اقتدته من يده والنعاس يخيط عينيه، للوهلة الأولى يبدو ذاهباً إلى مناورة، كان مدججاً بمطرة ماء وسندويشة جبنة، ومصروف مغرٍ وحقيبة زرقاء مثقلة بالدفاتر واكسسوارات البري والمحي ..دخلنا البوابة،أولاد يتبادلون «الشلاليت»، لا بأس، انها معايدة العام الجديد، وآخرون ملأوا أفواههم بالماء ثم أفرغوها أمامي في حركة ترهيبية «للولد» قلت له لا عليك، أنت أقوى من «بوباي» و»ستبطحهم»جميعاً، ابتسم،أنا اعرفه جيداً، وهو يعرف أني أعرفه، انه ليس مثل «بوباي» ولا حتى مثل «كابتن ماجد»..باختصار الولد سر أبيه .. أخيراً أوقفته بالطابور..تراجعت الى الخلف وبدأت أراقب:
الأشياء هي الأشياء منذ ثلاثين سنة او يزيد لم تتغير فيها حركة أو يتبدّل فيها مشهد، التمارين الصباحية هي نفسها،المسافة بين الزملاء في الصف الواحد،الرجوع الى الخلف، حركات المعلمين، طلاب الصف الرابع يرفعون البنطلون الواسع «نمرتين» كل 20 ثانية، جميع طلاب المدرسة لا زالوا يخطئون بتنوين النشيد»...خافقاتٌ في المعالي أعلامه « ..والمدرسون لا زالوا يصححونهم «ولكو خافقاتٍ « بكسر التاء، ولا مجيب، «الخربطة» في الحركة الرابعة: « وح..ثنين..ثلاث..اربع».. عندما ينطق معلم الرياضة أو الأستاذ المناوب كلمة «أربع»..يتخربط نصف الطلاب فلا يدرون اين يذهبون بأذرعهم الرفيعة والقصيرة كأغصان الريحان..
الأشياء هي الأشياء، الخط الأصفر النازل من أعلى سطح المدرسة الى شباك الإدارة –سببه تسريب عتيق من الخزانات- الحنفيات المقلوبة الى أعلى، أبواب من غير أقفال،أطفال من غير أسنان، وآذن مخضرم لا يتوانى عن تقديم نصحه للمعلمين الجدد،وبسط شخصيته عليهم منذ «ابريق الشاي الأول»..كلها لم تتغير..
عاد «الصبي» الى البيت باكراً، فتحت حقيبته، شممت كتبه الجديدة، لا زال الحرف فيها طازجا وفواحاًً، يشبه قطفة الدراق الأولى،تخمر عجين أمي، وتعرق الوليد النائم..
قلت له: اسمع يا «عبّود» قد تنسى كل شيء في هذه الدنيا..إلا هذه الرائحة..إنها تنفّس الأبجدية الأولى على كرّاسة عمرك..
***
أيها المعلمون الرائعون ..اسمحوا لي ان انحني لطحين الطبشور الذي بين يديكم..فمنه يتشكل رغيف المعرفة...
احمد حسن الزعبي