"والله لو نموت كلنا ما خذاها فلان" قالها ونظر نظرة في المقر الذي بدأ يفقد ألقه وراحت تتلاعب به رياح الخريف فحولت الصور واليافطات إلى حمل ثقيل على قلبه، امتقعت الصور ما عاد يرى فيها الألق أيام كانت الأصوات تصدح وتعد صاحبه بالغنيمة الباردة، نظر إلى اليافطات وهي تتهاوى بسهولة أمام أي نسمة هواء ظن أنها أكثر تماسكا أمام الرياح كما ظن أن صاحبه أكثر حصدا للأصوات التي سمع منها التعهدات والوعود في المقر أيام كانت الأضواء ساطعة والحلويات تجوب أركان المقر والابتسامات على الوجوه والكل معلق بذاك السيد وكأنه في جزيرة منقطعة وهو حاكمها!!... لم يعد يرى سيد المقر! السيارات تجوب البلدة والزوامير حراب تغرز في أذنيه والشمس غادرة وهي تجنح نحو الغروب، والسيد ما زال لا يرى، ماذا دهاه لابد أن جماعة فلان تفوقت علينا وستأخذ المقعد ليس لنا إلا العصي وإلا تلقينهم درسا قاسيا كما حرمونا الفرحة في هذا اليوم، كسروا السيارات أخمدوا أصوات الزوامير أثنوه عن الذهاب إلى المجلس... المجلس لنا ولن يدخله....كأن صاحبه يهنئ فائزا ويمن عليه بأنه شتت أصوات الآخرين ليفوز هو ويتحدثان في الصفقة.
وكان آخر يهنئ نفسه بالنجاح ويبارك لزوجته وأبنائه بهذا الصيد السمين الذي حصل عليه ودفع من أجله مالا كثيرا، وراح يعدهم بالكثير من الامتيازات والعيش الرغيد والعلو فوق الآخرين، كان لا يستمع إلى الزوامير في الخارج، ويبدي امتعاضه من الغوغائيين حول المقر ويشمئز من الوجوه الضاحكة التي لا ترى إلا في حالة نفاق، يتمنى لو أنه يغادر البلد ليومين يرتاح فيها ويعود إلى المجلس، دون أن يمر بهؤلاء الناس الذين يثيرون غضبه، في كل شيء.. إلحاحهم، ثقل دمهم، مواضيعهم التي لا تعجبه، كالغلاء وأمور الحواري والشوارع والأماكن الشعبية، لكنه سيدرب نفسه على مجاراتهم ويحاول أن ينسحب منهم شيئا فشيئا، حتى لو كانوا الآن يخوضون عراكا مع منافسيه ويدفعون ثمن مقعده غاليا..
لنكن أكثر تعقلا وأكثر تقبلا ونتعامل مع النتائج بكل رضا، فعدم الوصول إلى المجلس لا يعني أن الشخص قد خرج من البلد وفقد حقه في العيش وفقد كينونته!! وكل ناجح لن يكون حاز على الريادة وعلى الأفضلية وتعالى على الآخرين، فبعد يومين سينفصل كل ناجح في الانتخابات وكل راسب عن الأشخاص الذين ظنوا أنهم سيجنون الكثير من جراء نجاحه، وسيكشفون أن كل مترشح له أجندته التي قد لا ترضي مريديه، ولن يكون النجاح علوا ولا الرسوب انحطاطا، ومن يظن أن عنوان وجوده مقترن بالنجاح في الانتخابات فهو مخطئ، كل من يجدّ في العمل ويثبت نفسه سيثبت وجوده ويتقدم، وقد لا يصادف نائبا على مدار أربع سنوات، وكلنا في بلد واحد ولسنا نعيش في كنتونات منفصلة عن بعضها البعض، وهدفنا الأسمى واحد.... نتمنى أن لا ينجرف الناس وراء أصحاب الشر والفرقة والتناحر، ولتكن النهايات طبيعية فسبعمئة مترشح سيخفق منهم 580 مترشح فالغالبية لن يحالفهم الحظ.