حفل التخرج الكبير
بقلم محسن الصفار
عندما تلقى سعيد من ربّ عمله رجل الأعمال الملياردير دعوة لحضور حفل تخرج إبنه والذي يقام في أحد أفخم فنادق البلد لم يكن راغباً جداً في تلبية الدعوة ولكن إصرار زملائه على أن يحضر كي لا تحسب عليه نقطة سوداء في سجّله الوظيفي دعاه للقبول, ولكي يكون مستعداً وعلى مستوى الحدث الكبير فقد ذهب إلى الحلاق ومن ثم إرتدى أفخر ما لديه من ثياب واستأجر سيارة تاكسي لأنه لم يجرؤ أن يذهب بسيارته التحفة إلى مثل هذا الفندق الفخم، دخل فوجد الناس بلا عدد وكلهم يرتدون ثياباً يفوق ثمنها قيمة بيته الذي يسكن فيه.
بدأ الحفل بكلمة ألقاها عريف الحفل رحبّ فيها بالحاضرين خصوصاً معالي وزير التربية والتعليم! وكذلك الفنانة نانا سيليكون من لبنان والفنانة خارجة من ثوبي من مصر اللاتي سيقدمن اغاني كتبت خصيصا للمناسبة تعجب سعيد من حضور الوزير وقال لنفسه من المؤكد أن الخريج قد حصل على شهادته من أرقى جامعات العالم وبتفوق كي يحضر الوزير حفلة تخرجه وتعجب من حضور المطربات لحفل تخرج وليس حفل زفاف !! وبعد قليل صعد أبو الخريج رجل الأعمال الشهير المنصة وتحدث مطولاً عن نضال إبنه العلمي والسنين التي قضاها في الدراسة والسهر والتعب حتى حصل أخيراً على الشهادة.
كان سعيد يتحرق لمعرفة إختصاص الخريج الكبير الذي يحتفل به كل هؤلاء الناس من علية القوم من وزراء ورجال أعمال وفنانين ومثقفين وفكر ان الدكتور احمد زويل سيجد من ينافسه اخيرا على جائزة نوبل , بعدها صعد وزير التعليم المنصة وألقى خطاباً حماسيا حول الشباب والتعليم ودور الوزارة في صنع جيل من العلماء القادرين على نقل البلد إلى أرقى درجات العلم والمعرفة وغزو الفضاء وختم خطابه بتهنئة الوالد على هذا الإنجاز العلمي الذي يخص البلد كله وليس عائلة الخريج وحدها.
بلغ العجب مداه مع سعيد الذي بات يتحرق لمعرفة الإنجاز العلمي الذي قام بإنجازه هذا الشاب البطل من أبناء بلده والذي سيغير المسار العلمي والثقافي للبلد هل اخترع دواء للسرطان ام حل لمشكلة التلوث ؟ربما يكون طريقة لزيادة المحاصيل الزراعية او لعلها اول سيارة عربية ام ماذا ياربي ؟؟ وطار قلبه فرحاً عندما اعلن عريف الحفل اخيرا أن الخريج سيلقي كلمة للحاضرين رفع سعيد عنقه ليشاهد جيدا حتى كادت تصبح أطول من عنق الزرافة ولكنه صدم عندما شاهد شاباً يافعاً لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره يصعد الى المنصة , ولكنه قال سبحان الله أكيد الشاب نابغة حيث حصل على هذه الإنجازات العلمية في هذه السن الصغيرة بشرانا بجيل جديد من العلماء الشباب اللذين لم تحطم البيروقراطية معنوياتهم بعد .
تنحنح الخريج وقال بصوت رفيع ولغة مكسرة :
- بابي ومامي ثانك يو !! على وقوفكم معي وسهركم الليالي والمدرسين الخصوصيين حتى إستطعت الحصول على الثانوية العامة!!! وبمعدل 60% وهو مالم اكن أحلم به أبداً.
ارتفع تصفيق الحضور عاليا ووقف الجميع على ارجلهم تحية للخريج الكبير وانحنى الاب شكرا وعرفانا للجمهور ومسح دمعته بيده من طرف عينه
صدم سعيد وكاد أن يفقد وعيه من هذه المهزلة حفل ضخم ووزراء وسفراء لشاب اكمل الثانوية العامة بمعدل مخزي !!!! خرج وهو يقول لنفسه:
- سبحان الله ثانوية عامة إبن الملياردير تفوق مرتبتها العلمية الدكتوراه لإبن الفقير.
وكل ثانوية عامة وانتم بخير