مجاملات !!
بقلم محسن العبيدي الصفار
سعيد شاب من اصول عربية ولد وعاش وترعرع في الغرب ولكنه بقى متمسكا بجذوره وبلغته العربية وان كانت لكنته مكسرة ومضحكة في بعض الاحيان , وفي اول فرصة سنحت له اشترى تذكرة طائرة ونزل الى بلده في زيارة تستغرق عدة ايام يحاول من خلالها التعرف على جذوره وعلى بلده الذي لم يره يوما وعلى العادات والتقاليد التي يم يتعامل بها في حياته قط . في اول يوم وصل به الى المطار واتمام الاجرائات اخذ احد العمال حقائبه واوصلها للسيارة ووضعها في الصندوق ثم قال لسعيد :
- الحمد لله على سلامتك استاذ
اجابه سعيد مبتسما :
- الله يسلمك وشكرا
كرر العامل كلامه وقال :
- الحمد لله على سلامتك استاذ
تعجب سعيد من كل هذا الترحيب ودماثة الخلق وقال :
- الله يسلمك عزيزى وتمنياتي لك بالتوفيق
وهم بركوب السيارة عندما استوقفه العامل بفضاضة قائلا :
- اين تذهب ؟ تريد ان تأكل حقي عيني عينك , اعطيني اجرتي قبل ما أمسح بك الارض
استغرب سعيد وقال :
- اولا هناك يافطة تنص على ان خدمات الحمال مجانية وعدا عن ذلك اذا كنت تريد نقودا لم تقل ذلك ؟
اجابه الحمال :
- قلت لك الحمد على السلامة مرتين الم تفهم ؟ هذي مجاملات ياحبيبي يعني اقول لك الحمد على السلامة تمد ايدك بجيبك وتعطيني اللي فيه النصيب, فهمت ؟
دفع سعيد المبلغ دون يفهم صراحة معنى هذه المجاملات وركب التاكسي وطلب منه ان يوصله الى الفندق وعندما وصل وسأل عن الاجرة قال له سائق التاكسي :
- خليها علينا استاذ , والله ركوبك السيارة وحديثك الحلو تساوي اكبر من اي مبلغ .
فرح سعيد بهذا الكرم وقال للسائق :
- مادمت مصرا فشكرا لك واتمنى ان ارك مرة اخرى .
واقفل باب التاكسي وهم بالذهاب عندما ركض السائق خلفه وامسك بتلاليبه قائلا :
- ادفع الاجرة مثل البني ادمين والا ضربتك بسكيني هذه .
ارتعب سعيد وقال :
- ياصديقي الم تقل بنفسك خلي الاجرة وانك سعيد بحديثك معي ؟ لم غيرت رأيك ؟
قال سائق التاكسي :
- هل انت متخلف ؟ هذه اسمها مجاملة , نوع من الاداب الاجتماعية , اقول لك خليها علينا وانت تشكرني وتدفع المبلغ الاصلي مع اكرامية لاني تصرفت معك بدماثة, فهمت ؟
دفع سعيد المبلغ ودخل الفندق وهو مستغرب من هذه التقاليد التي لايفهمها , اتصل باحد اقاربه الذي دعاه لزيارة بيته وذهب اليهم , وعند الباب استقبله القريب بجملة الحمد لله على السلامة فتذكر سعيد حمال المطار فاخرج ورقة نقدية وضعها في يد قريبه الذي استغرب جدا من هذه الحركة ولم يفهم معناها وهنا تقدمت بنت القريب الشابة فعرفها والدها :
- هذه خدامتك سناء يا استاذ سعيد
تعجب سعيد من هذا الكرم وقال لقريبه :
- والله لم اتوقع ان تجهز لي خادمة, وعلى العموم انا بحاجة الى غسل ثيابي وكوي قمصاني وتلميع حذائي وساعطيها لها ولاتقلق فسادفع اجرتها بنفسي !!
استشاط القريب غضبا وقال :
- اي خدامة واي تلميع احذية ؟ هذي بنتي سناء عيب عليك انت في بيتي وتهين بنتي ؟
استغرب سعيد وقال :
- ولم عرفتها على انها خادمة اذا ؟ لم لم تقل انها ابنتك منذ البداية ؟
رد القريب :
- ياحبيبي هذه اسمها مجاملات واداب اجتماعية انا اقول خادمتك انت ترد ماشاء الله عليها عروس , اميرة , اي شي لا ان تقول خذي قمصاني للكوي , انت متخلف ؟ هنا في الشرق ليس كل مايقال يعطي نفس المعنى , اذا قال لك احدهم البيت بيتك لايعني هذا انه سترك لك بيته ويمشي , اذا قال لك احد ما انه يفديك بعينيه فلاتتوقع منه ان يكون مستعدا حتى لان يجرح اصبعه لاجلك هذه كلها مجاملات وكلام في كلام فلا تاخذها على محمل الجد , والا وقعت في الكثير من المشاكل .
خرج سعيد من بيت قريبه وركب التاكسي ودفع الاجرة قبل ان يقول السائق شيئا من مجاملاته ,عندما وقعت عينة على يافطة كبيرة عليها صورة الرئيس مكتوب عليها جملة من اقواله :
أنا لا اطمح للرئاسة او المنصب واعلن اني لن ارتشح لمنصب الرئيس مجددا .
نظر سعيد اليها وقال :
- اكيد هذه مجاملات رئاسية ومعناها انه لن يترك منصب الرئاسة ابدا .