مقامة الشاعر والحمار
بقلم محسن العبيدي الصفار
حدثنا ابو يوسف الصفار, انه في سالف الاخبار, كان هناك في احدى الديار, امير ذي بأس شديد, يرتعد امامه حتى الحديد , ويخاف بطشه كل صنديد, وكان هناك في البلاد شاعر واسع الدهاء, ماكر يجري وراء المال والذهب, يفعل من اجله العجب, وعد الامير بقصيدة , وحيدة من نوعها فريدة, تفوق في بلاغتها المعلقات, ولاتقارن بغيرها من الكتابات, ان رضي الامير بمنحه من الدنانير الفا وبضع مئات, وافق الامير على العرض, ووعده فوقها بقطعة ارض , كتب الشاعر القصيدة, ووضع فيها ابياتا عديدة, والقاها على الامير في مجلسه, فضحك كل من عنده, على ركاكة الابيات, وضعف المعاني والكلمات, غضب الامير وارعد, وخاطب الشاعر وتوعد , بأنه سيقطع رأسه عند الغد, بنصل السيف ذو الحد .
خاف الشاعر وارتجف, وطلب من الامير العفو عما سلف , رفض الامير الالتماس, واصر على قطع رأسه امام الناس, حتى لايخالج اي شخص الاحساس, او يساوره الوسواس, بأن يهزأ من امير البلاد, وولي امر الخلق والعباد .
خاطب الشاعر الامير, بعد أن ايقن أن رأسه سيطير, بأن لديه اخر رغبة, قبل ان تقطع له الرقبة, سأله باستعلاء الامير, ماهي رغبتك ايها الحقير ؟ قال الشاعر بوجل ووقار , مخاطبا امير الديار, ان لي في هذه البلدة حمار, اعلمه قواعد اللغة والاشعار, ومازلت بحاجة الى عام , كي يبلغ في علوم اللغة الفطام !!فأأذن لي ان اكلل عملي بالتمام, وسيظل ذكرك على الايام , بانك الامير الذي نطقت في عهده حتى الانعام .
فكر الامير وتدبر, وامعن النظر وتبصر, ونطق اخيرا وقال, ان اسمع جيدا ايها الدجال , ساعطيك عاما من الوقت, كي تنفذ ماوعدت, فإن نطق كما قلت الحمار, وصار يلقي الخطب والاشعار ,عفونا عنك واطلقناك , وان فشلت فبكل الوسائل عذبناك, والى مئة قطعة شطرناك , ولكلاب الشوارع اطعمناك .
استغرب هذا الكلام احد الحضار, وخاطب بهمس هذا المهذار, هل جننت ايها العيار ؟كيف ستعلم في عام الكلام للحمار؟ ستفشل ويكون مصيرك العار, وتصبح قطع جسدك على كل جدار, وسينتقم منك هذا الامير الجبار .
ضحك الشاعر وابتسم , انني كسبت عاما من العدم, ومن غياهب الرعب والندم, فإن نفذ الامير بعدها الوعيد, فلن يكون هناك شيئ جديد, وسيكون مصيري القتل, ان زاد عدد قطع جسدي او قل, ولكني سادعو طوال هذا العام, رب الخلق والانام, بأن يجعل لي مخرجا , ومن رحمته فرجا, وان ينجيني من هذا الامر الخطير, بان يهلك الحمار او يهلك الامير .
* مقتبسة من التراث