مثل غيره من المواد الطبيعية، شهد "الجبس" عبر تاريخه الطويل، موجات هبوط وصعود. على أن المرحلة العربية في الأندلس تبقى الأخصب إذ وصل استخدامه فيها في العمارة والديكور إلى الذروة، كبديل للحجارة والأخشاب. كذلك لا بد من الإشارة إلى الثلاثينات من القرن التاسع عشر، حين عرف الجبس مرحلة إزدهار كبيرة بعد شيوع ما يسمى طراز "نابليون الثالث"، فاكتسب صفة النبل خصوصاً بعدما أخذ في الظهور داخل البيوت البرجوازية ومداخل العمارات
الراقية.
غير أن تراجعاً ملحوظاً شهده الجبس بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى الأخص في الستينات، مع بدء شيوع أنماط جديدة من الديكورات والفنون الزخرفية وظهور تيارات فنية حديثة. لكن هذا التراجع لم يستمر طويلاً، ذلك أنه دفع بالعاملين في هذا المجال إلى ابتكار نماذج جديدة من الزخرفة تنسجم مع ذوق العصر الجديد وميوله، كما ط وروا أسلوب صناعة الجبس مما جعله اكثر صلابة وجمالاً ونعومة عند اللمس، وهذا ما أدى به إلى أن يفرض نفسه كعنصر زخرفي يتماشى مع كل تيار كلاسيكياً كان أو عصرياً. واليوم أصبح من السهل التعامل مع الجبس كمادة لا يمكن إهمالها في المجال الزخرفي، حيث يتوافر على شكل ألواح جاهزة وسهلة التركيب. أسقف وألواح جدارية وأعمدة من كل نوع وبمجموعات مختلفة الطرز الزخرفية ومتعددة الأساليب والأنماط، يمكن لصقها أو تركيبها بتقنيات عصرية متنوعة. فهذه المادة الطبيعية بامتياز تتمتع بمواصفات كثيرة، تمنحها الأفضلية، وأهم هذه المواصفات أنها عازلة للبرودة والصوت، وغير قابلة للإحتراق. وهي بعد قولبتها وجفافها تصبح شديدة الصلابة والثبات، تقاوم تأثير الزمن وتعيش طويلاً. ولذلك فقد تم استعمالها في الكثير من أعمال ترميم الأبنية.
من العناصر المهمة في ديكور الجبس الأفاريز التي تزنر الأسقف وتشكل انتقالاً ناعماً بينها وبين الجدران القديمة منافسة بذلك المعادن والخشب، وذلك بفضل رقة سماكتها وخفة وزنها وإمكانات زخرفتها غير المحدودة وكلفتها المتدنية قياساً بالمواد الأخرى. وهي إلى جانب ذلك قابلة للطلاء بمختلف أنواع الدهان اللامع والناشف. كما أن للجبس، إضافة إلى مزاياه الزخرفية، قدرة على حل مشاكل البناء وإخفاء عيوبه الهندسية الداخلية، فهو يغطي التشققات في الجدران ويؤطر الشبابيك والأبواب ويموه التوصيلات التقنية من قساطل وأسلاك وسواها في كل أنحاء المنزل. ومن العناصر المهمة في ديكور الجبس، الأفاريز التي تزنر الأسقف وتشكل انتقالاً ناعماً بينها وبين الجدران. هذه الأفاريز، بتنوع طرزها وأشكالها، قادرة على التلاؤم مع ديكور المكان، بل تساهم في إبراز جماله فتخفي خلفها قضبان الستائر وتمديدات الإنارة وتؤمن اسقاطات جميلة للضوء فوق الجدران مباشرة أو غير مباشرة. وبعد الأفاريز تأتي في الأهمية "الروزاس"، أو زهرة السقف وحليته الزخرفية. وهي تلك القطعة المزينة غالباً بنقوش من الأزهار البارزة أو المندمجة محفورة ومطعّمة بالألوان وأساليب التذهيب أحياناً تبعاً للطراز الزخرفي المرغوب. ويمكن لصق هذا العنصر أو دمجه في وسط السقف أو عند زواياه. أما جدران الصالات والغرف الواسعة، فيلعب الجبس فيها دوراً رئيسياً في تلطيف مساحاتها وإرتفاعاتها بواسطة ألواح زخرفية ناتئة، تلصق فوق الجدران باتجاهات مدروسة أفقية أو عمودية. وتسمح هذه الألواح بإيجاد مساحات مؤطرة للوحات الفنية أو مرايا المدفئة. وتأتي الأعمدة كعناصر رئيسية في الديكور، فهي تنسق عند مداخل الصالات والغرف بأشكال أسطوانية مضلعة أو مالسة تثبت فوق قواعد منخفضة بينما تزين أعلاها تيجان مزخرفة بخطوط أو نقوش متعددة الطرز، ويمكن استخدام هذه الأعمدة بلونها الأبيض أو طلائها بايقاعات مختلفة تنسجم مع إطار الديكور العام للمكان وألوانه
من العناصر المهمة أيضاً، القبب الدائرية والنصف دائرية والقناطر بمختلف أشكالها وطرزها، وهي تزين الأسقف والجدران، فتمنحها بعداً إضافياً وإحساساً بالأرتفاع أو الاتساع، تبعاً لما يقتضيه المشهد الزخرفي. وتلعب هذه العناصر مع الأضاءة الظاهرة أو المخفية دوراً جمالياً جذاباً. وفي كثير من الأحيان، لا يقتصر دور الجبس على الزخرفة الخالصة، بل يدخل في صميم التنسيق الزخرفي للمكان. فيتحول الى أرفف وأعمدة تزين المكتبة، أو يتشكل قاعدة لطاولة منخفضة أو مرتفعة، أو واجهة لمدفأة من نمط خاص، مما يضيف إلى أجواء المنزل لمسة من الفخامة مؤثرة. وتعتبر الاضاءة حليفاً دائماً للزخارف الجبسية، فهي التي تبرز قيمها الجمالية وتمنحها أبعاداً مضافة. وطواعية الجبس إحدى مزاياه الكبرى في التشكيلوالتركيب. وهو من هذه الناحية يتفوق على الحجارة والخشب. وكذلك تكاليفه الزهيدة بالنسبة إلى المواد الأخرى كانت عاملاً مهماً في شيوع إستخدامه في كثير من ورش البناء والزخرفة، في العالم العربي وخصوصاً في بلاد المغرب العربي التي تحتضن تراثاً مبهراً من أعمال الزخارف الجبسية. وكذلك في بلاد المشرق من سورية ولبنان وصولاً إلى تركيا، حيث تتمتع أعمال الجبس بتعبيرات مدهشة تستمد قيمها من جماليات التراث العربي وفنون العمارة الاسلامية. ولعل مما يمكن تسجيله هنا، هو إستمرار أجيال الحرفيين العاملين في هذا المجال، مما ساعد على الحفاظ على هويته الأصيلة. واستطاع هؤلاء الحرفيون تحقيق مزاوجة رائعة بين الجبس وكثير من المواد الثمينة. مزاوجة تتناغم في إطار التوزيعات الهندسية الناصعة البياض والألوان الشرقية الدافئة. لتبرز من حرارة إيقاعاتها جمالية النقوش والزخارف التي تكتسي بها الجدران والأعمدة والقناطر في الباحات الداخلية وأفاريز الأسقف والجدران والأبواب والنوافذ. كل هذا في لعبة من التباين المدهش، تجللها تلك النقوش التي تشبه التطريزات البديعة أو تخريمات الدانتيل الرائعة والتي تتسلل عبرها الاضاءة أو النور الطبيعي فيزيدها سحراً وألقاً. وتضفي عليها الكتابات والأحرف العربية _ كوفية كانت أو فارسية - المحفورة بالجبس والموزعة في أركان المكان، جاذبية خاصة تعيد إلى الذاكرة أصداء أزمنة وأجواء الف ليلة وليلة. وتتراوح سماكة الزخارف والأعمال الجبسية بين 3 و 4 سم تقريباً، تبعاً لأنواع النقوش، على أن ذلك يبقى خاضعاً لمتطلبات العمل وضروراته وأنماطه ووظائفه.