النشأة والأصل
هم شعب ينتمي الى أرومة الشعوب السامية، تربطهم علاقة قرابة مع الشعب العربي وا لعبراني, ويعود نسبهم حسب ما ورد في العهد القديم الى آرام بن سام بن نوح (سفر التكوين, 23:10). لقد انطلق الآراميون من الصحراء السورية حوالي 2300 ق.م الى اعالي مابين النهرين. أستقروا في البداية في حران و اسسوا عدة ممالك مستقلة, غير موحدة بين القرنيين 11-10 ق .م وقد دخلت تلك الممالك في صراع مرير مع الأشوريين وغيرهم من الشعوب المجاورة كالحيثيين في شمال وداخل سوريا و الكنعانيين على الساحل السوري وايضا في وقت متأخر مع العبرانيين. الا أن الأشوريون هم من تمكن في النهاية من القضاءعلى معظم النفوذ السياسي للأراميين سنة 710 ق .م بسقوط مملكة شمأل في شمال سورية. وبالرغم من الأنتصار العسكري للآشوريين على الآراميين الا أن النفوذ الثقافي و الخضاري للآراميين ظل قوي هناك و خصوصا في الممالك التي بقيت حية بيد الآراميين ولعبت دور كبيرقبيل سقوطها في القرن الثاني و الثالث بعد الميلاد مثل مملكة الرها ( تركيا حاليا), مملكة تدمر ( سوريا) , مملكة الحظر ( العراق) , و مملكة الأنباط ( الأردن).
لقد اطلق المؤرخون اليونانيون تسمية السريان على الأراميين قبيل ميلاد السيد المسيح بعدة قرون,و في الحقيقة هنالك خلاف بين المؤرخين حول التسمية حيث أن بعضهم ينسبها الى أ شوريا و البعض ألاخر الى سوريا!
و اصبحت تسمية ا لسريان شائعة عندما تحول معظم الأراميون من الوثنية الى المسيحية في القرن الأول
والثاني للميلاد فأن كلمتي سرياني و آرامي لهمامعنى واحد.
أشهر الممالك الأرآمبة التي سقطت في القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد:
1-مملكة بدان آرام:
تقع في حوض البيليخ ومركزها مدنية حران وورد اسمها في النصوص المصرية و التي تعود للقرن السادس عشر قبل الميلاد.
2- مملكة آرام نهرين:
تقع بين نهري الخابور والفرات, ظهرت في القرن الثالث عشر فبل الميلاد. وأستمرت الى القرن الثامن قبل الميلاد. هاجمها سرجون الثاني سنة 717 ق.م ( وهي اليوم مدينة جرابلس السورية)
3- مملكة بيت عديني:
تقع بين نهر البليخ شرقا وضفتي نهر الفرات الأوسط غربا, سقطت بأيدي الأشوريين سنة 856 ق. م في عهد شلمنصر الثالث.
4- مملكة بيت باخياني:
عاصمتها غوزانا الميتانية القديمة ( تل خلف) قرب رأس العين السورية
5-مملكة بيت زماني:
تقع بين الفرات وينابيع الخابور وكانت عاصمتها مدينة آمد ( ديار بكر في سوريا) في القرن العاشر قبل الميلاد قضى عليها آشور ناصر بعل 800 ق.م.
6- مملكة شم أيل أي أسم أيل:
تأسست على الأرجح في القرن العاشر قبل الميلاد. و هي أكبر الممالك الآرامية الشمالية, امتدت بين حلب و حوض نهر الأسود و عاصمتها زنجرلي وقد دفعت الجزية للأشوريين.
7- دويلات رجوب و معكا و جشور:
في المنطقة الجنوبية الغربية للهلال الخصيب, و تقع رحوب في أقصى شمال فلسطين, و معكا قرب جبل الشيخ , وجشور بين دمشق واليرموك ( ورد ذكرها في العهد القديم ايام الملك داوود)
8- مملكة لركم:
نشأت في القرن الحادي عشر قبل الميلاد في المنطقة بين شمأل شمال وعديني جنوبا. وكانت مدينة مر كاسي
( مرعش) عاصمة لها سقطت على يد سرجون الأشوري.
9- مملكة سوحي:
نشأت بين نهر اخابور ومصب نهر الليخ أواخر القرن الثاني عشر فبل الميلاد. قضى عليها أشور ناصر بعل سنة 879 ق .م.
10- مملكة بيت أغوشي:
قامت بعد سقوط الدولة الحثيية بيد شعوب البحر, وأمتدت بين طرابلس وحلب عاصمتها عرباد ( تل رفعت) قاومت كثيرا الى أن سقطت على يد تغلات قلاصر الثالث 740 ق .م و بعد حصار دام ثلاث سنوات.
11- مملكة حماة :
أنتزعها الآرآميون من الحثيين في أواخر القرن الحادي عشر قبل المبلاد وجعلوها دولة قوية لعبت دورا في التحالفات ضد الأشوريين وشملت تسع عشرة مقاطعة, سقطت بيد سرجون الثاني 720 ق.م.
12-مملكة آرام صوبا:
من أقدم الممالك الارآمية, عاصمتها عنجر ( في لبنان)حاربت الملك داوود.
13-مملكة أرآم دمشق:
(دار مسيق) استقلت عن أرآم صوبا في القرن الحادي عشر حيث أتخذ القائد رزون لقب ملك آرام. وقد كانت أقوى الممالك الأرآمية, ضمت آرام تجمعا لمقاومة الأشوريين, لكنها سقطت سنة 732 ق . م
الممالك الأرآمية التي حافظت أستقلالها بعد القرن السابع قبل الميلاد:
1- مملكة الأنباط:
:ظهر نفوذها القوي على مسرح التاريخ بدءا من القرن الرابع قبل الميلاد و كانت لغتها احدى اللهجات الأرامية وعاصمتها البتراء. وقد أمتدت حدودها من البحر الميت الى البحر الأحمر , وقد سقطت بيد الأمبراطور الروماني تراجان وبعد ذلك أنتقل الدور الريدي في التجارة الى تدمر.
2-مملكة تدمر:
( تقع وسط سورية) , عرفت عند اليونان بأسم بالميرا بمعنى النخيل ( دوامة داتمرة) ولكن معنى اسمها بالسريانية ( تدمرتو ) الأعجوبة, وقد كانت محطة هامة بين الشرق والغرب للقوافل التجارية,حافظت تدمر على استقلالها اثناء النزاع بين البارثيين و السلوقين, ولكنها سقطت عسكريا بيد الأمبراطور أورليانوس و أن معظم اثار تدمر تعود الى القرن الثاني الميلادي.
3- مملكة الحظر:
تقع الى الجنوب الغربي من الموصل ( العراق), وان اللغة الحظرية هي لهجة أرامية شرقية.
4- مملكة الرها:
تقع شمال سورية ( وهي اليوم مدينة أورفا في تركيا), وفد أزدهرت هذه المدينة بعد دخول ملكها ابجر المسيحية, من ثم أصبحت مركز هام للكنيسة السريانية وتطورت بها العلوم والأداب منذ القرن الثالث الميلادي, لقد خضعت للنفوذ الروماني سنة 224 م على يد الأمبراطور كركلا.
اللغة و الحضارة الأرامية / السريانية:
اللغة الأرامية هي لغة تنتمي الى مجموعة اللغات السامية وقد تفرعت منها عدة لهجات ولكن أهم تلك اللهجات هي اللهجة الشرقية و اللهجة الغربية نسبة الى نهر الفرات، أن اقدم نص آرامي أكتشف حتى الآن يعود الى القرن التاسع قبل الميلاد موجود في متحف دمشق الوطني في دمشق و منقوش على تمثال الأله حداد يبين أن الأراميين قد تبنوا الأبجدية الفينيقية والتي تتألف من 22 حرفا و لم يزيدوا عليها اى حرف علما بأن النظام الصوتي للغة الآرامية أكثر غنى من اللغة الفينيقية. لقد أدرك الأشوريون قبل اخضاع الممالك الأرامية و تدمير دمشق بوقت طويل أن الكتابة بالآرامية أسرع و أكثر عملية من الكتابة باللغة الآكادية ذات ا الأحرف الكثيرة والتي تتطلب كتابتها وجود قوالب خاصة للأحرف وألواح طنية بينما اللغة الآرامية تكتب بالحبر وعلى الجلود وعظام الحيوانات وورق البردي, ولذلك أخذت اللغة الآرامية تتسلل الى البلاط الأشوري نفسه, هذا بالأضافة الى سياسة التهجيرو نقل السكان من مناطقهم الأصلية الأرامية, أدى الى أنتشارها في مناطق واسعة من الأمبراطورية الأشورية.
ففي خلال أقل من مئة عام من القضاءعلى الممالك الأرامية ككيانات سياسية مستقلة أستطاع الآراميون أن يفتحوا العالم القديم ليس بسلاح وجبروت قوتهم وانما بلغتهم التي أصبحت اللغة الدبلوماسية والتجارة.
لقد تطورت اللغة الأرامية وخصوصا (لهجتها السريانية) مع أنتشار المسيحية ونحن نعلم من العهد الجديد أن السيد المسيح قد تكلم وبشر في فلسطين باللغة الأرامية ( لهجة الجليل), ,أنه في أنطاكية عاصمة سوريا في العهد الروماني دعى المسيحيين لأول مرة بذاك الأسم( أعمال الرسل :11:26 ).ولقد أرسلت سوريا الى روما العديد من البابوات مثل البابا القديس ايغاريستوس, البابا القديس أغناطيوس الأول, البابا ثيودورس الأول, البابا القديس يوحنا الخامس, البابا القديس سرجيوس الأول, الباباغريغوريوس( الموسوعةالكاثوليكية) و لم يقتصر دور سوريا في الفترة الرومانية على الجانب الديني وانما شمل الجانب السياسي حيث نرى هناك مشاركة و تفاعل وصلت الى درجة التربع على عرش الأمبراطورية ذاتها مثل الأمبراطور كاركلاّ, الأمبراطور سبتيموس سيفيروس, الأمبراطور ايلاغا بال, والأمنراطور ألكسندروس سيفيروس( ويكيبيدا الموسوعة الحرة: تاريخ روما).
وقد كان للمجادلات الللاهوتية وا نقسامات الكنسية في القرنين الثالث و الرابع الميلاديين الأثر الكبير في تطور السريانية حيث ظهرت هنالك حاجة ماسةلأستخدام مفاهيم حضارية ومصطلحات دينية جديدة, وتصدرت مدرستي الرها ونصيبن ( ضمن الحدود التركية حاليا) المجال اللاهوتي.
ورغم كل الظروف السياسية والا ضطهاد الذي مارسته الأمبراطورية الرومانية الشرقية ( بيزنطة) للمخالفين لمجامعها الرسمية فقد صمدت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنائس السريانية الأخرى وحافظت على التراث الأرامي/ السرياني وبقيت لغة سوريا هي اللغة السريانية.ومن أهم الكتاب في الأدب واللغة السريانية برديصان امتوفي 222م, يعقوب فرهاد 345م, أفرام السرياني المتوفي 373م, و رابولا الرهاوي المتوفي 430م . ( في الثقافة السريانية, أبراهيم السامرائي)
وعندما سيطر العرب على بلاد آرام التاريخية والعراق في القرن السابع الميلادي بدأت تتراجع اللغة السريانية مقابل اللغة العربية خصوصا عندما أصدر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مراسيم تعريب أدارة الدولة عام 705م . ولكن لم تنتهي رسالة السريان الحضارية فقد لعبوا دور رئسي في حركة الترجمة التي شجعها الخلفاء المتنورين من العبااسيين (مثل الأمين و المأمون),ولابد لي هنامن ذكر بيت الحكمة الشهير الذي بناه أبو جعفر المنصور ورائده السرياني يوحنا بن ماسويه أثناء خلافة هارون الرشيد. لقد كان الأنتاج الفكري للسريان غزيرا وخاصة في الطب والفلسفة و تركوا تأثيرا كبيرا علي الثقافة العربية.
الخاتمة
ان الموقع الأستراتيجي لسوريا جعلها عرضة لكثير من الغزوات والهجمات عبر تاريخها الطويل وكان كل غازي يجلب معه ثقافة و تقليد معين وقد تفاعل السكان المحلييين مع الثقافة الوافدة بدرجة معينة, وكان هنالك تمازج أيضا واختلاط بين مجموعة من الشعوب والأعراق على أرض سوريا, و تشّكلت عدة هويات لسوربا بفعل الصيروة الحضارية والتاريخية وأن كانت الهوية الآرامية السريانية هي أكثر عراقة واصالة لا أحد ينكر ما للهوية العربية والأسلامية من تاثير قوي في العصور الوسطى والحديثة لتاريخ سوريا.ورغم كل ذلك فالحضارة والهوية السريانية لن تموت بسلسلة من القرارات السياسية ذات الصيغة العروبية.
ولما كان هناك شريحة لاباس بها من السوريون( مسيحيون و مسلمون) يعتزون ويفتخرون بالتراث والحضارة الآرامية السريانية فعلى الدولة السورية جعل ذاك التراث الثفافي متوفر بين ابدى جميع السورييين وجعل اللغة الآرامية السريانية لغة رسمية ثاتية لسوريا.
أعداد : ماريو ضاهر
المصادر:
1-العهد القديم والجديد
2- قصة الحضارة للمؤرخ ديوارانت 3-منشورات التنظيم الديموقراطي الآرامي 4-اصدارات كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس
5- الموسوعة الكاثوليكية و الأرثوذكسية 6-the hidden peral للأكاديمي سباستيان بروك
7-منشورات هئية الثقافة السريانية في بيروت و خصوصا دراسات الدكتور أندريه كحّالة- لبنان
8-الأراميون تاريخاولغة وفنا للدكتور علي أبو عساف
9-منشورات قسم الدراسات السريانية في جامعة تورنتو - كندا
10-مجموعة دراسات للأختصاصي في تاريخ الآراميون الدكتور هنري بدروس كيفا- فرنسا
11- منشورات المتحف الوطني بدمشق- سوريا
..دمتم بود..