الأصل في هذا قوله تعالى : ''الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا''.
وولاية التأديب جعلت للرجل إذا ترفعت الزوجة عن الطاعة فيما يجب عليها من ذلك، والذي يدل عليه نص الآية هو الترتيب في وسائل التأديب التي شرعت للزوج: ''فيبدأ بالموعظة، ثم الهجران في المضاجع، ومنه إلى الضرب، وفي ذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق ''.
ولما كان التشريع الإسلامي محكوما بقانون الغاية، لا بمنهج التقرير، كانت هذه الغاية هي الهدف للحكم التشريعي، والأساس في تشريعه، ويوضح الإمام الشاطبي ذلك بأجلى عبارة حيث يقول: ''فالأحكام لم تشرع لأنفسها، بل شرعت لمعان أخرى هي المصالح''، أي الغايات .
والغاية من هذا الحق الذي منح للرجل على المرأة هي التأديب والزجر، دون الإتلاف والتشويه، والوسيلة التي شرعت لتحقيق هذه الغاية هي ما نصت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى : '' واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا '' وتطبيقا لقاعدة : الوسائل مشروعة بحكم غاياتها، فقد وضع الفقهاء عدة ضوابط للتأديب، يمكن استنتاجها من أقوالهم، وهذه الضوابط هي :
أولا :أن لا يكون الزوج مفرطا في حقوق زوجته عليه .
فمن علم بمنعه حقها يمنع من التأديب بهذه الوسائل حتى يؤديه، ويحسن عشرتها؛ لأنه يكون ظالما بطلبه حقه مع منعه حقها ''.
ثانيا : أن يتيقن الزوج من نشوز زوجته، فما يستحق بالنشوز لا يستحق بخوف النشوز .
ثالثا :مراعاة الترتيب في التأديب كما ورد في الآية الكريمة، فيعظها أولا على الرفق واللين، ويذكرها بما أوجب الله عليها من حسن الصحبة، وجميل العشرة للزوج، والتذكير بما يلين القلب لقبول الطاعة واجتناب المنكر، فإن رجعت إلى الطاعة والأدب حرم الهجر والضرب لزوال مبيحه .
والوعظ يختلف باختلاف حال المرأة، فمن النساء من يؤثر في نفسها التخويف من الله تعالى وعقابه على النشوز، ومنهن من يؤثر في نفسها التهديد والتحذير من سوء العاقبة في الدنيا كشماتة الأعداء، والمنع من بعض الرغائب، والرجل العاقل لا يخفى عليه الوعظ الذي يؤثر في قلب امرأته .
وإلا فينتقل إلى الهجر، وافضل ما قيل في معنى الهجر قول ابن عباس أنها لا تترك في الكلام، ولكن الهجران في أمر المضجع .
وقد ورد أن عمر بن عبد العزيز كان اذا غضب من زوجته يفرش في حجرتها وتبيت هي في بيتها .