خُطبةُ الجمُعةِ
رؤيةُ النبي محمّد صلى الله عليه وسلم في المنام
إنَّ الحمْدَ للهِ نحمَدُهُ ونستَعِينُهُ ونستَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونَستغْفِرُهُ ونَتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ ولا مَثيلَ لَهُ، ولا ضِدَّ ولا ندَّ لهُ، ولا شَكلَ ولا صورةَ لهُ، ولا جثّةَ ولا أعضاءَ لهُ، ولا حَدَّ ولا حَيِّزَ ولا مكانَ لهُ. وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا وحَبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحَبيبُه، هوَ رسولُ اللهِ محمَّدٌ، هوَ نبيُّ اللهِ محمَّدٌ، هوَ حبيبُ اللهِ محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أعْرَفُ الْخَلْقِ بمقامِ العُبوديّةِ والعبادةِ، وأعرفُ العِبادِ والعُبّادِ بالله تعالى، ذو الأخلاقِ الحسَنَةِ والسِّيادةِ عُرفًا وعادةً، أدّبَهُ رَبُّهُ فأحسنَ تأديبَهُ وجعلَ أجلَّ المناصبِ وأفخرَ المناقبِ حَظَّهُ ونصيبَهُ وسمّاهُ أحمدَ ومحمّدًا وجعلَ أمّتَهُ خيرَ أمَّةٍ أُخرِجَتْ للناسِ ، ليسَ بفظٍّ ولا غليظٍ ولا سخّابٍ في الأسواقِ ولا يجزي بالسيّئِة السيِّئةَ ولكن يَعفو ويصفَحُ، فتحَ اللهُ بهِ أعينًا عميًا وءاذانًا صُمًّا وقلوبًا غلقًا صلاةٌ وتسليمٌ وأزْكَى تحيّة على المصطفَى والآلِ ما هبَّتِ الصبَا، فيا ربَّنا يَا رَبَّ الكونِ يا مَنْ أنزَلْتَ القرءانَ على محمَّدٍ، يا رَبَّنا يا واسعَ الكَرَمِ والجودِ صَلِّ وسلِّمْ على سَيِّدنا محمَّدٍ وعَلى ءالِه الساداتِ الكرامِ ذَوي الشِيَمِ العظامِ وصحابتِه الأخيارِ مِنَ المهاجِرينَ والأنصارِ سِيَّما أَبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ خُلفاءِ الدِّينِ وحُلفاءِ اليقينِ .
أمَّا بعدُ إخوةَ الإيمانِ، أوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القديرِ القائلِ في محكمِ كتابِه:
{ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}(سورة النساء/69)
أيُّهَا الإخوةُ، إنَّ اللهَ اصطَفى أشرفَ العالمينَ سيِّدَنا محمَّدًا وفضّلَه على خَلقِهِ أجمعينَ .
إخواني، إنَّه المولدُ، إنَّه رَبيع الأوَّل، فيطيبُ لنَا الكلامُ عنْ ولادةِ سَيِّدِ المرسلينَ وعنْ صفاتِه صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، واليومَ عنْ رؤيتِه في المنامِ فيا لها مِنْ بُشْرَى عظيمةٍ أسألُ اللهَ أنْ يتفضّلَ علينَا بها في كُلِّ ليلةٍ، إنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شىءٍ قديرٌ.
فَلْيُعْلَمْ أيُّها الأحِبَّةُ أنَّه يجوزُ أنْ يُرَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في المنَامِ بصورتِه الأصليةِ، فقَدْ رَوَى البخاريُّ مِن حديثِ قَتادةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مَنْ رَءاني في المنامِ فقدْ رَأى الحقَّ فإِنَّ الشيطانَ لا يتزيَّا بي " .
أيْ مَنْ رَأى صورتي الأصليةَ في المنامِ فقدْ رَأى خاتمَ النبيينَ وذلكَ لأنَّ اللهَ تعَالى لم يُعطِ الشيطانَ القُدرةَ عَلى أن يَتشكَّلَ بصورةِ سَيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ .
وَلْيُعْلَمْ أيضًا أنَّ مَنْ رَأى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في المنامِ فذلكَ بُشرى لهُ بأنهُ يموتُ عَلى الإيمانِ وتثبُتُ البُشْرى لمن رءاه، سواء رءاه بصورة طفلٍ أو شابِّ أو شيخٍ كبيرٍ إن وقع في قلبه انّ هذا الذي رءاه رسولُ الله، فقدْ رَوَى البخاريُّ مِنْ حَديثِ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: "مَنْ رَءاني في المنَامِ فسَيراني في اليَقظَةِ".
وبيانُ ذلكَ أنَّ رؤيةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في المنامِ فيهَا بُشْرى كبيرةٌ للرَّائِي وهيَ أنَّه لا بُدَّ أنْ يَراهُ في اليقَظةِ حَتى لوْ كانَ حينَ رؤيتِه لِرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عَلى غيرِ دِينِ الإسلامِ فإنَّه لا بُدَّ أن يُسْلِمَ ويَرى رسولَ اللهِ يقَظةً قبلَ أنْ يُفارقَ الدنيَا ويموتَ على الإيمانِ .
ولقَدْ قيلَ: كانَ رَجلٌ بالبِصرةِ يصنعُ مولِدًا للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في كُلِّ سَنةٍ وكانَ إلى جانبِه رجلٌ يهوديٌّ فقالَتْ زوجتُه: مَا بالُ جارِنا المسلمِ يُذهِبُ في كُلِّ سنةٍ في مِثْلِ هذا الشهْرِ مَالاً كثيرًا ؟ فقالَ لهَا: يزعُمُ أنَّ نبيَّهُ وُلِدَ فيهِ، فلمَّا نامَتِ المرأةُ تلكَ الليلةَ رأتْ رَجُلاً عليهِ جلالةٌ ووقارٌ وهَيبةٌ وأنوارٌ وهوَ بينَ الصحابةِ يمشِي كأنَّهُ القمَرُ، فقالَتْ لأحدِهِمْ: مَنْ هَذا الكثيرُ الأنوارِ ؟ قالَ: هذا النبيُّ العربيُّ المختارُ، قالَتْ: أيُكلِّمُني إذَا كَلَّمْتُهُ ؟ قالُوا لها: إنَّهُ ليسَ بمتكبِّرٍ ولا مُتجبِّرٍ، فقالَتِ اليهوديةُ: يا محمَّدُ، فأجابهَا بعذوبةٍ وبقولٍ لَيِّنٍ ، فقالَتْ: تقولُ لمِثْلي هذا القولَ وأنا على غيرِ دِينِكَ ؟ فقَالَ لها: ما قلتُ لكِ ذاكَ إلا وقَدْ عَلِمْتُ أنَّ اللهَ قدْ كتبَ لكِ أنْ تهْتَديْ . فقالَتْ: إنّكَ لَنبيٌّ كريمٌ وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عظيمٍ وأنَا أشهدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وأنَّكَ محمَّدٌ رسولُ اللهِ. ثمَّ نذَرَتْ في نَفْسِها أنها إذَا أصبحَتْ تتصَدَّقُ بجميعِ مَا تملِكُه فرَحًا بإسلامِها وتصنعُ مولِدًا للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فلَمَّا استيقظَتْ مِنْ منامِهَا تشهَّدَتْ، قالَتْ: أشهدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، ثم رأتْ زوجَهَا قدْ هَيَّأ الوليمةَ وهو في هِمَّةٍ عظيمةٍ، فقالَتْ: أراكَ في هِمَّةٍ صالحةٍ، فقالَ: مِنْ أجْلِ الذِي أسْلَمْتِ عَلى سَبَبِهِ البارحَةَ، قالَتْ: مَنْ كَشَفَ لكَ هَذا السِّرَّ وأطْلَعَكَ عليهِ؟ قالَ: الذي أسْلَمْتُ بَعدَكِ البارحَةَ عَلى سَببِهِ.
وقدْ وردَ بالإسنادِ المتصلِ أنَّ رَجُلاً كانَ في عَصْرِ السلَفِ أيْ في وَقْتٍ قريبٍ مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وذلكَ بعدَ نحوِ مِائةٍ وخمسينَ سنَة يُسمَّى الحسنَ بنَ حَي هَذا كانَ مِنَ العلماءِ العامِلينَ مِنْ أهْلِ الحديثِ الأتقياءِ ولَهُ أخٌ مِثْلُُهُ، هذا الحسَنُ بنُ حَي لما كانَ عَلى فِرَاشِ الموْتِ سمعَهُ أخوهُ يَقرأُ قَوْلَ اللهِ تعَالى: { وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} .
وكانَ بجانبِه أخوهُ، فقالَ لَهُ: يَا أخي تتلُو تِلاوةً أمْ مَاذا ؟ قَالَ: لا، إني أَرَى رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يضحكُ إليَّ ويُبشِّرُني بالجنَّةِ وأرَى الملائكةَ وأرَى الحورَ العِين .
فالوعدُ الذِي وَرَدَ في الحديثِ "فسَيراني في اليقَظةِ" يُرادُ بهِ الرؤيةُ في الدنيا قبلَ الموْتِ .
نسألُ اللهَ تعَالى أنْ يرزقَنا رؤيتَهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في المنَامِ هذِه الليلةَ إنَّهُ عَلى كُلِّ شَىءٍ قَديرٌ .
هذَا وأستغفرُ اللهَ لي ولَكُمْ
شرح بعض المفردات :
المناقب: في لسان العرب المَنقَبةُ كَرَمُ الفعلِ
ليس بفظٍّ: في لسان العرب رجلٌ فظٌّ ذو فظاظةٍ جافٍ غليظٍ
الشِّيم : في لسان العرب الشِّيْمَةُ الْخُلُقُ
حُلفاء اليقين: يلازمون
جلالة : في لسان العرب أي عظُمَ قدرُه فهو جليل