حثُ النَّاسِ على الدّعوةِ إلى الدِّينِ مع بيانِ فضائلِ هذا العملِ العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِ الله فلا مُضلَّ له ومنْ يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدُ لا شريكَ له ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا مكانَ له، وأشهدُ أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّةَ أعيننا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيّه وحبيبُه صلى الله وسلّم عليه وعلى كلِ رسولٍ أرسلهُ.
الصّلاةُ والسلامُ عليكَ يا سيدي يا أبا القاسِم يا أبا الزهراء يا محمّد، والصّلاةُ والسلامُ عليكَ يا علَمَ الهُدى يا رسولَ اللهِ يا محمّد، يا محمّد ضاقت حيلتُنا وأنتَ وسيلتُنا أدرِكنا يا رسولَ الله أدرِكنا بإذنِ الله.
أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ الذي أنزلَ على قلبِ عبدهِ وحبيبه ونبيّه محمدٍ في سورةِ ءالِ عِمران: { ولْتَكُن مِّنكُمْ أُمّةٌ يدْعُونَ إلى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }104
ويقولُ حبيبُنا محمّدٌ صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ:" نضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مقالَتي فوعَاها فأداهَا كمَا سمِعَها".
فهذا الحديثُ فيهِ أنّ الرسولَ صلى الله عليهِ وسلّمَ دعَا لمنْ يسمعُ حديثَهُ فيعيهِ ثم لا يُغيِّرُه ولا يُبدِّلُه ثم يُبلِّغُه غيرهُ بِنَضرةِ الوجهِ أي يحسنِ وجههُ يومَ القيامةِ بالسلامةِ منَ الكآبةِ التي تحصلُ منْ أهوالِ يومِ القيامةِ.
فكمْ هوَ عظيمٌ أنْ يرى المؤمنُ الصالحُ في صحيفةِ أعمالهِ يومَ القيامةِ أعمالَهُ الصالحةَ، منها نشرُهُ لعلمِ الدينِ، نشرُهُ لعقيدةِ الأنبياءِ والمرسلين، نشرُهُ لعقيدةِ التوحيدِ، عقيدةِ التنزيهِ أي تنزيهِ اللهِ عنْ مشابهةِ خلقِهِ أي تنزيهِ اللهِ عنِ الهيئةِ والصورةِ والشكلِ والجسمِ والمكانِ. تفكروا في قول الله تعالى:{ وإذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ }10 التكوير
فليتفكرِ الواحدُ منَّا بهذهِ الآيةِ القرءانيةِ العظيمةِ:
{ وإذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ }
يعني صُحُفَ الأعمالِ التي كتبتْ فيها الملائكةُُ ما فعلَ أهلُها منْ خيرٍ أو شرٍّ فإنها تُطوى بالموتِ وتُنشرُ يومَ القيامةِ فيقفُ كلُّ إنسانٍ على صحيفتِه فيعلَمُ ما فيها.
يقول الله تعالى:{ وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرى المُجْرِمينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فيهِ وَيَقُولُونَ يَاويْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغيرةً ولا كَبِيرَةً إِلاَ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَا ولاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} 49الكهف
سلْ نفسكَ أخي المؤمنَ كمْ تصرفُ منْ أنفاسِكَ المعدودةِ في نشرِ علمِ الدينِ بين الناسِ، في نشرِ ما تسمعُ منَ الخيراتِ بينَ الناسِ، فبادِرْ دائمًا بالسرعةِ للعملِ الصالحِ من غيرِ كسلٍ ولا مللٍ، قال الله تعالى في سورة الزلزلة:{ فمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خيْرًا يَرَهُ } 7
واسمع معي جيدًا قولَ نبيِّ اللهِ عيسىَ عليهِ السلامُ حيثُ قالَ لخيرةِ أصحابهِ للحَواريين :" ما تَصنعونَ؟ قالوا نصيدُ السمَك، قال: أفلا تمشونَ حتى نصيدَ الناسَ".
أي لإدخالهم في دينِ الإسلامِ. فصاروا يصطادونَ الناسَ للخيرِ يهدونهم بإذن اللهِ إلى دينِ الإسلامِ العظيم.
فكنْ أخي المسلمَ صيّادًا للناسِ للخيرِ وأبعِدْهُمْ ونفسَكَ عنِ الشرِّ ولا تقُلْ كمَا يقولُ بعضُ الناسِ بالعامّيةِ من جهلهم ( ما دخلني) بل أنتَ مأمورٌ بالأمر بالمعروفِ والنهْيِ عنِ المنكرِ، قال الله تعالى: { كُنْتُمْ خيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرونَ بِالمعروفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} سورة ءال عمران / 110.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنّ الناسَ إذا رأوُا المنكرَ فلَمْ يُغيِّروهُ أوشَكَ أنْ يعمَّهُمُ اللهُ بعقاب" رواهُ الإمام أحمد في مسنده ومعناه أنّ اللهَ ينتقمُ منهُم إذا تركوا النّهيَ عنِ المنكرِ في الدنيا قبل الآخرة.
والساكت عن الحقِ شيطانٌ أخرسُ.
واعلموا أنّ المنكرَ إذا لم يُنكرْ ينتشرُ ويتوسعُ، وقد حصلَ في أوائلِ القرْنِ الرابعِ الهجريِّ بناحيةِ نَيسابورَ في بلادِ فارسَ الإسلاميةِ أنّ طائفةً منَ المبتدعةِ منَ المشبِّهةِ ظهرَتْ وقوِيَ أمرُهَا حتى صارَ بعضُ العلماءِ يهرُبونَ منْ فتنتِهِمْ إلى الجبالِ فتصدّى لإطفاء هذه الثائرةِ بعضُ المحقِّقينَ منْ علماءِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ منهُمْ أبو إسحاقَ الأسفرايينيُّ الذي كانَ منْ أكابِرِ علماءِ أهلِ السُّنةِ جبلاً منْ جبالِ العلمِ ولا سيما في علمِ العقيدةِ والنّضالِ عنها فصارَ يقولُ لهؤلاءِ الذينَ أوَوْا إلى الجبالِ:" يا أكلَةَ الحشيشِ تَتْرُكونَ دينَ محمَّدٍ تلعَبُ بهِ الذئابُ".
صارَ يوبِّخُهُم ويُعيِّرُهُم بما معناه لمَ لمْ تثبتوا بينَ الناسِ حتى تدافعوا بالحُجَّةِ والبيان عنْ دينِ الإسلامِ العظيم.
إخوةَ الإيمانِ، لقدْ أردنا منْ خِطابنا اليومَ الحثّ على الدعوةِ إلى الدينِ معَ بيانِ فضائلِ هذا العلمِ العظيمِ، فلقد قالَ العلامةُ المحدِّثُ الشيخُ عبدُ اللهِ الهرريُّ حفظهُ اللهُ تعالى:" فَلْيكونوا في ازديادٍ منَ الرّغبةِ بالعلمِ في تعلُّمِهِ وتعليمِهِ ونشْرِهِ بينَ النّاسِ ". وقال رضي الله عنه أيضًا:" أوصيكُم بعلمِ الدِّينِ، عِلْمُ الدِّينِ هوَ الدليلُ على السعادةِ الأبديةِ التي لا نهاية لها".
فسارِعْ أخي المسلمَ إلى مجالسِ علمِ الدينِ واحْضُرْ فيها قالَبًا وقلْبًا ودوِّنْ ما تتعلّمُ واخْرُجْ إلى الناسِ معلِّمًا ناصحًا مُرشِدًا لهمْ مُبيِّنًا لهمْ ما هوَ الحقُّ وما هو الباطلُ وما هو الحلالُ وما هوَ الحرامُ وما هو الخيرُ وما هو الشرُّ وما هوَ الكفرُ وما هو الإيمانُ. واعلمْ أنّ العِلْمَ الذي يُكتَبُ يبقى فإنهُ لو نسيَ الشخصُ يرجعُ إلى ما كتبَ. ولو قيل:
منْ حازَ العِلْمَ وذاكرهُ سَعِدَتْ دُنياهُ وءاخِرتُهْ
فأدِمْ للعِلْمِ مُذَاكرةً فحياةُ العِلْمِ مذاكرتُهْ
هذا وأستغفر الله لي ولكُمْ.