المقولة بأن المصريين شعب يقبل الحاكم أياً كان ويرضي بالأمر الواقع قول غير سليم والقاري للتاريخ المصري يجده كله به روح المقاومة المستمرة والمتواصلة التي تشتعل في كثير الأحيان. :
فتاريخ المصريين مر بمرحلتين اساسيتين ......
مرحلة فجر التاريخ منذ بدأ بنزول المصري إلي أرض وادي النيل وترويض النيل والاستقرار وحتى عام 526 قبل الميلاد وحتى الآن نجد أن مصر تمر بمرحلة ضعف تتخللها نقاط قوة ...مقاومة وكفاح .. موجودة دائما لدي المصري ضد المستعمر والدخيل فمنذ الاسكندر ثم الرومان ثم البيزنطيين ثم العرب فالعثمانيين والمماليك .... وتاريخ المصريين ملئ بالمقاومة وموقعة رفح في الجيش البطلمي اكدت ان المصري هو اشد المقاومين وعند الغزو العربي لم تهدأ ثورات المصريين فقد كانت ثورات متوالية وانتهت بأكبر ثورة وهي ثورة البشموريين ولم تنتهي الا بقدوم الخليفة المأمون الذي قام بعمل اكبر مذبحة لآلاف المصريين للقضاء علي تلك الثورة علي الحكم العربي لمصر
وفي ال 203 سنة الاخيرة من تاريخ مصر ومنذ ثورة المصريين علي مراد بيك ابو الذهب والتي تم علي اثرها تم توقيع عقد في الباب العالي يمنع فرض ضرائب او جبايات علي المصريين الا في حالة الضرورة القصوي وبحضور ممثلي الامة المصرية ونقيب الاشراف والحرفيين ..... حيث يعتبر هذا العقد بعد ثورة المصريين بمثابة ( ماجناكارتا ) مصرية .....
في ال 200 سنة الاخيرة نجدها مليئة بالمقاومة والثورات ففي عام 1951 كانت المقاومة علي جميع المستويات وفي شتي انحاء الوطن
فأن كان المصري بطبيعته يميل إلي السكون والاستقرار والسلام إلا أنه عندما يقهر يواجه ويرفض ويتمرد وحتى يسترد حقوقه وقد قامت ثورات المصريين بهدفين:-
1- المشاركة في الحكم (الديمقراطية)
2- الاستقلال الوطني أي حكم الشعب نفسه بنفسه فالثقافة المصرية عكس ما يشاع دائما عنها فهي ثقافة مقاومة.
وقد يلاحظ البعض ان المصريين اليوم يعانون تدهورا في الحالة الثقافية والاجتماعية والتعليمية والصحية واتساع وشيوع الفكر الخرافي والشعوذة والبلطجة والعشوائية، وتغلغل الفساد والتسيب واللامسئولية والعبثية، ينظر البعض إلى كل هذا ويسأل لماذا يتحرك المصريون؟ وهل المصريون جبناء ؟
لهؤلاء أقول إن مصر بلد قديم، بالغ القدم، يمتد تاريخه إلى سبعة آلاف سنة، وأن اللحظة الراهنة ما هي سوى قطرة في محيط الوجود المصري الشاسع الضارب في الزمن، وأن عبقرية بلد كهذا لا يمكن أن تظل ظاهرة في أوج توهجها في كل لحظة، أو كل قرن من الزمن. إذ أن طبيعة المسار التاريخي هي الصعود والهبوط، الرقاد والقيام، الغيبوبة والبعث، الركود والتجدد، هكذا كان تاريخ مصر، وهكذا سيكون إلى أبد الآبدين.
نادرا ما يثور المصري على أوضاعه الصعبة إلا حينما يتفاقم الوضع وتصبح الثورة هي ملاذه الأخير.. فتحت غطاء الضعف والتعب والاهتراء الخارجي تكمن قوة تاريخية هائلة يستنفرها المصري في الوقت المناسب لينتفض بها محققا إنجازات إعجازية تبهر الناظرين . ولو توقف الناظر إلى حال مصر قبل أكتوبر 73 لما أستطاع أن يتخيل أن ذلك البلد الجريح المهزوم - وذلك الجيش المرهق الذي هرب في الصحراء ، وهزم في ستة أيام منذ ست سنوات فقط ، يمكن أن ينتفض تلك الأنتفاضة المذهلة في السادس من أكتوبر ليحقق إنجاز العبور العظيم ، محطما بذلك كافة النظريات العسكرية وتوقعات المؤسسات الإستراتيجية في العالم . والشعب المصري الصبور لم يتخاذل عن الانتفاض والثورة كلما أستدعي الأمر فكانت هناك هوجة عرابي وثورة 19 ، وثورة الضباط الأحرار ، وأنتصار العبور ، بل كانت هناك ما أطلق عليها الرئيس السادات «إنتفاضة الحرامية» وما كان هؤلاء بلصوص بل كانوا مصريين شرفاء أصلاء رفضوا جور المسؤلين وفشلهم ورفعهم الفاحش للأسعار فخرجوا إلى الشوارع يعبرون عن رفضهم وإحتجاجهم .
لا يجب أن تنخدعوا بصبر المصريين ، فتحت حطب الصبر والإحتمال والمسالمة يتوهج دائما جمر متقد لا يخمد هو جمر الروح المصرية التي لا تموت