بمناسبة عقد قمة المناخ العالمي في كوبنهاغن 2009، والتي يحاول المجتمعون فيها الخروج بقرارات تعمل على خفض انبعاث الغازات الدفيئة في الجو والتي أصبحت تؤدي إلى تغيرات مناخية حادة تؤثر في الحياة الطبعية والبشرية للإنسان، وبخاصة على الصحة والإنتاج الغذائي وتوفير المياه النقية.
وفيما يتعلق بصحة البشر، تشير بعض الدراسات العلمية المستقبلية بأن العالم سيواجه خلال الأعوام المقبلة زيادة كبيرة بانتشار عدد من الأمراض المعدية والميكروبية الأصل إذا لم تتم السيطرة في المستقبل القريب على التلوث العالمي بغاز أول وثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها من الغازات المضرة في الجو.
ولتوضيح مدى خطورة تلوث الجو على صحة الإنسان، نقدم كمثال التهابات الجهاز التنفسي التي تسببها حاليا الميكروبات المعدية للإنسان، والتي تمرض نسبة مئوية عالية من الأشخاص، ومن مختلف الأعمار، وطوال أيام السنة.
وميكروبات الجهاز التنفسي المعدية لا تعرف حدودا مغلقة أو مناعة شخصية مطلقة، تمنع حدوثها أو انتشارها بين الناس. وهي تكثر بالتفشي بين الأطفال حديثي الولادة والصغار، وبين البالغين الذين يعانون من الإرهاق وضعف الجسم، وأثناء نقص المناعة المؤقت أو المزمن.
وقد بينت بعض الأبحاث التي أجريت خلال الأعوام الماضية في المدن المكتظة بالسكان والتي تعاني من تلوث الجو، بأن التهابات الجهاز التنفسي تزداد مع تقلبات التغيرات المناخية الحادة، ومع تلوث الجو بالغبار والغازات الضارة، فهذه العوامل الخارجية تؤذي الأغشية المخطية المبطنة للجهاز التنفسي، وتجعله قابلا للعدوى بالميكروبات المعدية.
ومما يذكر أن هيئة الأرصاد الجوية البريطانية أصدرت في كانون الثاني (ديسمبر) العام 2009 دراسة كشفت فيها، بأن متوسط درجة حرارة الأرض بدأ يرتفع منذ العام 1850، وأن ذلك الارتفاع أخذ يتسارع منذ العام 1970.
ويعتقد علماء البيئة أن ارتفاع حرارة الجو والأرض لعدة درجات مئوية كما يلاحظ حاليا، سيؤدي لاحقا إلى زيادة في انتشار معظم أنواع الحشرات والميكروبات، وسيؤثر في التوازن الحيوي الدقيق والتعايش السلمي بين الكثير من الحشرات والطفيليات والحيوانات والطيور والإنسان، وستؤدي هذه التطورات البيولوجية إلى أخطار وكوارث كبيرة على مجمل الحياة البشرية.
تشير الدراسات بأن نسبة كبيرة من الأشخاص يصابون تقريباً مرة واحدة على الأقل في العام، بأحد أمراض التهابات الجهاز التنفسي الخفيفة أو الحادة الأعراض والتي تتطلب العلاج. وقد تبدأ هذه الالتهابات بالحلق واللوزتين والبلعوم، وتمتد إلى القصبات والرئتين أو تصيب الجيوب الأنفية والأذن الوسطى وملتحمة العين، وبخاصة بين الأطفال. وفي حالات غير قليلة قد يعاني المريض من عدة أمراض في الجهاز التنفسي بالوقت نفسه، ومنها أمراض الحساسية مثل؛ الربو وتليف أنسجة الرئتين التي يصعب السيطرة عليها بالعلاج.
تبين تقارير منظمة الصحة العالمية الحديثة، بأن مجمل التهابات الجهاز التنفسي الحادة ومضاعفاتها، تعد المسبب الأول للوفاة بين الأمراض المعدية التي تصيب كبار السن وصغار الأطفال في العالم، وتؤدي إلى وفاة ما لا يقل عن 4 ملايين شخص سنوياً، معظمهم من الأطفال في بلدان العالم النامي.
ميكروبـات مفيـدة وأخـرى معديـة
من المعروف علميا، بأن هناك تعايشا وتنافسا مستمرا بين أنواع الميكروبات المختلفة في أماكن تواجدها في جسم الإنسان، وهذا التعايش المشترك يؤثر إيجابيا في صحة الإنسان، ويمنع في كثير من الأحيان حدوث العدوى بأحد الميكروبات المعدية والمرض.
تستوطن في الجهاز التنفسي العلوي للإنسان أعداد قليلة من البكتيريا المعدية، وبجانبها أعداد كبيرة جداً، وأنواع متعددة نافعة من بكتيريا الجسم العادية، ومن أهمها مجموعة ستربتوكوكس الخضراء، إضافة إلى عدد محدود من أنواع الفيروسات والفطريات الانتهازية. وجميع هذه الميكروبات لا تسبب أي التهاب أو مرض للإنسان الذي يتمتع بالمقدار الكافي من المناعة وصحة الجسم. وتقوم هذه الميكروبات الأليفة للجسم، وخصوصاً مجموعة الستربتوكوكس الخضراء بإفراز مواد مشابهة للمضادات الحيوية تقتل فيها الأنواع الأخرى من البكتيريا المعدية أو على الأقل لا تساعدها على البقاء والالتصاق بالأغشية المخاطية المبطنة للجهاز التنفسي، كما تعمل على زيادة مناعة الجسم.
وبالرغم مما تقدم، فقد ينتهز أحد أنواع الميكروبات المعدية الفرصة المواتية، ويهاجم الأغشية والأنسجة الداخلية، ويسبب الالتهابات التنفسية الحادة أو المزمنة. وعملياً يتكاثر وينتشر الميكروب الممرض على حساب بكتيريا الجسم العادية وأثناء توفر عوامل مساعدة للعدوى.
تشير غالبية الدراسات الموثقة أن 90-80 % من مجمل التهابات الجهاز التنفسي تسببها فعلياً الفيروسات وليس البكتيريا، ونادراً الفطريات. وفي حالات قليلة تمهد الالتهابات الفيروسية الطريق للبكتيريا بالهجوم على الأغشية المخاطية، وإحداث تلف فيها، مما يساعد البكتيريا المعدية على إحداث الالتهابات الموضعية والانتشار منها إلى أجزاء أخرى في جسم المريض، وبخاصة عند المريض الذي يعاني من مشكلات مزمنة في أي جزء من الجهاز التنفسي، وقد تشترك الفيروسات والبكتيريا معاً بتشكيل الحالة المرضية، فيصعب حينئذ تحديد مسبب الالتهاب التنفسي الحقيقي.
ولذلك يوصى قبل استعمال المضادات الحيوية في علاج أي حالة مرضية في الجهاز التنفسي، وبخاصة منها المتكررة خلال فترات أشهر قليلة، أن يتم بدقة معرفة مسبب المرض الميكروبي، وحالة المريض الصحية والمناعية. ويمكن للطبيب الاستعانة بإجراء عدد قليل من الفحوصات المخبرية التي تساعد بتشخيص الحالة المرضية، وتوفر استخدام المضادات الحيوية؛ لأن الفيروسات كما هو معروف لا تتأثر بها. وأخيراً، تبقى هناك حاجة أساسية وضرورية أن يتوفر الهواء النقي الخالي من التلوث ليحافظ كل شخص على عمل جهازه التنفسي بصورة جيده.