البخيل!!
بقلم محسن الصفار
إستلم سعيد وظيفته الجديدة في أحد البنوك و في اليوم الاول كان كل شيء يشكل عالماً غريباً بالنسبة له ففي مكان كالبنك تشاهد جميع أنواع الناس الموظف العادي الذي يستلم راتبه والمتقاعد الذي يستلم معاشه والغني الذي يودع أمواله ويجعلك تحس ان العالم كله موجود هنا وعندما شاهد زملائه دهشته وتعجبه قال له أحدهم:
- لاتقلق فكلنا كنا هكذا في أول أيام العمل ندقق في كل واردة وشاردة وفي كل زبون ولكن بمرور الزمان أصبح الجميع بالنسبة لنا مجرد أرقام واردة وأرقام خارجة لا أكثر ولا أقل.
ردّ عليه سعيد:
- ولكن ألا تصادفون زبائن مثيرين للإهتمام بشكل خاص؟
- نعم تصادفنا حالات من هذا النوع فلدينا زبون معروف هنا بالبخيل يعرفه جميع من يعمل في البنك.
- وما أدراكم انه بخيل؟
- لأنه واحد من أغنى رجال الاعمال في البلد ومع ذلك فان سيارته عادية جداً ويسكن في بيت عادي في منطقة عادية وياتي بنفسه للقيام باعماله البنكية ولا يرسل أحد الموظفين مثل باقي رجال الأعمال الذين نعرفهم.
- سبحان الله
تعجب سعيد مما سمعه عن هذا الرجل الغني البخيل وبينما هو يفكر إذا بزميله يؤشر ناحية الباب ويقول:
- ها هو رجلنا الذي حدثتك عنه ويبدو أنه يتجه نحوك.
إقترب الرجل من طاولة سعيد وسلّم وقال:
- صباح الخير يبدو لي انك جديد هنا لأني زبون قديم وأعرف كل من في البنك.
أجابه سعيد بعفوية:
- ويبدو أنهم جميعاً يعرفونك ويعرفون طبعك البخيل…
تلعثم سعيد وحاول أن يستدرك قائلاً:
-آسف أقصد طبعك النبيل.
ضحك الرجل وقال لسعيد:
- لا تقلق فلست أول من يصفني بالبخيل في هذا البنك وإن كنت أول من قالها لي بوجهي ولأنك صريح فسأخبرك بالسر الذي ظل زملائك يتساءلون عنه طوال سنين دون أن يعرفوا جوابه.
- يا ريت يا سيدي فقد تملكني الفضول لمعرفة هذا السر.
- شوف يا ابني عندما نجحت اعمالي وإزدهرت وأصبح المال يجري في يدي كالماء في النهر كنت كمثل أي إنسان آخر أفكر كيف أستفيد من هذا المال كي ألبي كل رغباتي الدنيوية وأحصل على كل الأشياء التي حلمت بها طوال عمري.
- عظيم وبعد؟
- في أول الأمر قررت ان أشتري لنفسي أفخم سيارة يمكن أن يحصل عليها مالي فذهبت الى شركات السيارت الواحدة تلو الاخرى وكلما رأيت سيارة فاخرة كان لدي شركة أخرى ما هو أفخم منها وهكذا ظللت محتاراً أي سيارة أشتري كي تكون أفخر سيارة في البلد.
- وأي سيارة إشتريت أخيراً؟
- وأنا جالس في إحدى الشركات فإذا بسيارة لنقل الموتى أرسلتها المقبرة لغرض الصيانة فإقشعر بدني وأدركت أن هذه السيارة التي سنركبها كلنا فقرا وأغنياء وما دمنا سنركب كلنا سيارة واحدة ونحن أموات فما الذي يمنع أن نركب سيارة من نفس النوع ونحن أحياء؟
فذهبت واشتريت سيارة عادية جداً كما ترى وهي تقوم بنفس العمل الذي تقوم به السيارة الفخمة.
- سبحان الله معك حق فكل السيارت في النهاية أربع اطارات ومحرك والمهم أنها توصلنا حيثما نريد.
- بعدها قررت أن أبني لنفسي قصراً تتحدث عنه الأجيال فجئت بالمهندسين من كل مكان وإشتريت أرضاً وبدأت أعمال تشييد القصر وفي يوم زرت موقع البناء فرأيت حفرة من حفر الأساسات وعامل قد رقد فيها يستظل من الشمس فتجسد لي ساعتها القبر وأدركت أن هذه الحفرة هي القصر الذي سنسكن فيه جميعاً عندما نموت سواء كنا أغنياء أم فقراء، فلم نعزل أنفسنا عن الناس ما دمنا سنرقد في حفرة مع بعض؟ فألغيت مشروع بناء القصر وإستأجرت بيتاً عادياً في احد الاحياء العادية!!
- سبحان الله أكمل بالله عليك.
- وفي يوم من الأيام قررت أن أشتري طائرة خاصة فذهبت إلى أحد معارض الطيران وراح المنظمون يروني الطائرة تلو الأخرى ويشرحون لي كيف أني أستطيع أن أطير بها ساعة أشاء وأهبط ساعة أشاء وأن آخذ راحتي بالكامل أثناء الطيران وعندما خرجت من المعرض نظرت إلى السماء فرأيت سرباً من الطيور فقلت لنفسي إذا كانت الطيور تطير جماعات وتستأنس ببعضها فلم أعزل نفسي عن الناس بطائرة خاصة ومن يومها وأنا أسافر في الطائرات العادية مثلي مثل غيري من الناس.
- بارك الله بك ولكني أسأل لم تأتي بنفسك إلى البنك ولا ترسل موظفاً؟
- يا عزيزي أيرسل الرجل الجائع لينقل طعاماً شهياً؟ أيرسل المريض لينقل دواء يشفيه دون أن يستعمله؟ فكيف أرسل رجلاً على قد حاله كي يدير الملايين لا يجوز لا يجوز.
- لقد أعجبت جداً بشخصيتك يا سيدي.
- شكراً لك والآن أريد أن أنجز بعض الأمور.
قام سعيد بإنجاز طلبات الزبون وهو ما يزال مدهوشاً بشخصيته وعظمة أخلاقه حتى خروج الرجل.
بقي سعيد يفكر بما قاله الرجل عن الدنيا وزخرفها وهو سارح حتى جاء مديره وقال:
- أين أنت يا سعيد؟ أراك في عالم آخر.
حكى له سعي عن حواره مع الرجل الذي يعرفه الجميع بإسم البخيل وعندما أنهى قصته إنفجر المدير ضاحكاً وقال:
- وأنت صدقت؟
- ولم لا أصدق؟
- ألم تساله ماذا يفعل بملايينه إذاً؟ هل بنى بها مدارساً أو مستشفيات أم دور أيتام؟
- بصراحة لا.
- يا حبيبي هذا الرجل لديه قصر في اسبانيا قيمته بالملايين وفيه قرابة العشر سيارات من أفخم الأنواع ولديه طائرتين واحدة له وواحدة لزوجته و لديه يخت اكبر من سفينة التايتانك ولكن كله هناك ولاشيئ هنا تراه رجلا عاديا جدا.
- غريب ولم إذاً يفعل هكذا هنا؟ اليس بلده اولى بصرف الاموال ؟
- كي يتهرب من دفع الضرائب يا ذكي يا رقيق القلب وحكاية عدم ارساله لموظف فلانه لايريد ان يعرف احد شيئا عن ثروته , قم بعملك ولا داعي أن تدخل نفسك بما ليس له به حاجة او شأن!!!
وكل بخيل وانتم بخير !!