في زاوية قصية .. وبعيداً عن أعين الإعلام ... كان الجزار يحد سكينه ويجهز كلاليبه ...
منتظراً وصول أول خروف عربي من الزريبة المجاورة للمسلخ
في تلك اللحظة كانت الخراف في الزريبة تعيش وتأكل وتشرب وكأنها قد جاءت الى تلك الزريبة بضمان الخلود .
دخل الجزار فجأة الى وسط الزريبة فأدركت " الخرفان " بحسها الفطري أن الموت قادم لامحالة .
وقع الاختيار على أحد الخراف ..وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه الى خارج الزريبة ....
ولكن ذلك الكبش كان فتياً في السن ذو بنية قوية وجسماً ممتلئاً وقرنين قويين ..وقد شعر برهبة الحدث..
وجبن الموقف ..وهو يقاد الى الموت ... فنسي
الوصية رقم واحد من دستور القطيع ... وهي بالمناسبة الوصية الوحيدة في ذلك الدستور ...
وكان قد سمع تلك الوصية قبل ساعات من كبار الخرفان في الزريبة ....
وكانت الوصية تقول :- حينما يقع عليك اختيار الجزار فلا تقاوم فهذا لن ينفعك بل سيغضب منك الجزار ويعرض حياتك وحياة أفراد القطيع للخطر .
قال هذا الكبش في نفسه : هذه وصية باطلة ودستور غبي لا ينطلي حتى على قطيع الحمير ..فكيف بنا نحن الخراف ونحن أشرف وأطهر .. ... فإذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف ... فلا أعتقد أنها ستضرني ...
أما قولهم أن مقاومتي ستغضب الجزار وقد يقتل جميع الخرفان ...فهذا من الغباء ...فما جاء بنا هذا الجزار إلى هذه الزريبة إلا وقد أعد عدته ورسم خطته ليذبحنا واحداً بعد الآخر ....فمقاومتي قد تفيد ولكنها
بلا شك لن تضر ....
انتفض ذلك الكبش انتفاضة حصان جسور .. وفاجأ الجزار ...واستطاع ان يهرب من بين يديه ليدخل في وسط القطيع حيث نجح في الافلات من الموت الذي كان ينتظره .
لم يكترث الجزار بما حدث كثيراً ... فالزريبة مكتظة بالخراف ولا داعي لتضييع الوقت في ملاحقة ذلك الكبش الهارب....
ببساطة ،،، أمسك الجزار بخروف آخر وجره من رجليه وخرج به من الزريبة ....
كان الخروف الاخير مسالماً مستسلماً ولم يبد أية مقاومة ....... إلا صوتاً خافتاً يودع فيه بقية القطيع
نال ذلك الخروف إعجاب جميع الخرفان في الزريبة ... وكانت جميعها تثني عليه بصوت مرتفع وتهتف بإسمه ... ولم تتوقف عن الهتاف حتى قاطعها صوت الجزار الجهوري وهو يقول ..... بسم الله والله أكبر
خيم الصمت على الجميع ....وخاصة بعد أن وصلت رائحة الموت الى الزريبة . ولكنهم سرعان ماعادوا الى أكلهم وشربهم مستسلمين لمصيرهم الذي يرفضون أي فكرة لمقاومة ذلك المصير بل قد يتعرض أي خروف يدعو الى مقاومة الجزار إلى الموت نطحاً قبل أن يقتل ذبحاً.
وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحداً بعد الآخر ... وفي كل مرة يأتي الجزار ليأخذ أحدهم لا تنسى بقية الخراف بأن توصيه على الموت على دستور القطيع لا ثٌم لا للمقاومة
وكان الجزار وتوفيراً للوقت والجهد .... إذا وجد خروفاً هادئاً مطيعاً ... فإنه يأخذ معه خروفاً آخر .
وكل مازاد عدد الخراف المستسلمة ... زاد طمع الجزار في أخذ عددٍ أكبر في المرة الواحدة ... حتى وصل به الحال أن يمسك خروفاً واحداً بيده وينادي خروفين آخرين أو ثلاثة أو أكثر لتسير خلف هذا الخروف بشكل متحضر إلى المسلخ....
وهو يقول : يالها من خراف مسالمة ... لم أحترم خرافاً من قبل قدر ما أحترم هذه الخراف ...
إنها فعلا خراف تستحق الإحترام.
كان الجزار من قبل يتجنب أن يذبح خروفاً أمام الخراف الاخرى حتى لايثير غضبها وخوفاً من أن تقوم تلك الخراف بالقفز من فوق سياج الزريبة والهرب بعيداً... ولكنه حينما رأى استسلامها المطلق .. أدرك أنه كان يكلف نفسه فوق طاقته .. وأن خرافه تلك تملك من القناعة بمصيرها المحتوم مايمنعها من المطالبة بمزيد من الحقوق ...
فصار يجمع الخراف بجانب بعضها ... ويقوم بحد السكين مرة واحدة فقط ... ثم يقوم بسدحها وذبحها...
والأحياء منها تشاهد من سبقت إليهم سكين الجزار .. ولكن .. كانت الوصية من دستور القطيع تقف حائلاً أمام أي أحد يحاول المقاومة أو الهروب ..." لا تقاوم ..."
في مساء ذلك اليوم وبعد أن تعب الجزار وذهب لأخذ قسط من الراحة ليكمل في الصباح ما بدأه ذلك اليوم ... كان الكبش الشاب قد فكر في طريقة للخروج من زريبة الموت وإخراج بقية القطيع معه ، و كانت الخراف تنظر إلى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي مندهشة من جرأته وتهوره .
لم يكن ذلك الحاجز الخشبي قوياً ... فقد كان الجزار يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب .
وجد الخروف الشاب نفسه خارج الزريبة .... لم يكد يصدق عينيه ...
صاح في رفاقه داخل الزريبة للخروج والهرب معه قبل أن يطلع الصباح ، ولكن كانت المفاجأة أنه لم يخرج أحد من القطيع .... بل كانوا جميعاً يشتمون ذلك الكبش ويلعنونه و يرتعدون خوفاً من أن يكتشف الجزار ماحدث...
وقف ذلك الكبش الشجاع ينظر إلى القطيع .. في انتظار قرارهم الأخير
تحدث أفراد القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش من الخروج من الزريبة والنجاة بانفسهم من سكين الجزار ....
وجاء القرار النهائي بالإجماع مخيباً ومفاجئاً للكبش الشجاع ....
في صباح اليوم التالي ....جاء الجزار الى الزريبة ليكمل عمله .. فكانت المفاجأة مذهلة
سياج الزريبة مكسور ...... ولكن القطيع موجود داخل الزريبة و لم يهرب منه أحد ..........
ثم كانت المفاجأة الثانية حينما رأى في وسط الزريبة خروفاً ميتاً ... وكان جسده مثخناً بالجراح وكأنه تعرض للنطح ...
نظر اليه ليعرف حقيقة ماحدث ........... صاح الجزار ... ياالله ... إنه ذلك الكبش القوي الذي هرب مني يوم أمس .
نظرت الخراف إلى الجزار بعيون الأمل ونظرات الاعتزاز والفخر بما فعلته مع ذلك الخروف " الارهابي " الذي حاول أن يفسد علاقة الجزار بالقطيع ويعرض حياتهم للخطر .
كانت سعادة الجزار أكبر من أن توصف ... حتى أنه صار يحدث القطيع بكلمات الاعجاب والثناء أيها القطيع .. كم أفتخر بكم وكم يزيد احترامي لكم في كل مرة اتعامل معكم ...
أيتها الخراف الجميلة ...لدي خبر سعيد سيسركم جميعاً ..وذلك تقديراً مني لتعاونكم منقطع النظير ....
أنا وبداية من هذا الصباح ..... لن أقدم على سحب أي واحد منكم الى المسلخ بالقوة .... كما كنت أفعل من قبل ... فقد اكتشفت أنني كنت قاسياً عليكم وأن ذلك يجرح كرامتكم .... كل ما عليكم أن تفعلونه يا خرافي الاعزاء أن تنظروا إلى تلك السكين المعلقة على باب المسلخ ...فإذا لم تروها معلقة فهذا يعني أنني أنتظركم داخل المسلخ .
فليأت واحداً بعد الآخر .... وتجنبوا التزاحم على أبواب المسلخ ....
و لا أنسى أن اشيد بدستوركم العظيم ...... لا للمقاومة ...
وهذا ماجنته أيديكم أيتها الخراف الغبية
في الختام ... مجرد سؤال بسيط :
هل الخرفان أصلها عربي .؟؟ !!
ربمـــــا ...