محمود الغرايبة .. والولاء والانتماء بالعمل المخلص

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

شكلت الأرض الأردنية عبر المراحل التاريخية المختلفة، عنق الزجاجة للقبائل العربية المهاجرة، فهي البرزخ الرحب، بين شبه جزيرة العرب، وبلاد الشام ومصر والعراق وما بعدها، وقد تركت هذه الهجرات بصماتها الواضحة على التركيبة الديمغرافية للبلاد، منذ انهيار سد مأرب، والهجرات الكبيرة، فانبثقت بذور الحضارة مع بواكير العصر الحديدي الأول، ولم ينقطع خيط الهجرات الناتج، عن تحرك القبائل العربية في المنطقة قبل مرحلة الاستقرار، وقد أندغمت هذه الهجرات مع السكان المحليين، ممهدة الطريق لدور حضاري مؤثر للأردن منذ الممالك الكنعانية، ومن ثم الإغريق ومن بعدهم الرومان، حتى دخول المنطقة تحت الحكم الإسلامي، الذي منح الوطن العربي هويته الدينية واللغوية.
يعود محمود الخالد الغرايبة بنسبه لعشيرة الغرايبة، إحدى العشائر المعروفة شمال الأردن، وهي تنتسب إلى فرع الحسن من قبيلة زبيد القحطانية، التي عرفت بموطنها في محيط جبل شمر بالحجاز، وتعتبر هجرة هذه العشيرة من الهجرات المتأخرة، فقد غادر أبناؤها مضاربهم باتجاه الشمال، بحثاً عن مناطق جديدة يتوفر فيها الكلاء والماء، بعد فترات من الجفاف والقحط المتتالية، فوصلوا إلى جنوب فلسطين في نهايات القرن الثامن عشر، حيث استقر قسم منهم في بلدة « ترقوميا « في حين واصل البقية رحيلهم نحو الشمال، بحثاً عن فرص أفضل، فسكن قسم آخر بلدة « طمون « بالقرب من نابلس، أما القسم الأكبر فقد عبر نهر الأردن، إلى منطقة جبل عجلون التي ضمت شمال الأردن من جرش حتى أواسط حوران، وقد سكن جزء منهم ما يسمى اليوم بقرية الهاشمية، أما البقية فقد انتشروا في مدينة اربد ومحيطها، حتى أطراف مدينة المفرق، خاصة في بلدتي حوارة والمغير، وكانوا قبل ذلك قد سكنوا فترة من الزمن في قرية « جمحة « الواقعة غرب مدينة اربد.
كانت ولادة محمود الخالد الغرايبة، متوافقة مع بزوغ فجر القرن العشرين، حيث تؤكد الروايات إن ولادته كانت عام 1900م، ليشهد التغيرات الحاسمة، التي شهدتها المنطقة العربية بين هذا التاريخ وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد دفعت ممارسات الأتراك العنصرية، في أعقاب خلع السلطان عبد الحميد، العرب للوقوف ضد عسكر الدولة في أكثر من موضع، مما فتح الطريق لاندلاع الثورة العربية الكبرى، بقيادة الشريف الهاشمي الحسين بن علي، فعانت البلاد قبل ذلك إهمال الدولة، وغياب كامل لسبل التنمية.
نشأ الغرايبة في قرية المغير مسقط رأسه، وكانت طفولته كأقرانه من أبناء القرى في تلك المرحلة، حيث شظف العيش، وقسوة الحياة، ومواجهة الواقع بصبر وأمل لا ينقطعان، وكان من حسن حظه أن مكنه والده، من إتقان القراءة والكتابة والحساب وحفظ أجزاء من القرآن، ومن خلال التحاقه بالكتّاب، ونظراً لتميزه فقد تمكن من الدراسة في المكتب الابتدائي في اربد، وكانت تدرس في المدارس العثمانية، في تلك المرحلة اللغة التركية القديمة، مما ساعده على إتقان اللغة التركية، إلى جانب اللغة العربية.
لقد مكنته مهاراته اللغوية، في الدخول إلى الحياة العملية بوقت مبكر، حيث انخرط في سلك الوظيفة الحكومية، ضمن كوادر الحكومة العثمانية الحاكمة، وعين كاتباً للضبط ومحضراً، لفترة من الزمن، بعدها دخلت قوات الثورة العربية شرق الأردن، وتم تحرير الأردن وسوريا من الحكم العثماني، الذي دام أربعمائة عام، وعندما وصل الأمير عبد الله بن الحسين عمان، وقام بتأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921م، عين الغرايبة في وظيفته السابقة كاتب ضبط ومحضراً، وبعد بدء مرحلة بناء مؤسسات الدولة الناشئة، تم تعيينه كاتباً للرسائل في الكرك عام 1925م، وكان لهذه الوظيفة مكانتها في ظل غياب خطوط الهاتف، وسبل التنقل والاتصال الحديثة، بعد أن خدم في الكرك تم نقله ليشغل نفس الوظيفة في منطقة جبل عجلون، التي تشمل إدارياً منطقة شمال الأردن كاملة، وقد خلف بالوظيفة السيد عمر المعاني، وكان عدد موظفي الحكومة في تلك الفترة قليلاً، حتى أن كتب التعيين يوقعها رئيس النظار – رئيس الوزراء – آنذاك، وقد خصص للغرايبة راتباً سنوياً مقداره (138) جنيها فلسطينيا، وصنف بالدرجة السابعة.
كانت السمة المميزة للموظفين وقتها كثرة التنقل بين مدن الإمارة، ففي العام 1928م نقل بالتبادل مع زميله نهاد خورشيد، ليصبح بذلك كاتباً للرسائل في مدينة جرش، لكن الأمر لم يطل به في جرش، حيث تم تعيينه بعد ذلك بفترة، ليكون مديراً لناحية العراق في الكرك، والتي تسمى اليوم بـ ( مؤتة ) وقد شملت هذه التعيينات الجديدة كل من: عمر المعاني مديراً لناحية الشوبك، ومحمد الأسد كاتباً لرسائل جبل عجلون، ونهاد خورشيد كاتباً لجرش، وعبد العزيز مرعي كاتباً في ديوان رئاسة النظار، وكان هذا القرار بتوقيع رئيس الوزراء في ذلك الوقت، حسن خالد أبو الهدى، الذي أجرى تنقلات جديدة بعد شهرين فقط شملت معظم الأسماء السابقة، وقد نقل محمود الخالد الغرايبة عام 1928م كاتباً للرسائل في مدينة مادبا، وبعد ذلك بعام قدم الغرايبة استقالته من عمله كاتباً للرسائل في الطفيلة، وقد قبل رئيس الحكومة توفيق أبو الهدى استقالته، غير أنه عاد للوظيفة في عام 1933م، بعد أن تم تحويل قائمقامية عجلون إلى مديرية ناحية، حيث عين محمود الخالد مديراً لهذه الناحية.
وتذكر السجلات أن محمود الخالد الغرايبة، رفع تقريراً كقائمقام لجرش عام 1937م، إلى متصرف لواء عجلون، يبين فيه أن تسجيل الناخبين جرى من قبل مأموري التسجيل، وأن الجداول التي نظمت صحيحة ومنطبقة مع القانون، ولا يوجد أدنى تلاعب البتة، وأن تكرار الأسماء غير وارد. وقد نشطت الحركة الوطنية الأردنية، المناهضة للانتداب البريطاني، وحمل كثير من رجالات هذه المرحلة أفكاراً مناوئة للبريطانيين وخططهم، وطالبوا بإعطاء أبناء البلاد فرصة في الوظائف العليا، بالإضافة لحسهم القومي الوحدوي، وتحذيرهم مما يجري في فلسطين، ونتيجة لحراكهم المستمر والمحرض ضد الإنجليز، تعرضوا للمضايقات والملاحقات، مما اضطر اغلبهم لمغادرة البلاد، فغادر محمود الغرايبة إلى سوريا، مع بعض صحبه كصبحي أبو غنيمة، وعلي العجلوني، ولم يتوان أمير البلاد عبد الله بن الحسين، وهو من قادة الثورة العربية الكبرى التي فجرها والده شريف مكة وملك الحجاز بعد ذلك، بتمهيد سبيل عودتهم إلى ربوع الوطن، مقاوماً ضغط الإنجليز، لإيمانه الحقيقي بمشروعية مطالبهم.
لم ينقطع الغرايبة عن العمل العام والوظيفة الحكومية، طالما في ذلك خدمة للوطن، ومساهمة في تقدمه، فأصبح عام 1939م رئيساً لبلدية اربد، خلفاً لرئيسها السابق السيد عبد القادر التل، أما مع حلول العام 1942م، فقد عين قائمقام في وزارة الداخلية، حيث خدم في مدينة مادبا خلفاً للسيد جلال القطب، ثم انتقل إلى مدينة جرش خلفاً للسيد عمران المعاني، وقد تمت هذه التعيينات والتنقلات بقرار من رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى، الذي ترأس عدداً كبيراً من الحكومات الأردنية، في فترات مختلفة، لكنه في عام 1943م، أحيل على التقاعد بناءً على طلبه، مكتفياً بما قدمه في الوظيفة الحكومية،مفضلاً التوجه للعمل في زراعة الأرض، فلقد بذل جهوداً مضاعفة من أجل استصلاح الأرض، التي اشترها في منطقة الكريمة قرب نهر الأردن، وكانت أرضاً خربة وموحشة، فحولها إلى أرض خصبة منتجة، وساهم في مطالبة الحكومة، بالاهتمام بالأراضي الزراعية في غور الأردن، حتى تم شق قناة الغور الشرقية، وفتح الطرق الزراعية، وتوزيع الأراضي على المزارعين، وبناء الوحدات السكنية، ودعم قطاع الزراعة.
حاز الشيخ محمود الخالد الغرايبة على لقب « باشا « من سمو الأمير عبد الله بن الحسين، نظراً لإخلاصه وخدماته اللافتة للوطن والأهالي، فقد تميز بعمله المتواصل من أجل قضاء مصالح أهل المنطقة، وحل مشاكلهم، ومساعدة المحتاج منهم، وكثراً ما كان يذهب إلى عمان من أجل مقابلة كبار المسؤولين، من أجل مساعدة أحد البسطاء، أو طلب خدمة عامة لمنطقته، وكان يستجاب لمطالبه، لمكانته في الدولة وما حظي به من تقدير ومحبة من قبل أمير البلاد والملك المؤسس في ما بعد، واستمر ممسكاً بعروة الولاء والإخلاص في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال، وقد اهتم الغرايبة بالأعمار إلى جانب الزراعة، وقد استأجرت وزارة الصحة أحد مبانيه ليكون مستشفى اربد، وبنى بعد ذلك سوقاً تجارياً كبيراً يشبه سوق البخارية في عمان، وقد أحب العلم فكان أبنه عبد الكريم من أوائل من حاز على درجة الدكتوراه في التاريخ، من جامعة لندن، وهو يخصص منحة دراسية لأوائل الثانوية العامة في اربد، باسم والده محمود الغرايبة، أما ابنه طريف فقد درس القانون، كذلك المرحوم هيثم الذي كان عضواً في محكمة العدل العليا، في حين عمل الدكتور فيصل في قطاع التنمية الاجتماعية في الأردن والبحرين وجامعة الدول العربية، لم يدخر محمد الغرايبة جهداً ولم يتخل عن واجبه في أي مرحلة من مراحل حياته، حتى توفي عام 1979م، فترك برحيله فراغاً وحزناً بقيا في القلب فترة طويلة.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

شكرا وعد على الابداع

يسلمو على مروركم المميز

» من هو حسن شيخ محمود , السيرة الذاتية حسن شيخ محمود , صور حسن شيخ محمود , ويكيبيديا حسن شيخ محمود رئيس الصومال الثامن
» من هو محمود عوف , السيرة الذاتية محمود عوف , ويكيبيديا محمود عوف , صور محمود عوف
» من هو محمود مكى, السيرة الذاتية محمود مكى, صور محمود مكى, ويكيبيديا محمود مكى
» من هو محمود خلف , محمود خلف ويكيبيديا , السيرة الذاتية لمحمود خلف , صورة اللواء محمود خلف
» من هو محمدود مختار , السيرة الذاتية محمود مختار , ويكيبيديا محمود مختار اعمال محمود مختار , Mahmoud Mukhtar , صور محمود مختار