أريد لهذا الوجع أن ينتهي.. ولا أعرف كيف! أنا حتماً مصابة بالبار انويا ورهاب الأماكن التي لم تمرّ بي يوماً..! أصادر من أيامي الفرح بكلمة ترتدي وجهها الباسم في مرآتي التي ملت إطلالتي عليها كل يوم. وجهي الدّهنيّ الذي لم يستطع أن يتعايش حتى هذه اللحظة مع جوّ هذه البلاد. أريد لملامحي أن تختفي.. فهل تمكنني مساحيق التجميل من فعل ذلك؟ أريد لوجهي أن يصبح قادراً على التأقلم مع طباع الناس المنفرة ولأنفي أن يتعايش مع رائحة دمائهم العطنة التي تفوح منهم عند أول 'صباح الخير' تقطر بها شفاههم! لا خير فيمن يرتجي الخير فيمن لا خير فيهم! تتوقف حيرتي عند هذا الحدّ، وأقاوم رغبتي في الانتحار اليوم أيضاً، كأن أبتلع عشرين حبة دواء على دفعتين مثلاً. تتتالى الأفكار في سبل انتحاري، ويتراءى صوب عينيّ وجع أحمق يصيب عينيّ بغبش أزرق لا يكفّ عن الدوران في محيط دائرتي! الانتحار وسيلة للتعبير عن الذات المتعَبَة، الانتحار طريقة خلاقة لإبداع شكل آخر من الحياة على هيئة موت مجهول لا يعرف كنهه إلا من جرّبه وعاش في محيطه، الانتحار حياة أخرى لا أعرفها لكنني سأعيشها بشكل معيّن أحاول الآن أن أصفه بحرقة آخذة بالرجفة. الانتحار مجال مغناطيسيّ آخر له أبعاده مترامية الأطراف التي تكوي جلد من لم يعتدْ مشقة الطريق. فأنا لا أنشد إلا طريق الخلاص مما أنا فيه، وأشدّ على عقلي كي يُتِمّ قرصنته لما يحمله من دروع مجانية يحمي بها مساحته هو الآخر!لا يعنيني كثيراً أن أصاب بهستيريا تلقيني في مشفى المجانين ما تبقى من عمري، بيد أني أنشد الخلاص كما قلت سابقاً. ولا يعنيني من اسمي غير أنه 'بسمة' تسابق الريح في الهرب من مجالي المغناطيسيّ. كنتُ وما زلت امرأة بجناحين بيضاوين، ترشقهما الغيمة كلّ صباح بماء يحاول أن يشبه ماء الورد، لكنه يخسر الرهان دائماً، لأن السماء كفرت من ثقل غيّ من يسكن تحتها فتعاهدت مع الأسْوَد لوناً ساهراً على خدمتها ليلاً ونهاراً!
لا يكفّ الخوف عن ملاحقتي، حتى في ساعات انبلاج الصبح، وكأنه يريد مني أن أقتات أنفاسي مرة تلو مرة. أصاب بالغثيان للمرة العاشرة في هذا الصباح الذي يتآكل، وأجد أن من الأفضل أن أتغيّب عن وجوه العالم. لا بأس إن تكدست أوراق الرسم اليوم أيضاً، لأنها حتماً لن تشعر بالوحدة مثلي سأستغل فرصة غيابي كي انفرد بحل كل المشاكل العالقة في دائرتي فاقنع بقدرتي كي تكمل الخرافية على صنع المستحيل وكشف المستور وإصلاح المكسور وإرجاع المفقود.
شيء ما غريب جدّاً يحدث اليوم، ولا أعرف ما هو! أحسّ فقط بأني ما عدتُ أتوجع، وبأني أحلـّق عالياً وأرى كل شيء بشكل ثاقب وآسر ثم أذهب إلى طاولتي لأجلس على مقعدي. أحس بأني هوائية أو بأن الأشياء تخترقني بسبب أو من دون سبب! أجلس دون أي محاولة لفهم ما يحدث، ثم أحدق في المرآة المعلقة على الحائط قبالتي، فلا أراني. أفرك عينيّ جيداً، فلا أراني أبداً. أقف وأسرع نحو المرآة، أحاول تنظيفها بيديّ الاثنتين لكنهما تخترقان المرآة بشكل مريب. أشك في وجودي في هذا المكان .
هل أصبحت هكذا أصبحت مكشوفة للعالم اجمع هل تجردت من كل شيء ؟اشعر باني أصبحت كل الإنسانة الآلية
خاوية من المشاعر ليس لها قلب لا تملك دموع لا تملك أي شيء
اصرخ دون صوت لا احد يكترث لا احد يبالي نبضات قلبي تزداد انقباضا تزداد خوف هروب النوم تراكم الصور المخزية شريط الذاكرة الذي لا يكف عن الدوران في راسي يخلف صداعا مريبا لا يتجاوب مع المسكنات القوية التي أدمنت عليها.