مرض النظافة
كانت والدتي تحب النظافة (لدرجة المبالغة) وكان والدي لا يهتم بمظهره (لدرجة المبالغة) .. لم يحدث أبغض الحلال ولكن (النصيحة) كانت هنالك بينهما (مناقرات) يومية على مدى عقود .."الراجل دا زي سيد الفحم .. فضحنا مع الناس" .. بينما يردد هو "المره دي قطََََََََّعت هدومنا بالغسيل"
البعض يرى أن تأكل ما تشاء وأن تلبس ما يشاء الآخرون وهنالك ملابس للعمل تتناسب مع مهنة كل إنسان ولكن هنالك مناسبات دينية واجتماعية تتطلب الهندمة وأن يرتدي فيها الإنسان ملابس لائقة ونظيفة وتختلف أهمية المناسبات باختلاف اهتمامات الناس .. وأذكر عندما خرج والدي للانتخابات طلبت مني والدتي أن أسرع وأطلب من والدي أن يعود مرة أخرى للبيب لتغيير ملابسه "الراجل دا داير يفضحنا مع ناس الانتخابات" ولكن عندما وصلت إلى والدي وجدته قد وقف فعلا أمام ضابط الانتخابات .. أسمك "عثمان موسى" .. شغال شنو؟" .. فرد والدي سريعا " أنا كان عندي شغلة بجي بصوت" .. فلم أوصل له وصية والدتي .. ولنترك رأي والدي في الانتخابات جانبا فما زال الكثيرون حتى الآن لهم رأي في انتخابات دول العالم النامي ولكن لنعود إلى مسألة مرض النظافة.
الحاجة كانت تبالغ .. حتى كانت تمنعنا من شراب المشروبات الغازية (الكيتي كولا) من الزجاجة مباشرة "كم زول شرب بالقزازة دي؟" فكنا نستخدم الكوز فنفقد متعة المشروبات الغازية .. لم نكن نستطع رفض أوامرها فلقد كانت امرأة حديدية لا تسمح بالنقاش: "يمة" .. "النجما" .. "عشة" .. "عش القمل" ..
أما الآن فقد يلاحظ الكل الإعلانات المكثفة للأنواع المختلفة من المطهرات والمنظفات والمبيدات والتي دائماَ ما تدَعي بأنها (تبيد) جميع أنواع الجراثيم والحشرات والفئران .. .. والكل قد لاحظ الزمن الذي تقضيه النساء (بكل أنواعهن) أمام شاشات التلفزيون .. وبدأت فاتورة جديدة (المطهر الأبيض والأصفر والأخضر ولون زينب وكله سيف مسلط على جيوبنا .. المبيدات الحشرية التي (تشنقل) كل أنواع الحشرات .. الصابون الذي يزيل كل أنواع الجراثيم والسموم التي تقتل كل أنواع الفئران) حتى .. (خلت بيوتنا من الفئران يا أمير المؤمنين) ..
سألت صديقي أخصائي الأمراض النفسية عن هذا الموضوع (فتحكر) واستعدل في جلسته وخلف رجلا على رجل "سؤال جميل .. هذا هو هوس النظافة وهو يصنف كنوع خفيف من اضطرابات الوسواس القهري والذي لا يدرك كثيرون أنها تصرفات نفسية مرضية ... وهنالك ثلاثة أنواع من مثل هذا المرض: رهاب الجراثيم .. و ..." .. فقلت له "دقيقة .. زوجتي هي التي تبالغ في النظافة ولهذا سألتك" .. صديقي سريع البديهة .. "ليس كل من يبالغ في النظافة هو بمريض، زوجتي أنا أيضا تبالغ في النظافة"..
جميل أن تهتم ربات المنازل بالنظافة .. وهذا يقي من كثير من الأمراض ولكننا نخشى من نظافة الجيوب .. وهذا هدف واضح لمعظم إعلانات القنوات الفضائية خاصة تلك التي تتخلل المسلسلات: فتشعر بأن معظم الرسائل ذكية: موجهة لربات المنازل لتجنيب الأطفال من الأمراض (عشان ما تجيك في جناك) .. إعلانات ذكية (مُش) .. تسهيل عملية غسيل الأواني (وهي من أصعب عمليات إدارة المنزل) .. إعلام ذكي .. ونصاب نحن بالفلس (القهري) وهذا واحد من من مسببات الأمراض النفسية التي قد تتسبب في أمراض عضوية .. أنا شخصياَ عندما أكون مفلساَ (لا بسمع ولا بشوف) ..
والنظافة مهمة للوقاية من الأمراض المعدية المختلفة بما في ذلك أنفلونزا الخنازير (ولقد سمعنا تحت تحت بأنها وصلت السودان) .. فنظافة الأيدي بالماء والصابون تكفي للقضاء على معظم الأمراض ولا تحتاج لكل هذه الكيمائيات وبعضها في غاية الخطورة إذا استخدمت بطريقة غير صحيحة .. كما أن المنافسة بين هذه الشركات جعلتها تزيد من الجرعات السامة "والله اشتريت لي مبيد يقتل الضب .. رشة واحدة .. بب .. يقع في الواطة" قطعاَ مثل هذا المبيد خطير على صحتنا ومن المحتمل أن يسبب (بب) بالنسبة لنا أيضاَ
بالطبع ما ذكرته عن والدتي لا ينطبق على استخدام مثل هذه المبيدات .. لقد كان ذلك في الزمن الجميل (الغسيل بالماء والصابون العادي وتعريض الملابس للشمس ثم مكواة الفحم) .. توفى والدي عليه رحمة الله وتوفيت والدتي عليها رحمة الله (ليس بسبب مرض النظافة).
الموضوع منقول عن
د. عبد المجيد عثمان موسى
موضوع: مرض النظافة 
15/10/2010, 09:25
