اجازات
بقلم محسن العبيدي الصفار
بعد ان ضاق ذرعا بحياة الوظيفة قرر سعيد ان يفتتح مشروعا صغيرا بمشاركة زملاؤه كي يستطيع ان يحسن وضعه المعيشي بعيدا عن الواسطات والتملق للمدراء , تم كل شيئ على مايرام ولكنه فوجئ بان الرخصة لن تعطى له الا اذا قام بتوظيف اشخاص عاطلين عن العمل ترشحهم الوزارة له , رضي سعيد بهذا القرار لأنه اساسا سيوظف اشخاصا في عمله الجديد ولايهم من يكونون طالما سيؤدون عملهم بشكل جيد .
تم التعيين وافتتاح المكتب وبدأ العمل وجاء اول زبون وتم الاتفاق معه على ان يزوره مندوب الشركة في بيته لاخذ القياسات , ولكن الزبون اتصل محتجا بإن المندوب لم يحضر واضاع وقته , اتصل سعيد فورا بالموظف وسأله عن سبب عدم الذهاب على الموعد فأجابه :
- والله والله ولا الك علي يمين ياسيد سعيد ان زوجتي دخلت المستشفى الليلة الماضية وبقيت معها حتى الصباح وحالتها حالة .
لان قلب سعيد وقال :
- طيب الحمد لله على سلامتها .
اتصل سعيد بزوجته واعطاها رقم بيت الموظف وطلب منها ان تتصل بزوجته وتطمئن عليها وعلى صحتها , فردت زوجته على اتصاله بعد 10 دقائق واخبرته ضاحكة انها اتصلت ببيت الموظف وردت عليها امه وعرفت منها ان الموظف اعزب اصلا وليست لديه زوجة كي يقضي الليلة معها في المستشفى .
استشاط سعيد غضبا واستدعى الموظف وابلغه بانه سيطرده جزاء لكذبه ولكن توسلاته واعتذاراته جعلت سعيد يلين ويرضى بابقاءه في العمل بشرط عدم تكرار هذه الفعلة .
وبعد اسبوع غاب الموظف مجددا عن عمله وجاء في اليوم التالي وهو يسعل وقال لسعيد :
- والله والله وما الك علي يمين يا استاذ سعيد اني كنت مريض امبارح وحالتي بالويل .
رد سعيد قائلا :
- سلامتك وبعيد الشر ماكان مرضك ؟ ولاتقول زكام لأن الزكام ليس عذرا للغياب
تلعثم الموظف وقال :
- لا اي زكام ياسيد سعيد الحالة اخطر بكثير , انا كان عندي انفلوانزا الخرفان !!
ضحك سعيد وقال :
- قصدك انفلوانزا الخنازير ؟
رد الموظف بحدة قائلا :
- اعوذ بالله ياسيد سعيد احنا ناس نخاف الله وما ناكل لحم خنزير فقط خراف ولهذا السبب صار عندي انفلاونزا الخراف !!
قال سعيد للموظف ضاحكا :
- مع انك كذاب وليس هناك مرض باسم انفلاونزا الخراف ولكني ساسامحك هذه المرة ايضا لانك اضحكتني , وليكن بعلمك انك لو كررت غيابك الغير مبرر مرة اخرى فسيكون جزائك الطرد فورا .
بعد مدة من الزمن اختفى الموظف فجأة ولثلاثة ايام متواصلة جاء بعدها الى العمل وقد نمت ذقنه وارتدى قميصا اسود اللون وقبل ان يقول له سعيد شيئا قال :
- والدي يا استاذ سعيد والدي الحبيب توفي قبل 3 ايام في المستشفى ومن ساعتها وانا اركض لاتمام معاملات الدفن ومجلس العزاء ومواساة امي واخوتي الصغار, ولم تكن لدي فرصة حتى للاتصال بكم وطلب اجازة .
قال هذا واجهش بالبكاء , حزن سعيد والموظفين واخذ كل منهم يواسيه ويشد من عزيمته واعتذر منه سعيد وطلب منه السماح لأنه كان قد اساء به الظن وحسب انه قد تهرب بدون عذر مثل كل مرة . في هذه الاثناء رن الهاتف فرد سعيد بشكل مقتضب ووضع سماعة الهاتف وقال للموظف :
- البقاء لله ياصديقي وان شاء الله يصبرك ويشد من ازرك , ولكن بما انك مررت بتجربة فقدان الوالد اريد ان أسالك شيئا يهمني جدا ان اعرف اجابته , هل تؤمن بعودة الموتى للحياة ؟
قال الموظف متعجبا :
- هل تقصد حياة مابعد الموت ؟
رد سعيد ببرود :
- لا انا اقصد تحديدا ان يعود الميت الى الحياة ويمارس حياته الطبيعية
رد الموظف بتردد :
- لا اكيد لا يا استاذ سعيد
اجابه سعيد وهو يرافقه الى باب المكتب
- يستحسن اذا ان تغير نظريتك هذه ياصديقي فقد كان المتصل المرحوم ابوك ويقول لك انه سيلاقيك في عرس ابن عمك اليوم مساء , وعلى فكرة قد يرجع الموتى الى الحياة ولكن كن متأكدا انك لن ترجع للعمل عندي ابدا .