الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
كثيرا ما نسمع عن أحوال غريبة تحصل هنا وهناك من حرق للبيوت ، وعبث في الأثاث ، وسرقة من المحتويات ، أو سماع أصوات غريبة في بعض المنازل ، ونحو ذلك من أشكال الإيذاء التي قد يتعرض له ساكنو تلك البيوت ، وقد ورد في السنة النبوية المطهرة ما يثبت وجود نوع من أنواع الجن يحلون ويظعنون وهم ما يطلق عليهم اسم ( العمار ) ، وهذا الصنف قد يصدر منه بعض المظاهر آنفة الذكر ، فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه أبي ثعلبة الخشبي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الجن ثلاثة أصناف ، فصنف لهم اجنحة يطيرون بها في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون ) ( صحيح الجامع 3114 ) 0
وقد حكى ابن عقيل في " الفنون " حيث قال : ( كان عندنا بالظفرية يعني من بغداد دار كلما سكنها ناس أصبحوا موتى ، فجاء مرة رجل مقرئ فاكتراها وارتقبناها فبات بها وأصبح سالما فتعجب الجيران ، فأقام مدة ثم انتقل فسئل فقال : لما بت بها صليت بها العشاء وقرأت شيئا من القرآن وإذا شاب قد صعد من البئر فسلم علي فبهت 0 فقال : لا بأس عليك علمني شيئا من القرآن فشرعت أعلمه 0 ثم قلت : هذه الدار كيف حديثها ؟ قال : نحن جن مسلمون نقرأ ونصلي ، وهذه الدار ما يسكن بها إلا الفساق فيجتمعون على الشر فنخنقهم 0 قال : ففي الليل أخافك فتجيء نهارا 0 قال : نعم 0 قال : وكان المصعد من البئر بالنهار وألفته فبينما هو يقرأ إذا بمعزم في الدرب يقول : المرقى من الدبيب ومن العين ومن الجن 0 فقال : أي شيء هذا ؟ قلت : معزم 0 قال : أطلبه فقمت وأدخلته فإذا أنا بالجني قد صار ثعبانا في السقف فعزم الرجل فما زال الثعبان يتدلى حتى سقط في وسط المندل فقام ليأخذه ويضعه في الزنبيل ، فمنعته ، فقال : أتمنعني من صيدي ، فأعطيته دينارا وراح فانتفض الثعبان وخرج الجني وقد ضعف ونحل واصفر وذاب 0 فقلت : مالك ؟ قال : قتلني هذا بهذه التعزيمات الإسلامية وما أظنني أفلح ، فاجعل بالك متى سمعت في البئر صراخا فانهزم : قال : فسمعت في الليل النعي فانهزمت 0
قال ابن عقيل : وامتنع أحد أن يسكن تلك الدار بعدها والله أعلم 0
قلت : استوقفني في القصة المذكورة آنفا أمر يتعلق بقصة الجني حيث قال " قتلني هذا بهذه التعزيمات الإسلامية " والذي أعرفه ويعرفه كل معالج متمرس في هذا المجال أن القرآن والتعزيمات الإسلامية لا تؤثر من قريب أو بعيد بالجن المسلم ، بل على العكس من ذلك تماما ، فهي طمأنينة لقلوبهم وراحة لأسماعهم ، وقد حرصوا على سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكون تأثير هذه التعزيمات الإسلامية إلا على شياطين الجن فتحرقهم وتضعفهم وتنال منهم بإذنه سبحانه ، وبكيفية لا يعلمها الا الله عز وجل ، ولذلك نرى بعضا من الشياطين يصرخون ويحترقون من سماع القرآن ، وعند إسلامهم وعودتهم وإنابتهم للحق سبحانه وتعالى تراهم قبل مرحلة مفارقـة الجسد يخشعون ويتفاعلون مع سماع القرآن وتطمئن قلوبهم به ، وقد يذرفون الدموع خوفا وخشية من الله سبحانه وندما على ما ارتكبوا من معاصي وآثام ، وبعض القصص الواردة في هذه الموسوعة تؤكد على هذه الحقيقة ، والله تعالى أعلم 0
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إيذاء الجن والشياطين برمي الحجارة وإغلاق المصباح فأجابت :
( قد يكون هؤلاء نفرا من شياطين الجن اعتدوا عليك وعبثوا بك لتخرج من البيت أو لمجرد العبث بك واللعب عليك وقد يكون منهم انتقاما منك لإيذائك إياهم من حيث لا تعلم ، وعلى كل حال الجأ إلى الله وتحصن بتلاوة كتاب الله في البيت وقراءة آية الكرسي عندما تضطجع في فراشك للنوم أو الراحة ، وتستعيذ بالله من شر ما خلق وتقول أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات ) ، وتقول كلما دخلت البيت : ( اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج باسم الله ولجنا وباسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ) ، وتقول عند كل صباح ومساء ثلاث مرات : ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ) 0
وبالجملة تحافظ على تلاوة القرآن في البيت وغيره ، وعلى الأذكار النبوية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فتذكر الله بها في أوقاتها ليلا ونهارا في البيت وغيره وتجدها في كتاب الكلم الطيب لابن تيمية ، وكتاب الوابل الصيب لابن القيم وكتاب الأذكار للنووي وغير ذلك من كتب الحديث ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) ( مجلة البحوث الإسلامية – العدد 27 – ص 76 ، 77 ) 0
ومن هنا فإن حصول أمور وأحداث قريبة من ذلك ونحوها لا تثير الدهشة والاستغراب ، خاصة إذا علم أنه قد حصل من ذلك الكثير قديما وحديثا ، ونقل التواتر بذلك 0
وسوف أستعرض هنا الطريقة أو الكيفية التي يسلكها المعالِج في متابعته لتلك الأحوال وعلاجها بإذن الله سبحانه تعالى :
أولا : الأسباب الرئيسة لتسلط الجن والشياطين : لا بد للمعالِج من إدراك السبب الرئيسي لمثل تلك الأفعال والتصرفات ، وأوجزها بالأمور التالية :
أ- الإيذاء عن طريق السحر والسحرة : إن من أكثر الأساليب شيوعا في حصول هذه الظاهرة في البيوت الإسلامية تسلط الجن والشياطين عليها بواسطة السحر والسحرة حيث يقوم السحرة برصد الجن والشياطين فيعبثوا في تلك البيوت ويعمدوا إلى إيذاء أهلها بالحرق أو السرقة أو العبث ونحوه 0
قصة واقعية : وتلك قصة أسرة عانت من مشكلة تتعلق بعدم انتظام الكهرباء في المنزل الذي تسكنه ، وقام الأخصائيون والفنيون بمعاينة المكان دون تحديد أية أسباب معلومة لتلك الظاهرة ، وطرأت فكرة لإحدى الفتيات ممن يسكن هذا المنزل بقراءة سورة البقرة ، وحال انتهاء الفتاة من ذلك ، بدأت النيران تشتعل في أنحاء المنزل وجوانبه ( قلت : معلوم أن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان كما ثبت في الصحيح ، وقراءة هذه السورة العظيمة تؤثر بطريقة تتأذى منها الأرواح الخبيثة فتنصرف هاربة من البيت وفي ذلك دلالة على تأثير ونفع هذه السورة بطبيعة وكنه لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ) ، ومن هنا وبسبب تعرض الأرواح للإيذاء الشديد من جراء هذا الفعل ، بدأ الإيذاء يشتد على أهل البيت وساكنيه ، وعانت تلك الأسرة معاناة شديدة ، وقد تبين بعد ذلك بأن المنزل وأهله قد تعرضا لسحر من قبل الخادمة التي غادرت المملكة منذ فترة وجيزة 0
وبدأت مرحلة العلاج في إقامة الحجة بالدليل والبرهان على عمار هذا المنزل ، وطرح كثير من الأمور الاعتقادية ، أو المتعلقة بالشريعة والدين ومن ثم استخدام أسلوب الترهيب والترغيب وقراءة بعض الآيات الدالة على ذلك ، والتركيز على أن هذا الفعل والإيذاء يعتبر من الظلم الذي حرمه الله سبحانه وتعالى ، وبعد فترة هدأ كل شيء بفضل الله سبحانه وكرمه ومنه ، ومن الأمور العجيبة والغريبة التي حصلت بعد ذلك ، أن إحدى الفتيات سمعت بعد منتصف الليل بقليل صوت أذان ، فاعتقدت أنها تتوهم ذلك ، إلى أن سمع أخوها ما سمعت فحمدت الله سبحانه وتعالى وأثنت عليه