KLIM
| موضوع: ظاهرة الفناء في العمارة العربية التقليدية 30/11/2010, 01:07 | |
| ظاهرة الفناء في العمارة العربية التقليدية
انتشر استعمال الفناء في العمارة العربية التقليدية المنتشرة على طول أرجاء العالم العربي شرقا وغربا. و لم يقتصر هذا الاستخدام على نمط معين من المباني دون آخر، بل نراه في كافة المباني التقليدية ابتداء من البيوت والأبنية الخاصة إلى المباني العامة كالمساجد والمدارس والخانقاوات. ويعزو بعض الباحثين انتشار استخدام الفناء إلى أسباب مناخية وأخرى اجتماعية. فيما يعتمد البعض الآخر إلى الاعتقاد بانتشار الفناء (كنمطية) بنائية كظاهرة تخطيطية شاعت كعرف وقانون تشريعي بنائي انعكس مباشرة على النسيج العمراني الحضري في البيئة التقليدية. وأيا ما كان الدافع فقد كان لظاهرة انتشار الفناء في البيئة التقليدية اثر في البيئة الحضرية المعاصرة وعلى معماريي العالم العربي المعاصرين، إذ قلما يغفل احدهم هذا العنصر من تصاميمه ان كان يدعي انتماءه للتراث والعمارة التقليدية كمرجعية تاريخية. ولكن ما مدى شرعية الاستعارة من الماضي عبر الحاضر؟ وما هو دور (الفناء) في المباني المنتشرة في البيئة التقليدية في العالم العربي؟ يشير الباحثون في مجال العمارة العربية التقليدية إلى الفناء (كظاهرة) سائدة عكست كما كانت انعكاسا في نفس الوقت لظروف وأحوال مناخية. حيث أسهم الفناء بتوفير منطقة وسطية (غالبا مركزية) ضمن المبنى التقليدي تتميز بفرق ضغط ودرجة حرارة مختلفة عن مجاوراته من أحيزة فراغية مما يسمح بانتقال الهواء عبر المبنى وتوفير نسيم هوائي يساعد على تلطيف درجات الحرارة. بيد أن الفناء لوحده لا يلعب هذا الدور ضمن المبنى التقليدي. إذ أن هناك عناصر أخرى ضمن المبنى كالبيت مثلا تلعب دورا كمنظومة مجتمعة معا إلى جانب الفناء وهي الاحيزة الفراغية المتعددة المحيطة بالفناء وغالبا ما تكون شبه مغلقة أو مسقوفة. وهذه الاحيزة الفراغية تقع إما على نفس الدور الأرضي أو على دور علوي يشرف على الفناء وهي: أولا الإيوان، ويتواجد الإيوان بخاصة في المباني العامة كالمساجد والمدارس وبعض الوكالات، وهذا العنصر المعماري يقع على احد أو كلا محوري الفناء بحيث يعطي إمكانية التواجد حول الفناء تبعا لحركة الشمس اليومية، وقد يكون الإيوان على طابقين مما يتيح إمكانية الإشراف على الفناء. وتجدر الإشارة هنا بأهمية حركة الشمس وفكرة الظل والنور، إذ هي من الأهمية بمكان أن ورد ذكرها في القرآن الكريم (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا)، مما يعطي الظل حركية وحيوية لا سكونا . وبذا يضفي على العمارة بعدا رابعا حيث لا يصبح الفناء مكونا من أبعاد ثلاثة، بل هو عنصر معماري يتغير استعماله باختلاف ساعات النهار والليل وباختلاف الفصول الأربعة. والمتفحص في العمارة التقليدية يجد أن المعمار المسلم قد أدرك هذه الخاصية وعكسها في المباني التي نراها بطريقتين: الأولى من خلال التتابع البصري غير المباشر بواسطة المدخل المنكسر المؤدي إلى الفناء حيث يقود النور المنبعث من الفناء الزائر عبر الردهات المعتمة التي تسبق الفناء، والثانية من خلال إتاحة إمكانية انتقال أهل الدار عموديا وأفقيا حول الفناء تبعا لحركة الشمس يوميا وفصليا بتوفير أحيزة فراغية متعددة رأسيا وأفقيا. أما العنصر الآخر فهو: ( الدرقاعة) ويلحق بها (الشخشيخة) وهي التسقيف الفراغي الذي يعلو القاعة الداخلية التي عادة ما تكون على طابقين. والشخشيخة تسمح بإدخال النور إلى فراغ القاعة من ناحية، كما تسمح بالتحكم بدخول أو خروج الهواء تبعا لفكرة فرق الضغط بين مناطق الظل والنور بالبيت. وبذا تؤدي لدى اتصالها فراغيا مع الفناء إلى تحريك الهواء داخل البيت وتلطيف درجات الحرارة العالية التي غالبا ما سادت البيئة التقليدية. كما تتصل أحيانا بعنصر فراغي ثالث هو ملقف الهواء كما يعرف في مدن شمال إفريقيا (أو البادجير في دول الخليج العربي). بيد أن ملقف الهواء يفتح من ناحية واحدة غالبا لالتقاط الهواء البارد إلى داخل البيت، فيما يفتح البادجير على أكثر من ناحية. وإذ يمتد ملقف الهواء أو البادجير إلى أكثر من دور رأسي لالتقاط الهواء البارد، فقد اهتدى قاطنو تلك المناطق الحارة إلى وضع جرة من الماء أسفل الملقف (كثلاجة) لتزويد الماء البارد. وهناك (ثلاجة) أخرى ابتكرها قاطنو تلك البيوت التقليدية والتي اشتقت اسمها من الوظيفة التي تؤديها، وهي عنصر معماري لتكسية الفتحات وتدعى (المشربية) بمدن شمال إفريقيا، أو (الشناشيل) في العراق والخليج العربي، والتي تؤدي وظائف أخرى اغلبها الخصوصية البصرية لأهل الدار. وهناك عناصر واحيزة فراغية أخرى متصلة اتصالا مباشرا بالفناء مثل (التختبوش) وهو حيز فراغي على الدور الأرضي في الجهة الخلفية يؤدي وظائف اجتماعية وقد اشتق اسمه أيضا من وظيفته إذ يعكس الخصوصية البصرية والاجتماعية للجالسين بذلك الحيز الفراغي بمأمن من غارات الدخلاء أو الزوار المفاجئة أو مما يقطع صفو الجلسة. ويتصل بجداره الخلفي بحديقة خلفية كما نرى في بيت السحيمي بالقاهرة مثلا. ولا تخفى أهمية الاتصال الفراغي بين الفناء المكشوف وبين التختبوش المغطى المتصل بالحديقة في جريان نسيم هوائي عليل في الصيف، وبخاصة مع توفر مسحة من غطاء نباتي بين الحديقة الخلفية وبين الفناء مع وجود (فسقية الماء) التي تتوسط أرضية الفناء. أما الحيز الفراغي الآخر المتصل بالفناء فهو (المقعد)، ويوجد على طابق مرتفع بحيث يطل أهل الدار على الفناء لدى جلوسهم (بالمقعد). من ذلك كله يتبين أن الفناء كان دائما حلقة في سلسلة فراغية تعمل معا كمنظومة فراغية بيئية واجتماعية، وهي ما يشكل سر إبداع وتفوق العمارة التقليدية على ما نراه حاليا في العمارة العربية المعاصرة. وإذ نرى حاليا بعض معماريي العالم العربي المعاصرين ممن يلجأ لاستعارة مفهوم الفناء في بيئة مبنية مغايرة في قوانينها التخطيطية والمناخية والاجتماعية للبيئة التي يقتبس منها، فمثله كمثل من يأخذ من الآلة قطعة بمعزل عن بقية القطع التي تعمل معا، إذ لا تسير السيارة بهيكل معدني أجوف بمعزل عن العجلات والمحرك وغيرها . ولعل مقولة (لوكوربوزييه) الشهيرة: (البيت هو آلة للعيش فيها) مما قد يعكس هذا المفهوم (للمنظومة الفراغية) التي يقع الفناء كواحد من عناصرها، بما يحاكي (الآلة الدافعة) التي تكمن وراء فكرة (الماكنة) أو ميكانيكا السيارة. إذ من الخطأ كل الخطأ ومما هو ضد كل قوانين الفيزياء التعامل مع قوة أو عنصر ما بمعزل عن المحيط. وبذا نتساءل: ما بال معماريي العالم العربي المعاصرين إذ يعتمد احدهم إلى استعارة احد العناصر من (المنظومة المعمارية المحركة) ضمن المباني التقليدية وإلصاقها (شكليا) في البيئة المبنية المعاصرة؟ اليس في الدروس والعبر التي تقبع شاخصة في الموروث من البيئة العمرانية التقليدية مندوحة عن هذه الاستعارات البتراء؟ | |
|
أسماء
| موضوع: رد: ظاهرة الفناء في العمارة العربية التقليدية 2/12/2010, 08:25 | |
| | |
|
KLIM
| موضوع: رد: ظاهرة الفناء في العمارة العربية التقليدية 16/2/2011, 06:43 | |
| | |
|
theredrose
| موضوع: رد: ظاهرة الفناء في العمارة العربية التقليدية 16/2/2011, 06:46 | |
| | |
|