هل يرفض طفلك تناول الطعام؟ هل بدأت تلاحظين انخفاضا كبيرا في وزنه؟
إن كان طفلك رافضا للتناول الطعام رغم عدم وجود أي مانع عضوي أو صحي، فيبدو أن المشكلة هي نفسية. ولكن لا حاجة بك للشعور بالإحباط أو الفشل، فخلال سنوات العمر الأولى يعاني 25% من الأطفال من مشاكل مختلفة واضطرابات في التغذية، بينما يجري تعريف 2% على أنهم رافضون لتناول الطعام. وهي مشكلة معروفة لدى الأطفال تؤدي بشكل مباشر إلى فقدان الحيوية والوزن معا. أما على المدى البعيد، فإن تأثير هذه الاضطرابات قد يصل حد التوقف عن النمو السليم والمشاكل الاجتماعية.
وتعتبر العلاقة الثلاثية (الأم، الطفل والطعام) علاقة أساسية في مفاهيم الأمومة، وعندما يحصل أي خلل في سير عملية التغذية السليمة، فإنه عادة ما يكون ناتجا عن خلل في التواصل بين الأم وطفلها (مس بمثلث العلاقات) أو حتى من صراع قوى خفي بينهما.
والحقيقة أنه تم إجراء عدد كبير من الأبحاث في هذا المجال، غير أن جانبا واحدا من جوانب هذا المجال لم يبحث من قبل إطلاقا: دور الأب في تغذية الطفل.
فقد فحص بحث جديد أجري في مستشفى "سوروكا" في بئر السبع مؤخرا معطيات حول التأثيرات المتوقعة لتدخل الآباء في عملية تغذية الأطفال. وقد شمل البحث 28 عائلة لديها أطفال رافضين لتناول الطعام دون سبب عضوي، وكانت أعمارهم بين السنة الواحدة والثلاث سنوات. من جهة أخرى أقيمت "مجموعة مقارنة" مشكلة من 29 عائلة ليس لدى أطفالها أية اضطرابات في التغذية.
وقد تم اختيار العائلات في كلا المجموعتين من بيئة متقاربة، فقد تم التشديد على علاقة الجوار بين العائلات، كما تم الاهتمام بأن تكون العائلات طبيعية من حيث التركيبة، أي ليست عائلات أحادية الوالد. وراقب الباحثون في بحثهم مجريات الأمور خلال ساعات النهار، واهتموا بمراقبة العلاقات بين الأم وطفلها بنفس القدر الذي اهتموا بمراقبة علاقة الوالد بالطفل، ووثقوا هذه المجريات بواسطة تصوير الفيديو.
وتقول إحدى الباحثات: "عندما حللنا المعطيات، اكتشفنا أمورا مثيرة للاهتمام. فقد تم تشخيص صفات استعلائية، تسلطية وقلة في المشاعر لدى الأمهات في مجموعة البحث. بالمقابل فقد كانت العلاقة ممتازة بين الأم وطفلها في العائلات التي كانت ضمن مجموعة "المقارنة"، وذلك نتيجة للدور الإيجابي الذي يلعبه تدخل الأب في العلاقة بين الطفل وأمه، خصوصا في الجانب المتعلق بالتغذية. بالإضافة لذلك، فقد أدى تدخل الأب في العائلات التي لها أطفال "رافضون للأكل" إلى تحسن ملحوظ في العلاقة بين الأم وطفلها وإلى تحسن في تعامل الأم مع رفض ابنها لتناول الطعام.
ويضيف باحث آخر شارك في هذه الدراسة إن تغذية الطفل ليست جزءاً من الدور التاريخي للأب، وليس عليه أي نوع من الضغوط الاجتماعية. ولذلك، حين يقوم الأب بإطعام الطفل، فإنه يقوم بذلك بحرية ودون أي ضغط وبعفوية كاملة، فتكون النتيجة أكثر نجاحا.
وقد شملت الدراسة مراقبة لثلاث وظائف في تربية الطفل، هي التغذية، الحمام وإلباس الطفل، فتبين أن العائلات التي تدخل الأب فيها بهذه الأمور شهدت توترا أقل بالعلاقة بين الأم وطفلها. بينما زاد تدريجيا مستوى التوتر في العلاقات بين الأم والطفل، بل وبين الأب والطفل في العائلات التي لم يكن للأب أي دور في هذه الوظائف.
ومما يميز أمهات الأطفال الرافضين لتناول الطعام أنهن متسلطات، دائمات الخوف وعادة ما تكون في ماضيهن مشاكل خاصة بهن تتعلق بموضوع الأكل. ولكن ما يزيد الأمر سوءاً في هذه الناحية هو أن الأم تقوم بشكل متطرف وخاطئ بإلغاء دور الأب مطلقاً، الأمر الذي يفاقم المشاكل.
ويبقى السؤال الأهم: ما الذي يحرك الطفل الرافض، ويجعله رافضا؟
إنه يرغب بالتحرر من سلطة الأم ويثور على محاولتها اتخاذ القرارات المتعلقة برغباته. وما رفضه هذا إلا محاولة لوضع الحدود، فهو بكل بساطة يريد أن يقول لها أنه هو الذي يقرر متى وكم يأكل، وأن باستطاعته أن يطلب منها عندما يحتاج للطعام.
بينما تؤدي قلة معرفة الأمهات لهذه الأسباب التي تدفع أطفالهن للتصرف بهذه الطريقة، لضغط أكبر على نفسياتهن. ولا بد من الإشارة أنه لو أتاحت الأم لزوجها ن يأخذ دوره في عملية تغذية الطفل، فإنها سترتاح من كثير من الضغوط، ناهيك عن أن رفض طفلها سيقل وسيبدأ بتناول الطعام بشكل أفضل.