراسة أقدم النصوص المسمارية المكتشفة في ماري والتي تعود إلى الألف الثالث ق.م عن أن لغة ماري تتكون من لهجة ماريّة مع / سومرية تصويرية !/ .
ولو شئنا البحث في الواقع الاعتقادي في ماري آنذاك فلسوف يؤكد لنا خصيصة التفاعل والتمازج والتعايش ا لأهلي، فإلى جانب الآلهة السومريون سنجد آلهة عمورية وبهذا فنحن أمام معابد للأولى كما للثانية وعلى هذا فأننا نجد معبد الآلهة نيني زازا إلى جانب معبد الآلهة عشتار العمورية وقد عبد الأرباب السومريون والعموريون بآن واحد في ماري .
واستنتاجا يصل الباحث هالدار إلى أن جزءا من سكان ماري كانوا يتكلمون السومرية ويعبدون الأرباب السومريون وقسم آخر كان يتكلم العمورية ويعبد الأرباب العموريين.
مع ملاحظة أن تعبير اتسم الذي استخدمة هالدار هو تعبير فيزيائي يحمل في طيا ته صفة الاستقلال عن الآخر وهذا مالا نوافقه به لأنه يضرب خصيصة التفاعل والتمازج الذي يشبه التفاعل الكيميائي لا الفيزيائي والذي يحمل في طيا ته صفة الإدماج والتعبير عن دورة
حياة واحدة في ماري .
ويشير ولفورد جورج لامبيرت إلى أن مجمع الآلهة البانثيون في ماري كان يحاكي النمط السومري . فثمة أ له رئيسي وإلى جانبه مجمع من الأرباب . وهذا يؤكد حسب الباحث على التواصل الثقافي والروحي بين الرافدين والشام في عصر ماري .
ويصل للقول إن وجود أسماء آلهة سومرية في معابد سورية وأسماء آلهة سورية في معابد سومرية يجعل الحديث عن الحياة الاعتقادية في المشرق لا تكتمل إن لم يتم التطرق إلى كلا الجناحين الرافدي والشامي .
إذن نصل إلى عدة استنتاجات عن الواقع الديمغرافي في ماري في النصف الأول من الألف الثالث :
أولها : ثمة تواجد سومري أكادي عموري أساسة التفاعل والتمازج ووحدة دورة الحياة الاجتماعية الاقتصادية الروحية الاعتقادية .
ثانيها : أن الثقافة السائدة آنذاك كانت ثقافة سومرية في وسط شامي حملت تلك الثقافة بعض خصائصه .
ثالثها :أن السلالات الحاكمة لماري منذ نشوئها كانت سلالات أكادية كما مدينة كيش الرافدية وأن اتجاه التفاعل لماري كان نحو مدن الجناح الشرقي ربما لسيادة الثقافة السومرية آنذاك ولغياب نسبي للمراكز الفاعلة في الجناح الغربي .