[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]شكلت الإرادة الملكية التي صدرت في الثالث والعشرين من تشرين ثاني الماضي بحل مجلس النواب، انطلاقة جديدة في مسيرة الاردن التطويرية والتحديثية، من خلال الدعوة التي وجهها جلالة الملك للحكومة بإجراء انتخابات نيابية، وفقا لأحكام القانون.
إدراك جلالته لأهمية مجلس النواب ودوره في مسيرة التنمية الشاملة، تجسد في تأكيده بأن تجرى انتخابات تكون «مثالا في الشفافية والعدالة والنزاهة، ومحطة مشرقة في مسيرتنا الإصلاحية والتحديثية يمارس عبرها جميع الأردنيين حقهم في الترشح وفي انتخاب ممثليهم في مجلس النواب».
التأكيدات الملكية للمواطنين في أكثر من مناسبة بأن «مسؤولية اختيار من يمتلك القدرة على المساهمة في بناء مستقبله وخدمة الصالح العام، من يستطيع أن ينهض بمسؤولياته في السلطة التشريعية التي لها دور دستوري أساسي، لا غنى عنه في مسيرتنا الوطنية».
هذه الرؤية الملكية الشاملة بيّنها الملك في زيارته الأخيرة إلى محافظة عجلون الشهر الماضي، عندما خاطب المواطنين بالقول أن «الانتخابات فرصة للجميع لخدمة المحافظة والوطن من خلال اختيار الأقدر على المساهمة في مسيرتنا التنموية».
ففي الرابع والعشرين من تشرين ثاني الماضي بعث جلالة الملك رسالة إلى رئيس الوزراء آنذاك نادر الذهبي كلف فيها الحكومة البدء بشكل فوري بالإعداد لإجراء الانتخابات النيابية، واتخاذ جميع الخطوات اللازمة، وفي مقدمتها تعديل قانون الانتخاب، وتطوير جميع إجراءات العملية الانتخابية.
ولإعطاء الحكومة الفرصة والفترة الكافيتين، لتكون الانتخابات القادرة على إنتاج مجلس نواب على مستوى الطموح والتحدي، كما يريده جلالة الملك والأردنيون، صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء التنسيب بتأجيل إجراء الانتخابات النيابية لمجلس النواب.
وكان مجلس الوزراء ارتأى في الثامن من كانون أول من العام الماضي انه من المتعذر إجراء الانتخابات في الأربعة شهور المحددة في الدستور وذلك نظرا لضرورة استكمال مشروع اللامركزية في المحافظات ومن ضمنه وضع مشروع قانون لإجراء انتخابات المجالس المحلية في المحافظات.
وجاء في تنسيب المجلس «حيث ان كل هذه الأمور وما يرتبط بها تستدعي إعداد التشريعات اللازمة والقيام بالإجراءات المطلوبة لتنفيذها والذي يتطلب انجازها وقتا كافيا مما تشكل بمجموعها ظرفا قاهرا رأى معه مجلس الوزراء ان إجراء انتخاب عام لمجلس النواب في الوقت المحدد أمر متعذر بالمعنى المقصود في الفقرة 4 من المادة 73 من الدستور».
وبعد قبول جلالة الملك استقالة حكومة الذهبي في التاسع من كانون اول الماضي، كان في مقدمة التوجيهات والتكليفات الملكية لرئيس الحكومة الجديد سمير الرفاعي، اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لإجراء انتخابات نيابية جديدة تكون أنموذجا في النزاهة والحيادية والشفافية.
وتجلت التوجيهات الملكية في أبهى صورها، عندما أشار جلالة الملك في كتاب التكليف السامي إلى ضرورة صياغة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بحيث تقوم على التعاون والتكامل في خدمة المصلحة العامة، وبحيث تمارس السلطتان صلاحيتهما الدستورية من دون تغول سلطة على أخرى، أو اللجوء إلى تفاهمات مصلحية تجعل من تحقيق المكتسبات الشخصية شرطا لاستقرار علاقة السلطتين.
إذ أكد جلالته في كتاب التكليف السامي انه على «الحكومة أن تعيد تقييم آليات تعاملها مع مجلس النواب بما يضمن إعادة تصحيح هذه العلاقة (...) ولضمان عدم تكرار أخطاء الماضي، فإننا نطلب منكم إعداد ميثاق شرف ملزم يوضح الأسس التي تحكم كل تعاملات الحكومة مع أعضاء مجلس النواب وفق الدستور والقانون».
وعبر جلالته عن أمله في «أن يبادر مجلس النواب الجديد أيضا إلى إصدار وثيقة مماثلة تطمئن الأردنيين إلى أن العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية محكومة بمعايير تحقق المصلحة العامة والتكامل الدستوري والقانوني والسياسي المطلوب لخدمة الوطن، وليست مرتهنة للاعتبارات والمكتسبات الشخصية الضيقة».
ووجدت الحكومة في التوجيهات الملكية «نبراسا» لها في صياغتها للظروف والإجراءات القادرة للانطلاق نحو المرحلة المقبلة.
وأخذت الحكومة على عاتقها، تحقيق التوجهات والرؤى الملكية، فبدأت بصوغ مشروع قانون جديد للانتخاب، مراعية ايجاد صيغ تفاهمية تراعي الملاحظات، التي كانت تؤخذ على القانون المعمول به آنذاك، ومحاولة تطوير الموجود ضمن الإمكانات، خصوصا المتعلق بعنصر «الوقت» منها.
كما إنها سعت إلى إيجاد حلقة نقاش موسعة حول هذا المحور، بحيث تشمل جميع مكونات الوطن، واجتهدت في قانون جديد، تم من خلاله وفي ضوئه زيادة عدد المقاعد في مجلس النواب، ورفع عدد المقاعد المخصصة للنساء، لاعطائهن فرصة للمشاركة في صناعة المستقبل، الى جانب زيادة المقاعد في عدد من الدوائر الانتخابية، فضلا عن ابتكار الدوائر الفرعية التي يعتمد عددها على عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية لضمان تمثيل أوسع للجميع.
وبعد أن انتهت الحكومة من وضع القانون، عكفت على اتخاذ الإجراءات التنفيذية لأحكام القانون، حيث بعد التجهيز لقوائم الناخبين، وعرض القوائم القديمة وتوزيعها، وليس هذا فقط، بل دعوة المواطنين الى الاعتراض على كل اسم مسجل في دائرة غير دائرته المقيم فيها، وهو ما يحمل مؤشر جدية الحكومة بأن تجري الانتخابات بشكل نزيه.
وبعد ذلك، سمح بالاعتراض على الاعتراضات، من خلال اللجوء الى القضاء، الذي قال كلمته فيها، وما ان استقرت تلك القوائم، حتى بدأت الحكومة بإجراء الترتيبات الفنية للاجراءات التنفيذية، والتي تمثلت في العديد من الاجراءات، والتي من ابرزها أن اتخاذ اجراءات تضمن عدم السماح بالتصويت أكثر من مرة.
الى جانب حرصها على السير الى الامام، وعدم النظر الى الماضي، إلا بقدر ما تستفيد منه للانطلاق الى الامام، فحثت المواطنين على مشاركتها في الكشف عن اية ممارسات يحاول فاعليها التأثير في خيار المواطنين مثل عمليات بيع وشراء الاصوات وحجز الهويات.
دللت الحكومة على جديتها، بالاجراءات التي اتخذتها خلال الايام القليلة الماضية، بإحالة عدد من المتهمين بالقيام بمثل هذه الاعمال إلى القضاء، الى جانب تفعيل جميع اجهزتها الرقابية لمكافحة هذه الممارسات.
عززت جدية الحكومة، ما خرجت به تقارير المؤسسات والهيئات الرقابية، التي سمحت لها الحكومة بمتابعة جميع الاجراءات وتسجيل ملاحظاتها، إذ خلت تقاريرها من اية مخالفات كبيرة قد تؤثر على سير العملية الانتخابية، بل أنها (التقارير) اشادت بمستوى ونزاهة الحكومة في كثير من الاحيان.
كما انها عملت على برامج وبالتعاون مع المؤسسات الرسمية والاكاديمية ووسائل الاعلام الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني الخاصة، تهدف الى تأكيد اهمية الانتخابات ومشاركة المواطنين في عملية الاقتراع، وان يكون الاختيار بناء على اسس موضوعية.
كما انها اتخذت اجراءات وتشكيلات من شأنها التسهيل على المواطنين والاعلاميين الاستفسار والحصول على اجابة لكل سؤال او استفسار، حول العملية الانتخابية.
طيلة الاشهر الماضية، عملت الحكومة كل ما في وسعها لاجراء انتخابات نيابية، كما ارادها جلالة الملك، ليبقى الرهان الان على المواطن، الذي بمشاركته الحقيقية والموضوعية من خلال اقباله على صناديق الاقتراع، غدا الثلاثاء، واختياره الافضل، تكون حلقات المشهد قد اكتملت، ولتشكل فيما بينها مجلسا نيابيا، يمثل اطياف المجتمع الاردني، ويحمل طموح الاردنيين، وقادر على بناء في مسيرة مستقبل الاردن.