البذخ المفرط في الاعراس مرفوض شرعا وعقلا
كتبهاالدكتور محسن الصفار
ربما يستغرب بعض القراء عنوان هذا المقال فالكثيرون تعودوا على أن أكتب مقالات ساخرة ذات طابع سياسي ولكني ولإيماني الشديد بأن السياسة هي ليست أكثر من جزء من حياتنا وليست حياتنا كلها فقد قررت أن أتطرق بين الحين والآخر الى المواضيع الإجتماعية التي تمس حياتنا بشكل عام.
من أهم الأيام في حياة كل شاب وفتاة مهما كانت جنسيتهم وديانتهم هو يوم الفرحة الكبيرة ويوم الزفاف أو العرس أو الفرح كما يحلو تسميته في كل بلد. حيث يرمز هذا اليوم الى بدء تكوين كيان إجتماعي جديد عبارة عن عائلة جديدة يتمنى لها جميع الأهل والأقارب والأصدقاء دوام المودة والحب وأن يرزق العروسين بصبيان وبنات.
العرس أو الفرح هو عرف إجتماعي وليس قاعدة شرعية حيث ينص الشرع المقدس على أن الزواج يتم بقراءة صيغة عقد الزواج بحضور شاهدين وإجازة والد العروس للبنت البكر والإشهار وطبعا المهر الذي يجب ان يكون مبلغا معقولا وليس مبالغا فيه مثلما يحدث في ايامنا هذه بحجة منع الطلاق او رفع راس العروس بين قريناتها وربما تدخل الأعراس من باب الإشهار حيث أن الزواج قائم وشرعي سواء بعرس أو بدونه.
والأعراس منذ قديم الأيام لعبت دور التوثيق حيث أن جميع الناس المحتشدين في العرس سيشهدون فيما بعد لو إحتاج الأمر لإثبات النسب أو الإرث وغير ذلك من النزاعات المدنية لعدم وجود مكاتب توثيق في تلك الأزمنة.
أما اليوم فقد أصبح العرس غاية بحد ذاتها وليس وسيلة فجاءت المبالغات الغير طبيعية في نوع الأعراس ليس بين الأثرياء اللذين اخذوا يمارسون الجنون الرسمي في انفاقهم على الاعراس حتى ان عرس الواحد منهم يكلف مايكفي لتزويج 10000 شاب وفتاة واسكانهم وتاثيث بيتهم فحسب بل حتى بين أبناء الطبقة الوسطى وأصبح الفندق الذي سيقام فيه العرس ونوع الطعام وحتى الراقصة والمطرب من أهم الأشياء التي تحدد فيما إذا كان الزواج سيتم أم لا.
لا ينكر أحد أن وضع الزواج لدى الشباب والفتيات في العالم العربي وصل الى الخط الأحمر إن لم يكن قد تجاوزه بمراحل فنظرة سريعة الى إحصائيات العنوسة في الدول العربية تثير الرعب في قلب كل غيور على مستقبل الشباب الذي هو رأسمال المستقبل لهذه الأمة.
إن العزوبية والعنوسة تتبعها ويلات أخرى مثل إنتشار الزواج العرفي الغير موثق وإنتشار ظاهرة المساكنة الغير شرعية وأنواع الزيجات المبتكرة سواء لدى الشيعة أو السنة وإنتشار الأمراض الجنسية والإيدز وإنتشار ظاهرة الدعارة والزواج من الأجنبيات وإلخ من المصائب والويلات.
إن تسهيل أمر الزواج هو واجب شرعي وإنساني ووطني على كل إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر فليست المظاهر هي التي تبني عائلة سعيدة بل الأخلاق والتفاهم والعلاقة الإنسانية ولا خير في صرف مبالغ طائلة على ليلة واحدة وعض الأصايع ندماً بعدها ألف ليلة.
وفي إحدى المرات في بيروت شاهدت حالة لشاب يبلغ من العمر 37 عاماً أصيب بسكتة دماغية وقد تبين أن هذا الشاب إقترض من البنك مبلغ قدره 50.000 دولار برهن بيت والده ليقيم بهذا المبلغ عرساً فخماً حسب طلب والد العروس ومن ثم لم يستطع تسديد القرض فصادر البنك بيت أهله وتشردوا في الشارع ومات هو قهراً على ما جنت يديه فهل هذا هو هدف الأعراس؟ وحتى لو يمت العريس قهراً مثل صاحبنا هذا فإن كاهله المثقل بالديون لتسديد نفقات العرس الذي أكل وشرب فيه الناس وخرج نصفهم وهم يضحكون على تسريحة العريس أو أنف العروس أو قلة الملح في الطعام!!! سيمنعه من الإستمتاع بالحياة وبالتالي سيلعن اليوم الذي قرر فيه أن يتزوج وطبعاً ما يتبع ذلك الى آخر الفيلم من مشاكل عائلية وطلاق إلخ إلخ.
أنا لست ضد الأعراس ولا الأفراح ولكن دعونا نتعاون لنجعلها منطقية بحيث لا تثقل كاهل أحد وخصوصاً العروسين الشابين الذين هما بحاجة الى كل فلس وقرش ليكونوا حياتهم في هذا الزمن الصعب.
فلتكن الأفراح في قلوبنا وليس من جيوبنا وليكن العرس بداية السعادة دون أن تكون آخرته الشحادة!!