هنالك العديد من الأسئلة التي تراود الشخص المعالج عندما يعرض عليه الطبيب استخدام دواء ضد الاكتئاب. أول هذه الأسئلة عادة ما يكون: "هل يؤدي هذا الدواء للإدمان؟"، ثم أليس من الأفضل مواجهة هذه الحالات النفسية بشكل مباشر دون استخدام العقاقير؟ وبما أن هذه الأدوية والمستحضرات تؤثر على الدماغ ونفسية الإنسان، أليس من الممكن أن تؤدي إلى تغيير في شخصية المريض؟
بشكل عام، عادة ما يكون الجواب لدى الطبيب النفسي عفويا ومباشرا، ومعتمدا على الخبرة العملية بالأساس، بأن هذه الأدوية التي تقضي على أعراض الاكتئاب والخوف، من شأنها أن تحسن مجرى الحياة اليومية وتطور العلاقة بين الشخص وبين محيطه العام. ولذلك فهي بالتأكيد لا تغير الشخصية.
هذا التساؤل المتكرر حذا بمجموعة من الباحثين في جامعة "نورث ووستيرن" الأمريكية، أن يقوموا بإجراء بحث حول تأثير العقاقير المضادة للاكتئاب على صفات شخصية المرء الذي يستخدمها. أما الأدوية التي تم فحص تأثيرها فتتبع لمجموعة الـ SSRI، أكثر مجموعات الأدوية استخداما في علاج الاكتئاب.
ومن أجل إجراء البحث، قام العلماء بتعريف مجموعتين من المميزات النفسية. المجموعة الأولى هي المجموعة الإيجابية والمتمثلة بالثقة بالنفس، التفاؤل والطموح. أما المجموعة الثانية فاشتملت على المشاعر السلبية كالخجل، التشاؤم والميل للعزلة. وقد اعتمد البحث على إجراء مراقبة لمجموعتين من المرضى، خضعت إحدى المجموعات للعلاج بواسطة عقاقير حقيقية، بينما "عولج" أفراد المجموعة الثانية بواسطة "عقاقير وهمية". وقد كان هنالك تحسن في حالة الشخص النفسية وانخفاض بمعدلات الاكتئاب لدى أفراد المجموعتين، وإن كان التحسن أكبر لدى المعالجين بالعقاقير الحقيقية.
بعد مرور فترة من الزمن، ومن خلال نموذج أسئلة خاص، وصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن تغييرات حقيقية قد حصلت في مميزات الشخصية لدى المعالجين. فقد انخفض مستوى المشاعر السلبية لدى المعالجين بالأدوية الحقيقية وارتفع مستوى المشاعر الإيجابية التي تؤدي إلى إنجازات أكبر على المستوى الشخصي. هذه الصفات الإيجابية بقيت مرافقة لهؤلاء الأشخاص حتى بعد توقف العلاج بالأدوية.
هذا الأمر أدى بالباحثين لأن يعلنوا نتائج بحثهم على عجل، وقالوا إن للأدوية المضادة للاكتئاب تأثير على مواصفات ومميزات الشخصية، إلا أن هذا التأثير هو إيجابي وليس سلبيا. بينما قالت أبحاث أخرى جاءت من مصادر مختلفة بأن مرضى آخرين، تعالجوا بأدوية من نفس العائلة، صرحوا عن شعورهم بهبوط في مستويات المشاعر العامة لديهم. وبأنهم باتوا يشعرون بنكران الذات وحتى لا مبالاة عامة كعامل مركزي في شخصياتهم. ومن ابرز المؤشرات، كما يقول العلماء، على هذه الصفات السلبية، هو الانخفاض بالرغبة الجنسية ومشاعر اللامبالاة في كل ما يتعلق بالحياة الجنسية لدى الشخص.
إذا هل نحن بصدد عقاقير وأدوية تؤثر على الشخصية؟ سواء كان التأثير إيجابيا أو سلبيا...
يمكننا فحص هذا الأمر، ولكن أليس الأجدى بنا أن نضع تعريفا واضحا لمصطلح "الشخصية" قبل ذلك؟
ما هي الشخصية؟
على ما يبدو، وهذا مجرد اعتقاد نظرا لـ"مطاطية" تعريف الشخصية، بأن المصطلح يحاول وصف مجموعة المنظومات التي نستخدمها في ذاتنا من أجل مواجهة الوضعيات النفسية المختلفة والمتغيرة، منظومات الاتصال المدموجة مع مجموعة المشاعر التي تتولد لدينا في كل ظرف من الظروف التي نمر بها. بالإضافة طبعا إلى ردة الفعل الأولية على التغييرات والضغوط النفسية وعلاقاتنا مع المحيط، سواء كان المحيط أفرادا، جماعات أو حتى مؤسسات. "الشخصية" هي الطريقة التي نؤثر من خلالها على محيطنا وعالمنا، وهي المدى الذي نتأثر به من محيطنا. هي باختصار مجموع أساليب تصرفنا في الظروف المختلفة التي نمر بها.
ولنعد إلى البحث الأمريكيالآن، فإذا كانت الأدوية تؤثر فعلا على الشخصية، وإذا كانت الحالات النفسية السلبية بدأت بالانخفاض مع بداية العلاج، فكيف استمر تأثيرها على المرضى حتى بعد توقف تناولها؟
يبدو أن هذه الأدوية ساهمت، مرة واحدة وإلى الأبد، بإزالة القيود النفسية التي كانت تمنع الشخص المريض من إطلاق قدراته الحقيقية والتعبير عنها.
ولنأخذ مثالا الحالة النفسية المتمثلة بالخوف من الوقوف أمام الجمهور، هذه الحالة تؤدي إلى وضع يكون الشخص فيه واقفا، محمر الوجه، يرتعد خوفا ويتصبب عرقا باردا لمجرد أنه يفكر بأن الجمهور أمامه يراه خائفا، وهذا الأمر يزيد خوفه نفسه. هذه الظاهرة هي دائرة سحرية، تخلق كل مرحلة فيها المرحلة القادمة الأكثر تطورا وتكون نتيجة للمرحلة التي سبقتها.
في هذه الحالة، يكفي أن يحقق هذا الشخص نجاحا حقيقيا واحدا ليعكس اتجاه الدائرة السحرية بـ 180 درجة. ولا يهم إن كان هذا النجاح قد تسبب في أعقاب علاج نفسي أو علاج بالعقاقير، المهم هو النتيجة، والأهم أن نجاحا واحدا سيخلق ثقة بالنفس تخلق بدورها النجاح القادم، وهكذا تبدأ الدائرة السحرية بالعمل بالاتجاه الإيجابي بدل الاتجاه السلبي الذي كانت تسير به.
هذا الوضع يخلق إنسانا جديدا له صفات مختلفة عن تلك التي كانت قبل أن يمر بالتجربة الناجحة. وسيستمر الوضع الإيجابي الذي يتمتع به الشخص حتى بعد إيقاف تناول الأدوية التي كانت وظيفتها تقتصر على كسر القيود في البداية فقط.
وبالرغم من وجود بعض الحالات التي أبلغ أصحابها عن فتور في مشاعرهم أو هبوط في الرغبة الجنسية في أعقاب استخدام بعض الأنواع من الأدوية، يبقى الأساس أن هذه العقاقير تؤدي إلى التغيير في الحالة النفسية، ويبقى أمر استخدامها أو استخدام غيرها موضوعا للبحث الشخصي بين الطبيب والمريض.
والحقيقة أن على المريض قبل أن يدخل في دوامة التساؤلات هل تؤثر هذه الأدوية على الشخصية أو لا، أن يتذكر لماذا جاء إلى الطبيب، وأن يعرف أن هذه العقاقير تساهم في تحسين حالته النفسية، سواء أسماها تأثيرا على الشخصية أو اعتبرها تأثيرات من أنواع أخرى على النفسية، فليس هذا هو المهم، والمهم أن النتيجة النهائية هي حسنة بالتأكيد، ولذلك لا مكان للخوف من التجاوب مع اقتراح الطبيب بتناول هذه الأدوية.
موضوع: هل تؤثر عقاقير الاكتئاب على الشخصية؟ 
29/10/2010, 08:48
