خطبة جمعة عن الصلاة
إن دين الإسلام الذي أكرم الله به هذه الأمة وأتمه لها ورضية لها دينا، ورتب عليه من حسن الجزاء وعظيم المثوبة ما تتمناه، الأنفس وتلذ به الأعين، هذا الدين قد بني على أسس وقواعد متينة لا ينجو من بلغته هذة القواعد فلم يعمل بها من أليم العقاب وشدة العذاب، ويحظى من عمل بهذة القواعد والآوامر بما اعد الله له من عزة واحترام في الدنيا ولذة وسيادة في الآخرة، لا ينال المسلم هذه الأمور حتى يأـي بهذة ، ان الصلاة هي عمود الدين هذا الدين وأهم أركانه بعد الشهادتين. الصلاة . صلى الله عليه وسلم: ((صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما، كتاب في عليين)) خير ، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر
نعم – أيها الاخوة المؤمنون – بعض الموتى يودون لو يخرجوا من قبورهم فيصلو فيصلوا ركعتين، فإنهم يرون أنها خير من الدنيا وما فيها. فهل يتعظ بهذا متعظ؟ قال : ((إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه كلها، فوضعت على رأسه وعاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه)) رواه الطبراني بسند صحيح – بكل ركوع وسجود تتهاوى وتتساقط آثامك العظيمة أمام معاول صلاتك: في جماعة، لقوله تعالى: واركعوا مع
أيها الاخوة المؤمنون: إن الأحاديث والآيات التي فيها إيجاب صلاة الجماعة على المؤمن كثيرة، وتلك التي فيها الترهيب من ترك الجماعة كذلك، كقوله عليه الصلاة ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم)) : ((لولا ما في البيوت من النساء والصبيان لأحرقتها عليهم)) يشهدونها مع المسلمين.
فجلجلة الأذان بكـل حـي ولكن أين صوت من بلال
أيها الاخوة المؤمنون: إن الصلاة هي الفيصل والبرزخ بين الكفر والإيمان، فمن أداها وحافظ عليها كان هو المؤمن، ومن تركها وتهاون بها كان هو الكافر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر)). إنه لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، من تركها فعليه لعنة الله، من تركها خرج من دين الله، من تركها انقطع عنه حبل الله، من تركها خرج من ذمة الله، من تركها أحل دمه وماله وعرضه، تارك الصلاة عدو لله عدو لرسول الله، عدو لأولياء الله، تارك الصلاة مغضوب عليه في السماء، ومغضوب عليه في الأرض، تارك الصلاة لا يؤاكل، ولا يشارب، ولا يجالس، ولا يرافق، ولا يؤتمن. تارك الصلاة خرج من الملة، وتبرأ من عهد الله، ونقص ميثاق الله، إنه لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
أيها الاخوة المؤمنون: لما وقر تعظيم الصلاة وأمر الله في قلوب الصحابة هانت أمامهم كل الصعاب في سبيل المحافظة على صلاة الجماعة من بعدت بيوتهم عن المسجد النبوي فيأتون يسعون إليها، يمرضون فيؤتي بهم، يهادى الرجل منهم بين الرجلين حتى يقام في الصف، الأعمى منهم يسابق البصير على الصف الأول، وليس فيهم أعمى رضوان الله عليهم. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن - يعنى في المسجد - فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفع بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، وفي رواية: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، إن كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة). رواه مسلم ولم يرخص عليه الصلاة والسلام للأعمى عن حضورها. والدليل ما روى مسلم عن أبى هريرة قال: أتى ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله: إنى رجل ضرير البصر، بعيد الدار، ولي قائد لا يرافقني، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي قال: ((هل تسمع النداء، قال: نعم، قال لا أجد لك رخصة))، وفي رواية: ((أتسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال نعم فقال: فحيّ هلا. وبوب العلماء على هذا الحديث بقولهم)) باب إقرار العميان بشهود صلاة الجماعة، وقد اجتمع في ابن مكتوم ستة أعذار: الأول: كونه ضرير البصر. الثاني: عدم وجود قائد يرافقه. الثالث: بعد داره عن المسجد. الرابع: وجود نخل وشجر بينه وبين المسجد. الخامس: وجود الهوام والسباع الكثيرة بالمدينة. السادس: كبر سنه ورق عظمه. مع هذا كله إلاّ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص له، ولهذا بوب عليه ابن المنذر بقوله: ذكر إيجاب صلاة الجماعة على العميان وإن بعدت منازلهم عن المسجد.
وهذا أبى بن كعب رضي الله عنه يقول: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحداً أبعد من المسجد منه، كانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، فقال: ما يسرني أن منـزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال صلى الله عليه وسلم لما سمع ذلك منه: ((قد جمع الله لك ذلك كله))، وفي رواية أن أُبياً رضي الله عنه لما رأى هذا الأنصاري يكابد المشاق حتى يأتي إلى صلاة الجماعة، قال أبي: فتوجعت له، فقلت: يافلان! لو إنك اشتريت حماراً يقيك الرمضاء وهوام الأرض؟ قال: أما والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم! قال أبيّ لما سمع ذلك منه، فحملت به حملاً – يعني أنه استفظع هذه الكلمة من هذا الأنصاري وعظمت في سمع أبىّ، فأتى أبىّ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الأنصاري، فقال الأنصاري: رجوت أجر الأثر والممشى، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ان لك ما احتسبت)) رواه مسلم. بيته بعيد عن المسجد وآفات في الطريق تعترضه في كل صلاة، ومع هذا يحافظ عليها ويدأب في العمل لها. عظم أمر الله في قلبه، فأحب الصلاة فلمّا أحبها هان في سبيلها كل شيء فماذا يقول المسلم اليوم الذي يحتج بُبعد بيته عن المسجد، والمتأمل في أحوال الصحابة يجد عجباً في تعظيمهم للصلاة، كان تميم الداري إذا دخل وقت الصلاة قام اليها بالأشواق. قال رضي الله عنه ما دخل عليّ وقت صلاة من الصلوات إلا وأنا لها بالأشواق، يشتاق إلى الصلاة وينتظر دخول وقتها. ونقلوا هذه السمات الإيمانية إلى التابعين: فكان الربيع بن خثيم يقاد به إلى الصلاة وبه مرض الفالج، فقيل له: قد رخص لك قال: إنى أسمع حيّ على الصلاة. فإن استطعتم أن تأتوها ولوحبوا.
أيها الاخوة المؤمنون: والعلاقة بين الاهتمام بصلاة الجماعة والمحافظة عليها وبين الخشوع فيها وإحسانها فيها كبيرة جداً، فمن كان محافظا على صلاة الجماعة مبكراً إليها، مسابق إلى الصفوف الأولى منها كان على جانب كبير من الإقبال على الله وانشراح الصدر فيها والتنعم والتلذذ بها، ومن كان متأخراً عنها، يقدم رجلا ويؤخر الأخرى، كلما غدا أو راح إلى المسجد فإنه على جانب كبير من الوسوسة فيها وعدم التنعم بها. وهذا أمر مجرب معروف وسير الصالحين والطالحين تدل عليه.
صلى أبو زرعة الرازي عشرين سنة وفي محرابه كتابة فسئل عن الكتابة في المحراب فقال: قد كرهه قوم ممن مضى. فقال السائلون له: هو ذا في محرابك – محرابك فيه كتابة ما علمت بها؟ قال: سبحان الله، رجل يدخل على الله ويدري ما بين يديه؟ بقي أن تعرف أن أبا زرعة الرازي لم تفته صلاة الجماعة عشرين سنة.
وقال أبو عبد الرحمن الأسدي: قلت لسعيد بن عبد العزيز ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة؟ فقال: يا ابن اخي وما سؤالك عن هذا؟ قلت: لعل الله أن ينفعني به. فقال: ما قمت إلى الصلاة إلا مثلت لي جهنم. وكان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى. وسعيد بن المسيب لم تفته التكبيرة الأولى مدة خمسين سنة، وما نظر إلى قفا رجل منذ خمسين سنة، يعنى لمحافظته على الصف الأول. وهذا كله لأنهم عظموا الصلاة وأدركوا منـزلتها، بينما الكثيرون اليوم لم يدركوا منـزلتها ولم يتلقوا أمر الله بها بالتعظيم والتوقير. وكان العلامة ابن خفيف به مرض الخاصرة، فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة، فكان إذا نودي بالصلاة يحمل على ظهر رجل ويحضر به إلى المسجد فقيل له: لو خففت على نفسك ؟! فاستعظم هذا الكلام منهم، وقال إن الله يقول: يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً أَوَ في حضور صلاة الجماعة مشقة لا يمكن أدائها؟ ثم التفت إليهم وهو يعاني من مرضه – فقال: إذا سمعتم حي على الصلاة، ولم تروني في الصف، فاطلبوني في المقبرة[1].
و أهل المحافظة على صلاة الجماعة هم أقرب الناس في يوم المزيد إلى ربهم سبحانه وتعالى. قال ابن القيم:
من سبق إلى صلاة الجماعة كان سابقاً في ذلك اليوم يوم المزيد لمقابلة ربه ورؤيته، ومن تأخر عن الجماعة تأخر في ذلك الميدان، و الجزاء من جنس العمل.
والأقربون إلى الإمام فهمُ أولو الزلفي هناك فهنا هنا قربان
قرب بقرب والمبـاعد مثلـه بعد ببعـد حكمـة الديـان
ولهم منابر لؤلؤ وزبـرجـد ومنابر اليـاقوت والقيعـان
هذا وأدناهم ومـا فيهـم دنِي من فوق ذاك المسك كالكثبان
وقد وردت بعض الاثار الدالة على أن قرب المؤمنين من ربهم يوم القيامة على حسب استباقهم إلى الصلاة وشهودهم للجماعة. الجزاء من جنس العمل، فمن تقرب إلى ربه ومولاه وسارع في تنفيذ أوامره كان محظياً عنده في يوم تطاير الصحف ووضع الموزاين. أين أنت من هؤلاء ؟! سبقوا وتأخرت ونافسوا ولهوت، وتقدموا فأجلت.
ما معنى الإيمان الذي يدعيه رجال ثم هم لا يحضرون الصلاة في الجماعة، ما معنى الإيمان وما قيمة الصلاة في حياتهم ثم إذا تكلمت مع أحد منهم زعم بأنك تتهمه بالنفاق، إن الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يتهمون المتخلف عن الجماعة بالنفاق، يقول ابن مسعود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. فأي دين لهؤلاء الذي لا يعمرون المساجد، وأي إسلام لمن يسمعون النداء ثم لا يجيبون، قال الله تعالى: إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون . قال بعض أهل العلم. هم الذي لا يحضرون الصلاة في الجماعة. أين الأجيال، أين شباب الأمة، أين الرجال، والمساجد خاوية تشكوا إلى الله تعالى. إذا كان هذا حالنا مع الصلاة وهي عمود الإسلام، فكيف بباقي شرائع الدين، كيف ترتقي أمة لا تحسن المعاملة مع الله، كيف تفلح أمة لا تقدس شعائر الله، كيف تكون صادقة في الحرب أو في التعليم أو في التصنيع أو في الحضارة، أو في الإدارة وهي لا تحسن الاتصال بربها في صلاة فرضها الله عليها.
نسأل الله جل وتعالى أن يحسن أحوالنا، وأن نعظم شعائر ربنا. . .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه واتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم