التحرش الجنسي في حافلات الجامعة الهاشمية: تردي خدمات النقل العام وغياب المنظومة القانونية
غير بعيد عن منطقة الوسط التجاري وتحديدا في مجمع السفريات الداخلية في الزرقاء تقف فتاة محجبة "تترقب بقلق" وصول الحافلة لتقلها إلى الجامعة.
العشرينية آمال وهي طالبة في الجامعة الهاشمية تمضي ثلاث ساعات يوميا في رحلة لا تخلو من المخاطر للوصول من منزلها في إحدى مناطق غربي الزرقاء إلى الجامعة، رغم أن المسافة بينهما لا تتعدى 16 كيلومترا.
إلا أن الساعات الثلاث ورغم ثقلها والتي يفرضها تردي خدمات النقل العام لا تقلق آمال بمقدار ما يقلقها "ركوب الحافلة أو دخول المجمع؛ "خوفا من تعرضها لتحرش جنسي لفظي أو جسدي عانت منه مرارا".
على أن القاسم المشترك بين الفتيات المتحرش بهن هو إنكارهن لوقوع التحرش، بيد أن جرأة فتاة اعترفت صراحة بوقوع التحرش، بتأكيدها "أن أغلب الفتيات يتعرضن للتحرش مهما كان مظهرها الخارجي سواء كانت محتشمة أو لا"، دفع بعضهن للحديث عن معاناتهن في الحافلات بشرط عدم نشر أسمائهن الحقيقة.
تقول آمال لم يكتف ذلك المتحرش الوقح برفقة أصدقائه بإسماعها سيلا من العبارات البذيئة، بل قام بمطاردتها من منطقة الوسط التجاري وحتى مجمع السفريات الداخلية، حيث صعد في الحافلة نفسها، مشيرة إلى أنه انتابتها مشاعر كبيرة بالخوف والقلق.
وتقول "تمنيت أنني لم أخلق، فلم أكن قادرة على صده وبالوقت نفسه كنت خائفة من صده أمام الناس وفي العلن، خوفا من تكوين صورة سلبية عني".
وتقول بأنها تفضل انتظار زميلاتها ليصعدن معها في الحافلة، مهما تطلب ذلك من الوقت لأن مرافقة زميلاتها تعطيها شعورا بالثقة، رائية أن مسؤولية ردع المعتدين والمتحرشين لا تقع على عاتق الفتاة فهي الطرف الأضعف، وينبغي على الجهات المعنية أن توفر الحماية للمواطنين.
وأضافت أن القوانين لا تردع المتحرشين؛ إذ لا تأخذ مجراها في كثير من الأحيان، بينما تبقى الضحية تعاني من الإهمال وهواجس الخوف.
كما تروي "سناء"، وهي طالبة جامعية تجربتها المرّة مع التحرش، قبل حوالي العام وتقول إنها استقلت الحافلة من مجمع المحطة إلى جامعتها، وجلست على أحد الكراسي الخلفية، عندها قام شخص يجلس وراءها بوضع رأسه على مقعدها من الخلف لكي يوهم الركاب بأنه نائم، ولكنه قام بمد يده وأخذ بمس مناطق بجسدها، وتصف مشاعرها في تلك اللحظة أنها تمنت أنها لو لم تكن قد خلقت بعد، فهي كما تقول "أصبت بشلل فلم أعد قادرة على الصراخ أو النزول من المركبة".
وتتابع أن المتحرش استمر في غيه إلى انتبه اليه أحد الركاب الذي قام على فوره وصفعه على وجهه، إلا أن المتحرش تصدى له وحاول خنقه بكلتا يديه مكذبا إياه، ولحظتها صرخت وقلت له أنت خنزير وهنا تدخل الركاب وقاموا بتوثيقه وتسليمه إلى المركز الأمني.
وتضيف "إلا أنني تفاجأت بطلب الشرطة مني تقديم شكوى بحق المتحرش فرفضت فقد كنت خائفة من مجرد النظر إلى وجهه الكريه".
جيهان 22 عاما تقول إن معاناتها لا تنتهي مع التحرش، وتوضح أن تردي خدمات النقل العام سبب في ازدياد ظاهرة التحرش الجنسي، حيث تغص الحافلات بالركاب فوق طاقتها الاستيعابية، مما يعطي المتحرش فرصة ذهبية للقيام بجرمه، حيث يستغل اكتظاظ الحافلة، ويتطور الموضوع إلى أن يصبح التحرش جماعيا مستغلين خوف المواطن من ردع المتحرشين.
رنا تشتكي من العبارات والإيحاءات البذيئة والخادشة للحياء التي يتعمد بعض من يعملون في مهمة مساعد السائق "الكنترول" ممارستها، مطالبة بوضع حد لهذه التحرشات، متسائلة "ماذا لو قمت بإخبار والدي أو أحد أشقائي عن الذي نعانيه من تحرشات، ستصل الأمور حينها إلى جريمة قتل فهل هذا هو الحل؟".
تفشي ظاهرة التحرش دفعت مجموعة من طالبات الهاشمية إلى كسر باب الخوف والصراخ عاليا، مطالبات بحل للموضوع، حيث أوضحن في رسالة إلى رئيس الوزراء سمير الرفاعي الأسبوع الماضي معاناة طلبة الجامعة من تردي المواصلات، لاسيما الطالبات واللاتي يبلغ عددهن" 13" ألف طالبة من أصل 19 ألفا طلبة الجامعة.
وأوضحن في الرسالة أن المشكلة أضحت "مزمنة ومنذ سنوات وسنوات بلا أي حل في الأفق".
وشكين في الرسالة بمرارة من مضايقات تتعرض لها الفتيات خصوصا، موضحات أن الأمور بلغت أحيانا إلى تعرض الفتيات إلى سلوكيات سيئة وغير إنسانية ومعيبة ومخجلة، يمارسها ضعاف النفوس وعديمو الضمير، هذا فضلا عن مشاجرات تحدث يوميا من أجل المقاعد.
ورغم وجود نصوص قانونية صريحة تردع التحرش الجنسي، إلا أن المشكلة تكمن في ضعف تطبيق هذه النصوص، كما أن نظرة المجتمع لضحايا التحرش تشوبها الشكوك والنظرة الدونية باعتبار الضحية سببا في وقوع جرم التحرش.
وتلفت المرشدة الاجتماعية إيناس محمد إلى أن "تنامي ظاهرة التحرش الجنسي، يشير إلى تطور خطير للواقع الاجتماعي الأردني"، غير أنها أوضحت أن "حالات التحرش التي يتم الإعلان عنها لا تعكس واقع الحال"، واصفة ما يعلن عنه بـ"قمة جبل الجليد وما خفي كان أعظم، حيث إن حالات التحرش أصبحت جزءا من حياة المواطنين اليومية".
وحملت إيناس الجهات الرسمية مسؤولية وقوع جرائم التحرش، ولفتت إلى أن "الموروثات الاجتماعية ما تزال تحمل الأنثى مسؤولية التحرش بها".
وبينت الطالبات أنهن يمضين 3 ساعات في رحلة الذهاب للجامعة، مشيرات إلى أن الوقت الفعلي لا يتجاوز الساعة الواحدة بما فيه وقت الانتظار.
وتساءلت الطالبات، إذا كانت كل خطط ومشاريع وبرامج دعم المرأة وتمكينها عاجزة عن توفير مقعد لفتاة جامعية في حافلة لإكمال دراستها، إذن ما جدوى تلك الخطط والمشاريع والبرامج؟. وأي مشاركة ودور للمرأة وهي تضيع وقتها وجهدها من أجل مقعد في حافلة؟.
وأكدت الطالبات، عرض المشكلة على رئيس الجامعة السابق والحالي، فضلا عن عرضها على مدير عام هيئة تنظيم النقل مرات عدة، وعلى جهات رسمية وأهلية.
وأضفن "أنهن رفعن صوتهن في جميع وسائل الإعلام: المرئية، والمسموعة، والمطبوعة، والإلكترونية، والمنتديات الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن المشكلة تتفاقم والفوضى تزيد والحافلات تتأخر أكثر بل وأحيانا يتقلص عددها، والسلوكيات الخاطئة لا تجد من يردعها".
وكانت رئيسة الجامعة الدكتورة رويدا المعايطة أكدت ضرورة تأمين طلبة الجامعة البالغ عددهم حوالي (19) ألف طالب وطالبة بخدمة نقل مريحة وآمنة تحافظ على أوقاتهم.
وبيَّنَت خلال لقائها بمدير عام هيئة تنظيم النقل البري المهندس جميل مجاهد الأسبوع الماضي، ضرورة تضافر جهود كافة الجهات المسؤولية والطلبة، وأنْ تتحمَّل كل جهة مسؤولياتها لإيجاد حلول جذرية لمشكلة المواصلات.
وقالت الطالبات إنه رغم لقاء رئيسة الجامعة، ومدير عام هيئة النقل البري، ومجلس طلبة الجامعة، بقي الوضع كما هو عليه، وإن الرد الوحيد الذي حصل عليه الطلبة أن "هناك اتفاقيات مع الشركات الناقلة"، معتبرات أن الاتفاقيات الموقعة بين الهيئة والشركات هي اتفاقيات "مجحفة" بحق الطلبة والهيئة والوطن.
وطالبت الطالبات، رئيس الحكومة بالتدخل "لإجبار" جميع الجهات الرسمية والأهلية المعنية بالقضية لإيجاد حلول جذرية ونهائية لمشكلة المواصلات وفي القريب العاجل، رائيات أن الحلول واضحة وهي إلزام الشركات الناقلة بزيادة عدد الحافلات على جميع الخطوط، وزيادة عدد مقاعد الجلوس في الحافلات، وتنظيم الدور من قبل أشخاص أسوياء (نعم أسوياء) من الجامعة ومجلس الطلبة والهيئة والأمن العام، وإيجاد مواقف مناسبة للحافلات، لاسيما في مناطق العاصمة عمان، وردع كل من يقوم بالسلوكيات السيئة بحق الفتيات.
وكان طلبة جامعيون أطلقوا أخيرا حملة من أجل "تنظيم نقل الطلاب في الجامعة الهاشمية" على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
ويقول منظمو "الحملة" إنهم لجأوا إلى تلك الوسيلة في محاولة منهم لتنظيم النقل وإيصال رسالتهم إلى المسؤولين، بعد أن ضاقت بهم السبل، لتردِّي خدمات النقل من الجامعة وإليها على حدِّ قولهم.
ولا تنحصر شكاوى الطلبة في عدم توفر عدد كاف من حافلات النقل العاملة على الخطوط الداخلية، أو تلك التي تربط الجامعة بالمدن والمحافظات المجاورة، بل ومن تدني مستوى الخدمات، وغياب رقابة فعلية من جانب الجهات المعنيَّة على سلوك بعض السائقين.
من جانبها قالت المعايطة إن مشكلة المواصلات في طريقها إلى الحل، مبينة أن إدارة الجامعة اتخذت سلسلة من الإجراءات بهدف حل المشكلة، وأن الطلبة سيشعرون بتحسن ولو بشكل تدريجي في بداية الأمر.
وأضافت المعايطة، أنَّ الجامعة أخذت على عاتقها تنظيم الدور وتكثيف الرقابة على الحافلات في موقف الحافلات الموجود داخل الحرم الجامعي، وتوزيع الطلبة على أكثر من موقف، وعمل مسارات أكثر للدور، وتزويد الهيئة ببيانات وإحصاءات حول أعداد الطلبة، ومراكز الانطلاق التي يستخدمونها في بداية كل فصل دراسي.
وجددت المعايطة ضرورة احترام طلبة الجامعة وطالباتها والتعامل معهم بأساليب حضارية وراقية.
وأضافت أن على الطلبة دورا مهما ومسؤوليات كبيرة وخاصة مجلس الطلبة في نشر الوعي بأهمية النظام والدور والالتزام به، واحترام وقت زملائهم وزميلاتهم بشكل خاص، وتنمية ثقافة الالتزام والنظام، وتقديم سلوكيات حضارية تعكس مستوى الطالب الجامعي الثقافي والفكري.
وأكدت في لقاء ثان خلال أقل من أسبوعين مع مساعد مدير هيئة تنظيم النقل البري المهندس زاهي بني سعيد، وممثلين عن إدارة السير، ومدير الشركة الناقلة، ضرورة إيجاد حلول عملية يلمسها الطلبة بأسرع وقت لمشكلة المواصلات، والتخفيف من معاناة الطلبة خاصة قبل فصل الشتاء، وتوفير وسائل نقل مريحة وآمنة.
وأوضحت المعايطة، أنه تم الاتفاق على وضع خطة تنظيمية للمساهمة في حل مشكلة المواصلات التي يعاني منها طلبة الجامعة، من خلال آليات وإجراءات تتمثل في: تحديد موعد انطلاق الحافلات من وإلى الجامعة، فضلا عن تعزيز الخطوط التي تشهد ازدحاما بحافلات إضافية حسب الحاجة وخاصة في أوقات الذروة.
كذلك العمل على إعداد برنامج زمني يحدد مواعيد الانطلاق والعودة والإعلان عنها للطلبة وإلزام الشركة الناقلة والطلبة التقيد بها، وتكثيف الرقابة وإدامتها على خطوط الجامعة، وتشكيل لجنة متابعة وتنسيق من الجامعة والهيئة والشركة؛ لتنظيم حركة الحافلات، وتنظيم الطلبة ومنع تدافعهم في مراكز الانطلاق وإلزامهم بالدور ومنع حجز المقاعد.