كثيرة هي الأعراض التي يتعرّض لها المرء . وعندما يجهل السبب أو لا يكلّف نفسه عناء إيجاد جواب
مقنع ، يُسرع بالجزم بأنّ جسمه « حساس »! فتصبح بالتالي الحساسية عذراً أقبح من ذنب يختبئ وراءه
الإنسان عندما يطرأ خطب ما على جسمه أو صحته بشكل عام . بيد أنّ ما لا يعرفه البعض هو أنّ
الحساسية متفرّعة ومتشعبة وتختلف من شخص إلى آخر ، كما تختلف أسبابها وأعراضها وعلاجاتها .
بعض الناس لا تلائمهم أنواع معيّنة من الأطعمة ، وبعضهم لا يناسبه الطقس الرطب والغبار ، وآخرون
يتضايقون من أدوية معيّنة... وهذه كلّها تسبّب ردّات فعل من الجسم لما يُعرف بالحساسية. الإستهتار
وتناسي الموضوع والإستخفاف بالعواقب من شأنه أن يضاعف المشكلة ويحوّلها من بسيطة وعابرة إلى
مزمنة ومتأزمة! فصحيح أنها ليست بمرض لكن قد تؤدي إلى مضاعفات خطرة وتعرقل نمط العيش
السليم .
الكلّ معرّض للحساسية على مختلف أنواعها ، من كبار وصغار . بيد أنّّ الإختلاف هو من حيث المسبّب
والنوع. وقبل كلّ شيء ، يبقى الوعي ضرورياً لتفادي تفاقم المشاكل، كما تلعب الوقاية والإطلاع
دوراً مهماً في الحفاظ على السلامة الشخصية للفرد، البعيدة عن المتاعب والصعاب .
وقد خصّص الطبّ الحديث شقاً كبيراً يُعنى بكلّ الحساسيات ويعالجها ، لا بل يقضي على أسبابها منذ
البداية ، فلا مجال للقول أنّ الحساسية لا تشفى ولا تزول بعد الآن . الإختصاصيون واثقون تمام الثقة من
قدرتهم على كشف المشكلة ومداواة لا النتيجة فحسب ، بل المسبّب. لذا لا بدّ من شرح الأنواع
المختلفة للإطلاع عليها بدقة ومحاولة معرفة كلّ منها على حدة .
تشرح الدكتورة كارلا عيراني، إختصاصية في أمراض الربو والحساسية والمناعة والأمراض الداخلية ،
مختلف الحساسيات، عن مسبباتها ، أعراضها ، مضاعفاتها ، علاجاتها وحتى الوقاية الضرورية منها ،
ليستطيع كلّ شخص الإطلاع عليها والتوجه لمقابلة الإختصاصيّ إذا انطبقت عليه أوصاف هذه
المشكلة .
أعراض مختلفة :
عندما يعاني الجسم من خطب ما، لا بدّ من أن يعبّر عن ذلك عبر إظهار أعراض للتشخيص بغية إيجاد الحلّ
المناسب. تشير عيراني إلى «وجود عدد من الإشارات التي تمكّن الطبيب المعالج من كشف السبب
والتمييز ما بين الحساسية وأيّ مرض آخر. فحساسية الجلد تُعرف عبر الحكاك المستمرّ والحاجة الماسة
إليه. فيما يمكن كشف حساسية الأنف من الرشح الدائم الذي لا يترافق مع حرارة ولا يتحسّن، إضافة
إلى التعطيس المستمرّ. وحساسية الصدر والرئتين تتجلّى بصفير أثناء التنفس وضيق نفس وسعال حاد بعد
المجهود أو الضحك أو التعب. وحساسية المعدة تسبّب إسهالاً حاداً، قد يترافق مع دم، إضافة إلى التقيؤ ».
بعد إستعراض كل الأعراض، يجب على الفرد أن يُدرك أهمية التشخيص المبكر الذي يمكنه من تخطي
الكثير من المضاعفات اللاحقة. فمن البديهيّ إذاً أن يُسارع إلى إستشارة الطبيب عوض إهمال حالته
والإستخفاف بعواقبها التي قد تتحوّل وخيمة للأسف في بعض الحالات التي لا تعالَج !
أسباب الحساسية :
لا يمكن الجزم من النظرة الأولى بسبب ظهور الحساسيات المختلفة. لكن يجب البحث والتدقيق وتقصّي
أصل المشكلة للتوصّل إلى التشخيص الصحيح. تفسّر عيراني أنّ «لحساسية الجلد التي تتجلّى بطفح
جلدي وحبوب، مسبّبات عدة إذا كانت بسيطة وفجائية ولم تتعدَ الستة أسابيع. فعندها يتمّّ البحث عن
سبب في الطعام أو الأدوية أو سبب خارجيّ. وأمّا إذا كانت مزمنة، فمن الممكن أن يكون السبب
مشاكل في الكبد أو الغدد أو المفاصل. وفي بعض الحالات، قد لا يوجد سبب علميّ واضح، بل يكون
جهاز المناعة يحارب نفسه بنفسه! وأمّا حالات الإكزيما، فتبدأ عند الأطفال على شكل طفح جلديّ
بسيط يزيد مع أنواع من الطعام ويعاود عند الكبار لأسباب عديدة. ويكون مردّ حالات حساسية الأنف
إلى رحيق الأزهار أو الغبار في الجو أو الحيوانات الأليفة خاصة الهررة والكلاب أو الشجر والخضرة
بشكل عام. ومن أهمّ المسبّبات في حوض المتوسط أشجار الزيتون وعشبة القزاز (parieteria) في
فصل الربيع. والعث المنزليّ والرطوبة من أهمّ الأسباب أيضاً. وقد أفادت الدراسات أنّ 04% من
حالات حساسية الأنف تتحوّل إلى مشكلة ربو عندما يتمّ إهمالها، كما يعاني 08% من الأطفال من ربو
جرّاء حساسيّة الأنف. لذا، فالأنف والصدر يشكّلان معاً أنواعاً من الحساسية المشتركة »
علاج ممكن :
لا يجوز أبداً إهمال الحساسية التي تصيب المرء، إنما من المستحبّ القضاء ليس فقط على النتيجة أو العاقبة،
بل على السبب من أساسه لتجنّب عودة المشكلة.
يبقى أنّ الوقاية أفضل من العلاج والعذاب، وهي تتمّ بخطوات سهلة. فقبل كلّ شيء، يجب الإبتعاد عن
مصادر الغبار والحيوانات الأليفة وإستخدام المرطبات الجلدية والمراهم المكوّنة من مادة الكورتيزون أو
سواها على البشرة للوقاية والعلاج من الإكزيما. وفي حالات «الشري»، تعطى مضادات لمادة
«الهستامين» التي تفرزها خلايا الحساسية في الجسم. ويتمّ إستخدام الكورتيزون كمساعد في العلاج. وفي
علاج حساسية الأنف والصدر، يجب التخلّص من العث المنزليّ عبر نزع الموكيت وغلي البياضات على
درجة 60 لقتل الجراثيم، كما يجب سحب الرطوبة من الغرف والتقليل من كمية الأغراض فيها. كما
يُستعمل رذاذ موضعيّ من الكورتيزون للأنف والرئتين، إضافة إلى مضادات مادة «الهستامين». ولا بدّ من
التنويه بوجود لقاحات للحساسية تعمل في جهاز المناعة على نوع حساسية معيّن وتؤدّي إلى الشفاء التام
منها. فتكون عبر حقن تحت الجلد أو نقاط تحت اللسان، وهي ذات فعالية كبيرة خصوصاً لحساسية
الأنف والصدر والرئتين. وأمّا حساسية المعدة فتداوى عبر نظام غذائيّ منتظم .
خطر :
قد تتحوّل الحساسيّة البسيطة التي لم تعالج إلى مشكلة مستعصية وقد تشكّل أحياناً خطراً على صحّة
الإنسان. فالرشح إثر حساسية الأنف الذي يُهمل قد يتحوّل إلى إلتهاب في الجيوب الأنفية (sinus)
وإلى إلتهاب في الأذن. كما قد يصبح الربو المتفاقم إلتهاباً حاداً في الرئتين وbronchitis.
تضيف الدكتورة عيراني: «قد يعاني الفرد أيضاً من صدمة تحسسية (anaphylactic choc) الذي
هو حالة إختناق مع هبوط في ضغط الدم يترافق أحياناً مع طفح جلديّ وضيق نفس. وقد يصل الأمر إلى
التسبّب بالموت! وهو يتأتى من حساسية على طعام معيّن أو دواء ما أو من لدغة النحل أو الدبابير. وقد
أًوجدت علاجات لمعظم الحساسيات حتى الان، ما عدا تلك المتعلّقة منها بالأكل».
من المهمّ جداً أن يُدرك الشخص المصاب بحساسيّة لشيء ما أنّه يجب أن يمتنع عنه تماماً. فأقلّ جرعة من
دواء معيّن وإن بسيطة تشكّل خطراً واضحاً. والمشكلة أكبر عند الأطفال الذين لا يعرفون التعبير عن
ألمهم وضيقهم. وفي هذه الحالة، لا بدّ من الإحتفاظ بحقنة خاصة أو قلم خاص لمادة «الإيبينيفرين» كي
تعطى للشخص عند معاناته من صدمة تحسسية من جرّاء لدغة النحل مثلاً او حتى إذا ما صادف أن أكل
مكوّناً يتحسّس له من دون أن يُدرك. كما عليه الإحتفاظ ببطاقة خاصة أو ورقة يدوّن عليها حساسياته
كي يعرف الأخرون بها في حال الضرورة.