التاريخ الإسلامي مليء بقصص الحب الخالدة التي تنفي مزاعم المتشددين بتحريم الحب
آشهر قصص الحب في الاسلام
الإسلام دين الاعتدال والوسطية لم يحارب الحب ولم ينكره.. بالعكس شجع المحبين علي الإفصاح عن حقيقة مشاعرهم ودافع عن حق كل محب في الزواج من محبوبه بشرط أن يكون هذا الحب نقيا صافيا بعيدا عن الشهوات والتجاوزات مع ضرورة أن ينتهي هذا الحب بالنهاية الشرعية وهي الزواج. الرسول صلوات الله وسلامه عليه تزوج من السيدة خديجة بعد قصة حب مثالية وظل علي وفائه لها ولم يتزوج عليها في حياتها.. وحتي بعد وفاتها ظل يذكرها دائما بالخير.
والتاريخ الإسلامي يمتلئ بالعشرات من قصص الحب التي تدل علي ان الإسلام لا يحارب الحب ولم يحرمه كما يؤكد بعض المغالين المتشددين.
لولا الحب ما استقامت الدنيا، والحديث عن الحب في الإسلام لا ينضب، فكل موقف في حياة الرسول غ وصحابته بعد قصة حب رومانسية قائمة بذاتها، وتأتي روعة هذه القصص بأنها تنتهي دوما بالنهاية السعيدة علي عكس المتعارف عليه في أشهر قصص الحب والتي تنتهي دائما بالنهاية المأساوية.. ولقد جعل الله سبحانه وتعالي الحب عنوانا لعلاقته بأفضل خلقه فأطلق علي رسوله الحبيب محمد غ كما وصف الله تعالي علاقته مع خلقه وعلاقتهم به بقوله تعالي ûيجحِبجهجمْ ويجحِبجونه المائدة: آية .54
وذلك لأن الحب لا يحدث توازن داخل النفس البشرية فحسب بل في نظام الكون كله: فالقمر لا يغادر كوكبه لأنه في حالة 'ارتباط' دائم، وكذلك الكواكب لا تفارق مجموعاتها لأنها في حالة 'انجذاب' دوما.
فالإسلام لا يحتقر الحب أو يحرمه بل إنه احترم هذه العاطفة النبيلة وانزلها مكانة عالية، ولقد حدد الله تعالي العلاقة بين الرجل والمرأة في قوله تعالي: ûوجعل بينكم مودة ورحمة الروم: ..21 فما أسمي هذه العلاقة التي تقوم علي المودة والرحمة وليس علي العنصر المادي الذي لا تستقيم معه الحياة الأسرية.. وسيرة الرسول غ وصحابته مليئة بالمواقف التي أباحوا وصرحوا فيها بالحب دون خوف أو خجل.
حب ناضج
ولنبدأ مع 'أقوي قصة حب بين محمد غ والسيدة خديجة رضي الله عنها والتي كانت في سن الأربعين أي في سن اكتمال عقلها ورشدها، أما محمد ففي سن اكتمال الشباب ابن خمس وعشرين سنة، ولعل السبب الحقيقي في نجاح هذا الزواج الذي يبدو غير متكافئ. أن السيدة خديجة كانت تبحث عن الرجولة الكاملة بكل معانيها من أخلاق ومروءة وإيثار وكرم خصال، وما كان محمد ليقبل هذا الزواج لولا ما رآه في خديجة من رجاحة العقل وحسن الخلق وعراقة النسب، ولهذا وافقت رغبة خديجة رغبة محمد في الاقتران بها.. ولقد أحبت خديجة زوجها محمد حبا ملك عليها كل مشاعرها فكانت خديجة تهيئ لرسول الله كل أسباب الراحة وكانت سخية بعواطفها ومشاعرها وأموالها راضية النفس، بل لم تكن تبخل بحبها علي من يحب زوجها، فكانت تكرم من يحبه ولا أدل علي ذلك عندما فطنت خديجة الحب الأبوي الذي نشأ بين زوجها وزيد بن حارثة، ذلك الفتي الذي اشتراه حكيم بن حزام من سوق عكاظ، ووهبه لعمته خديجة، فقد تعلق محمد بزيد، كما أحب زيد محمدا حبا لم يحب أحدا مثله من قبل، فوهبت خديجة زيدا لزوجها فأعتقه، كما شرفه ورقاه بأن نسبه إلي نفسه فكان زيد بن محمد.
وقضي النبي غ أجمل أيام العمر مع خديجة في مودة ورحمة وطاعة لله، فلم يتزوج النبي قبلها ولم يتزوج عليها حتي ماتت، ومم يدل علي منزلة خديجة في قلب محمد ومكانتها عند الله تعالي أن النبي غ قال: 'حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون'.
وحتي بعد وفاة خديجة رضي الله عنها لم تزده الأيام إلا حبا ووفاء لها فكان يثني عليها دائما ويحب من يحبها وكان يحب أن يري أو يسمع من يذكٌره بها وبأيامها العطرة المباركة حتي أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ما عزت علي امرأة للنبي غ قدر ما عزت علي خديجة هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه يذكرها وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وربما ذبح الشاه يقطعها أعضاء ثم يبعثها إلي أصدقاء خديجة، فقلت له: كأنه لم يكن في الدنيا إمرأة إلا خديجة؟ فيقول: 'إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد' رواه البخاري.
ومن الدلائل الرائعة علي وفائه غ للطاهرة خديجة ما حدث في غزوة بدر الكبري، إذ أسر أبو العاص بن الربيع صهر الرسول الحبيب وزوج ابنته زينب، فأرسلت الوفية زينب فداء لزوجها أبي العاص، ومن ضمن الفداء قلادة قلدتها بها والدتها خديجة رضي الله عنها ليلة زفافها، فلما رأها رسول الله رق لها رقة شديدة، وتذكر زوجته المباركة الوفية خديجة، وقال لأصحابه: 'إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها قلادتها فافعلوا'. فما كان من أصحابه الكرام إلا أن سارعوا بالاستجابة للنبي الكريم، لأنهم رأوا في عين النبي ذكري للوفية خديجة حركت مشاعره، كما أن للسيدة خديجة دينا كبيرا في عنق المسلمين.
فهكذا قضي النبي غ مع السيدة خديجة أجمل أيام العمر، فقد أحسنت صحبته وآمنت به ولم تبخل عليه بمالها وحبها، فهذا هو الحب الحقيقي ولذلك ظلت خديجة خالدة في قلب رسول الله ولم تزده الأيام بعد وفاتها إلا حبا ووفاء لها فكان يثني عليها دائما ويحب من يحبها بل وكان يحب أن يري أو يسمع من يذكره بها وبأيامها العطرة المباركة.
زواج الأحبة
إليك قصة 'الجمع بين المتحابين' فعن ابن عباس أن رجلا جاء للنبي غ وقال له عندنا يتيمة قد خطبها رجلان موسر ومعسر وهي تهوي المعسر ونحن نهوي الموسر فقال غ : 'لم ير للمتحابين مثل التزويج' صحيح مسلم.
حب الصحابة
عبدالله بن عمر العابد الزاهد التقي الذي وقع في حب جارية له حبا شديدا (والجارية في هذا الزمن كانت كالزوجة في حلها للرجل)، تعثرت يوما في مشيتها ووقعت، ففوجئ من شاهد الواقعة أنه ما احتمل الموقف وظل يمسح لها التراب عن وجهها بيديه قائلا: فداك نفسي وروحي، ثم حدث أنها فارقته فكان حزينا لذلك جدا وكان حين يتذكرها يقول فيها الشعر، ويتهم نفسه بالتقصير في حق حبيبته لأنها فارقته.. فلم يخش هذا الصحابي من البوح والإعلان عن هذا الحب فقد كان يفخر بهذا الحب ولا يخجل منه.
ولنلقي نظرة علي قصة 'أغلي مهر في الإسلام' بطلة هذه القصة الصحابية 'أم سليم' رضي الله عنها التي كانت من السابقات إلي الدخول في الإسلام وهي امرأة مؤمنة راجحة العقل، وأم أنس بن مالك خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي نشأ يتيما، فقالت: لا أفطم أنس حتي يدع الثدي، ولا أتزوج حتي يأمرني أنس... ومضت السنوات والحديث عن أنس وأمه بين الناس ينال كل التقدير والإعجاب بهذه المرأة، وعلي الفور تقدم للزواج من أم سليم وعرض عليها مهرا غاليا، إلا أن المفاجأة أذهلته وعقدت لسانه، فهذه فرصة عظيمة أمام أم سليم حيث المال والجاه والشباب، فردت أم سليم بكل أدب وعزة وقالت: 'والله، ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره'.
لقد هزت هذه الكلمات كيان أبي طلحة وازداد إعجابه بأم سليم ورأي فيها المرأة العاقلة ولم يجد خيرا منها لتكون زوجة صالحة له وأما عظيمة لأولاده، فما شعر إلا ولسانه يردد 'أنا علي مثل ما أنت عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله'.
وقال ثابت راوي الحديث عن أنس 'فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم: الإسلام..' أخرجه النسائي.
مكافأة الرحمن
ولنتأمل قصة الصحابية الجليلة 'أم سلمة' و'مكافأة من الرحمن' فقد كانت أم سلمة من المهاجرات الأوائل في الإسلام مع زوجها عبدالله بن عبدالأسد (أبو سلمة)، وقد عاشت أم سلمة في كنف زوجها في سعادة غامرة وقد كلل هذا الزواج المبارك بالإيمان بالله فامتلأ قلب الزوجين بالسعادة والحب.. حتي جاءت لحظة الفراق وأبو سلمة علي فراش الموت دار بينه وبين زوجته هذا الحوار الروحاني.. فعن زياد بن أبي مريم قال: قالت أم سلمة لأبي سلمة: بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها، وهو من أهل الجنة، ثم لم يتزوج، إلا جمع الله بينهما في الجنة. فتعال أعاهدك ألا تتزوج بعدي، ولا أتزوج بعدك، قال: أتطيعينني؟ قالت: نعم، قال: إذا مت تزوجي.. اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني، لا يحزنها ولا يؤذيها، فلما مات، قلت: من خير من أبي سلمة؟..
وتأتي المنحة الربانية والمكافأة من الله سبحانه وتعالي فتصبح أم سلمة إحدي أمهات المؤمنين ويا لها من مكافأة عظيمة.. قالت أم سلمة: سمعت رسول الله غ يقول: 'ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: (إنا لله وإنا إليه راجعون) اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، فلما احتضر أبو سلمة، قلت ذلك، وأردت أن أقول: 'وأبدلني خيرا منها' فقلت: ومن خير من أبي سلمة؟ فلم أزل حتي قلتها، إلا أخلف الله عليها بأفضل خلقه محمد غ . صحيح مسلم
... من هنا فلم نجد في أشهر قصص الحب مثل هذا الحب، الذي يتفاني فيه كل طرف لإدخال البهجة والسرور علي الطرف الآخر، فلتكن هذه دعوة لعودة بيوتنا إلي زمن الحب الجميل الحب في الإسلام فقد أولي الإسلام عناية كبيرة للعلاقة القائمة بين الزوجين، كما وضع عدة مبادئ لضمان تحقيق الاستقرار والسكن مصداقا لقوله تعالي: ûومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (المائدة: 54).
واختتم هذا الحديث الشيق عن الحب برأي فضيلة الشيخ البوطي حين سئل عن حكم الإسلام في الحب فقال: 'إن الإسلام لا يقول لك لا تججع أو لا تحب أو لاتكره ولكن يقول لك ان ججعت فلا تسرق وإذا كرهت فلا تظلم وإذا أحببت فلا تفججر ثم إنه يعالج لك ما تلقاه من ألم الحب بقانون حب هو الزواج... وكم في الناس من حيل بينهم وبين تطلعات حبهم لكنهم سلموا لله فعاشوا سعداء بالحب نفسه ينشرون الحب من حولهم ويفوضون أمرهم لله ويحتسبون صبرهم هذا علي فقد الحبيب في موازينهم يوم الحساب