خطبة الجمعة
الحثُّ علَى حُسنِ معاملةِ الزوجةِ
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهدِيه ونشكرُه ونستغفرُه ونتوبُ إِليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، من يهدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومنْ يُضلِل فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ القهَّارُ، العَظِيمُ الجبَّارُ، الكَرِيمُ الغَفَّارُ، العالِمُ بِمَا في الصُّدورِ وَخَفِيِّ الأَسْرارِ، مَهْمَا تَصَوَّرْتَ ببالِكَ فَاللهُ لا يُشْبِهُ ذلكَ. وأشهد أن سيّدَنَا وحبيبنَا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه من بعثَه الله رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا، بلّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمّةَ، فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى نبيًا من أنبيائِه. صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ وعلَى جميعِ إخوانِه النَّبيِّين والمرسلِين وءالِ كلٍّ وصحبِ كلٍّ أما بعد فيا عبادَ اللهِ أوصي نفسيَ وأوصيكم بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ،
يقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ: { مالكِ يومِ الدين } سورة الفاتحة.
ويقولُ حبيبُنا المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم: "نضَّرَ اللهُ امرَأً سمِعَ مقالتِي فوعاهَا فأدَّاها كما سمعَها"، رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دعَا لمن يسمَعُ حديثَه فيعِيهِ ثم لا يُغَيِّرُهُ ولا يبدِّلُه ثم يبلِّغُه غيرَه، دعا له بنَضْرَةِ الوجهِ أي بحسنِ وجهِه يومَ القيامةِ بالسلامةِ منَ الكآبةِ التي تحصُلُ من أهوالِ يومِ القيامة، اللهُمّ اجعَلْ وجوهَنا نضِرَةً يومَ القيامةِ، يومُ القيامةِ يومُ الأهوالِ العِظامِ والشدائدِ الجِسامِ، لذلك قال ربُّنا تبارك وتعالى: مالكِ يومِ الدين هو اللهُ تعالى مالكُ الدنيا والآخرةِ، بل مالكُ كلِّ شىءٍ، فإنَّما قالَ: { مالكِ يومِ الدين } ليُفهِمَنا عظمَ أمورِ ذلكَ اليومِ. فيا أيُّها الأحبةُ المؤمنونَ اسمعوا معي حديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، واللهَ نسألُ أن نُطبِّقَ هذا الحديثَ وأن نبلِّغَ هذا الحديثَ لغيرِنا بنيةٍ خالصةٍ للهِ تبارك وتعالى يقولُ عليه الصلاةَُ والسلامُ: "خيرُكم خيرُكم للنِّساءِ" أي الذي يحسنُ معاملةَ النساءِ هذا أفضلُكم، أفضلُ المؤمنينَ هم من يُحسِنُونَ للنساءِ أي يُحسنونَ معاملةَ النساءِ بالعطفِ والرحمةِ والإحسانِ، يُعامِلُها بالتواضُعِ والعطفِ والرحمةِ وبَشاشَةِ الوجهِ والإحسانِ والعَفوِ إذا أساءَتْ، من كانَ هكذا هو من أفضلِ الرجالِ لأن الذي يكونُ معَ امرَأتِه هكذا يكونُ معَ الغيرِ هكذا يكونُ حَسَنَ الخُلُق، صاحبُ حُسْنِ الخُلُقِ درجتُه كدرجةِ الإنسانِ الذي يصومُ صيامًا مُتتابِعًا ويقومُ الليل.
أيها الأحبةُ المؤمنونَ، التواضُع للأزواجِ مطلوبٌ والعطفُ عليهن مطلوبٌ، كثيرٌ من الرجالِ على خلافِ هذا الحديثِ يُعامِلونَ نساءَهم، لا يتواضَعُ معها، يعتبِرُ نفسَه مُتَرَفِّعًا عليها فهذا لا ينبغِي.
فيا أخِي المسلم، تواضَعْ للهِ عز وجل ولا تقابِلِ الإساءةَ بالإساءةِ، وعليك بالرحمةِ والحكمةِ والشفقةِ والمُداراةِ، واسمَعْ معي حديثَ رسولِ اللهِ وأفضلِ خلقِ اللهِ إذ قالَ: "خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلِي" معناهُ أنا أَحسَنُ معاملةً لأزواجِي منكم، أنا أُعامِلُ النساءَ أحسنَ معاملةً أكثرَ منكم، وأنتم من كانَ معاملتُه للنساءِ أحسنَ فهو أفضلُ الرجالِ، الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ من حُسنِ خُلُقِهِ لما كانَ يَبِيتُ في بيتِ إحدى زوجاتِه يخرُجُ صباحًا ويدورُ على الكلِّ يقفُ على بابِ زوجتِه هذهِ ويقولُ: "السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه أهلَ البيت". يأتِي على بابِ هذه فيسلِِّمُ عليهَا ويأتي على بابِ هذه فيسلمُ عليها، لا ينتظرُ حتى يأتِينَ هنَّ إليهِ فيسلِّمْنَ عليه، وهو أفضلُ الخلقِ وحبيبُ الحقِّ صلى الله عليه وسلم، انظُروا إلى هذهِ المعاملةِ، أيُّ سرورٍ يدخُلُ على زوجتِه هذه التي يسلِّمُ عليهَا. وهنا لا بد أنَّ نبيِّنُ إخوةَ الإيمانِ أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عدَّدَ الزوجاتِ لحكمةٍ، ليسَ لأنهُ متعلِّقُ القلبِ بالنساءِ فهو أزهدُ الناسِ وأفضلُهم، فالذي يتركُ أجملَ زوجاتِه ليلاً ويخرجُ إلى البقيعِ ليستغفِرَ للمسلمين لا يكونُ متعلِّقَ القلبِ بالنساءِ. وقد كان صلى الله عليه وسلم يحلُبُ شاتَه بيدِه في البيتِ بدلَ أن يقولَ لإحدَى زوجاتِه اُحْلُبِي أنت، كان يتولَّى خدمةَ البيتِ بنفسِه، هذا هو التواضُعُ. أيها الأحبةُ التواضُعُ مطلوبٌ، الرجلُ إذا كانَ في البيتِ خدَمَ نفسَه وخدمَ زوجتَه بدَلَ أن ينتظِرَ خدمتَها، هذا عندَ اللهِ أفضل.
إخوانِي، عليكم بعلمِ الدين، فبعلمِ الدينِ تعرفُ ما لزوجتِك عليكَ من حقوقٍ، وهي تعرِفُ أيضًا ما لكَ عليها من حقوقٍ، فقد قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "أولى الناسِ بالمرأةِ زوجُها، أحقُّ الناسِ بالمرأةِ زوجُها، وأحقُّ الناسِ بالرجلِ أمُّه". ثم من لا يُعامِلُ نساءَه في الدُّنيا بالظلمِ، يعامِلُها بالعدلِ بلا ظلمٍ، وهي أطاعَتْهُ ولم تُقَصِّرْ في حقِّه يومَ القيامةِ لا ينفِرُ هو منها ولا تنفِرُ هي منه، أما إن كانا يتعاملانِ في الدنيا بالظلمِ يومَ القيامةِ هو يفِرُّ منها وهي تفِرُّ منه خوفَ أن يطالِبَ أحدُهما الآخرَ بمظلَمَةٍ، والأبُ والأمُّ هكذا، والابنُ والأمُّ كذلك، أما إن كانوا في الدنيا يتعاملونَ بالإحسانِ بلا ظلمٍ يشتاقُ بعضُهم ليرَى الآخرَ، أما إن كان يعامِلُ أحدُهمُ الآخرَ بالظُّلمِ أو كلاهُما فهذا يفِرُّ من هذا وهذا يفرُّ من هذا. فنسألُ اللهَ تعالى أن يرزقَنا التواضعَ، وحسنَ الاقتداءِ برسولِ اللهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخُطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ . عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: {إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا} اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: {يا أيهَا الناسُ اتقُوا ربكُم إنَّ زلزلةَ الساعَة شَىء عظِيم يومَ تروْنها تذهلُ كُل مرضعةٍ عمَّا أرضعَت وتضعُ كُل ذَات حملٍ حملَها وترَى الناس سكارَى وما هم بسكارَى ولكنّ عذابَ الله شدِيد}، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.