إلهامات قرآنية.. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ
يقول لى كثير من الناس: كيف نفهم القرآن دون أن نرجع إلى التفاسير؟ فأقول لهم:
أولاً: إنكم تفهمون القرآن بمجرد سماعه أو قراءته لأن الله تعالى أودع فى القرآن بحكم أنه معجزة الإسلام سرًا إلهيًا، لعل أبرز ما فيه النظم الموسيقى، فكما أنك عندما تسمع سيمفونية رائعة، فإنك تتأثر بها بمجرد سماعها، ولا تكون فى حاجة لشرح، بل إن أى شرح قد يفسدها، فكذلك القرآن، فالقرآن له ملكة الهداية بمجرد سماعه، وما كان الرسول ليفعل شيئاً لكى يحوّل وثنيى مكة إلى الإسلام إلا بقراءة القرآن، وقد أمره الله «وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ»، فما تلاه على أحد من كفرة قريش إلا تزلزل الشرك فى نفسه.. وقد يؤمن توًا، ونحن نعلم أن عمر بن الخطاب كان أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وأنه صفع أخته عندما آمنت حتى نزف الدم من أنفها، ولكنه ما إن قرأ آيات منه حتى انقلب الموقف، وقال «دلونى على محمد».. وأعلن إيمانه.
وقال جبير بن مطعم: سمعت رسول الله يقرأ فى سورة الطور فما سمعت أحدًا أحسن صوتاً أو قراءة، فلما سمعته يقرأ «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ» خلت أن فؤادى قد انصدع، وكان جبير عندما سمع هذا لا يزال مشركاً، وإنما كان قد قدم لفــداء أسـرى بـدر، بل إن الرسول نفسـه لما طلب إلى عبدالله بن مسعود أن يقــرأ عليه «النساء»، فلما بلغ «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا»، قال حسبك.. فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.
وعندما أوفدت قريش عتبة بن ربيعة وهو سيدها ليثنى الرسول عن مواصلة دعوته، وأخذ عتبة يعد الرسول بالمال والجاه حتى انتهى، فأخذ الرسول يتلو عليه قوله تعالى:
«حم (١) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِىَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِى كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ»، فقال: «حسبك».
وما إن أقبل عائدًا إلى قريش حتى قال أبوجهل «أحلف لقد جاءكم أبوالوليد بغير الوجه الذى ذهب به».
كلهم كانوا يقولون «حسبك»، أى كفى، فقد لمس القرآن شغاف قلوبهم وأعماقها.
أما سائقو التاكسى وأصحاب المقاهى الذين يفتحون الراديو لينطلق القرآن وهم يتشاكسون أو يتنابزون أو يلعنون، فلا قيمة لهذا، فهو طقس وليس ديناً، وهو صورة من صور إساءة التعامل مع القرآن وسوء الفهم له