سودة بنت زمعـة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل ابن عامر بن لؤي القرشيـة، أم المؤمنيـن، تزوّجها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد خديجة وقبل عائشة... أسلمت بمكة وهاجرت هي وزوجها إلى الحبشة في الهجرة الثانية ومات زوجها هناك...
قصة الزواج
بعد وفاة السيـدة خديجـة بثـلاث سنيـن قالت خولة بنت حكيم للرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة: (ألا تتزوج؟)... فقال: (ومن؟)... فقالت: (إن شئـت بكراً وإن شئـت ثيباً!؟)... قال: (من البكر؟)... قالت: (ابنة أحـبِّ خلق الله إليك، عائشة بنت أبي بكر؟)... قال: (ومن الثيب؟)... قالت: (سودة بنت زمعة بن قيس، قد آمنت بك واتبعتك على ما أنت عليه)... قال: (فاذهبي فاذكريهما عليّ)...
فجاءت فدخلت بيت أبي بكر، ثم خرجت فدخلت على سودة فقالت: (أي سودة! ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟!)... قالت: (وما ذاك؟)... قالت: (أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطبك عليه؟!)... فقالت: (وددتُ، ادخلي على أبي فاذكري له ذلك)...
وكان والدها شيخ كبير، فدخلت عليه فحيته بتحية أهـل الجاهلية ثم قالت: (إن محمـد بن عبد الله بن عبـد المطلـب أرسلني أخطـب عليه سودة؟)... قال: (كفء كريم، فماذا تقول صاحبته؟)... قالت: (تحب ذلك)... قال: (ادعيها إليّ)... فدُعيَت له... فقال: (أيْ سودة، زعمت هذه أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أرسل يخطبك، وهو كفء كريم، أفتحبين أن أزوِّجْكِهِ؟)... قالت: (نعم)... فقال: (فادعيه لي)... فدعته وجاء فزوّجه...
سودة والنبي
كانت السيدة سودة مصبية، فقد كان لها خمس صبية أو ست من بعلها مات (السكران بن عمرو)... فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ما يمنعُك مني؟)... قالت: (والله يا نبي الله ما يمنعني منك أن لا تكون أحبَّ البرية إلي، لكني أكرمك، أن يمنعوا هؤلاء الصبية عند رأسك بُكرة وعشية)... فقال -صلى الله عليه وسلم-: (فهل منعك مني غير ذلك؟)... قالت: (لا والله)... قال لها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (يرحمك الله، إن خيرَ نساءٍ ركبنَ أعجاز الإبل، صالحُ نساءِ قريشِ أحناه على ولده في صغره، وأرعاه على بعل بذات يده)...
سودة الزوجة
أرضى الزواج السيدة سودة -رضي الله عنها-، وأخذت مكانها الرفيع في بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحرصت على خدمة بناته الكريمات، سعيدة يملأ نفسها الرضا والسرور... وكان يسعدها أن ترى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبتسم من مشيتها المتمايلة من ثِقَل جسمها، الى جانب ملاحة نفسها وخفّة ظلها...
الضرائر
بعد الهجرة إلى المدينة جاءت عائشة بنت أبي بكر زوجة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، فأفسحت السيدة سودة المجال للعروس الشابة وحرصت على إرضائها والسهر على راحتها... ثم خصّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكل زوجة بيت خاصٍ بها، وأتت زوجات جديدات إلى بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن لم تتردد السيدة سودة في إيثار السيدة عائشة بإخلاصها ومودتها...
التسريح
عندما بدأت السيدة سودة تشعر بالشيخوخة تدب في جسدها الكليل، وأنها تأخذ ما لا حق لها فيه في ليلة تنتزعها من بين زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأنها غير قادرة على القيام بواجب الزوجية، سرّحها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكنها لم تقبل بأن تعيش بعيدا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجمعت ثيابها وجلست في طريقه الذي يخرج منه للصلاة.
فلما دنا بكت وقالت: (يا رسول الله، هل غمصتَ عليَّ في الإسلام؟)... فقال: (اللهم لا)... قالت: (فإني أسألك لما راجعتني)... فراجعها، وعندما حققت مطلبها قالت: (يا رسول الله، يومي لعائشة في رضاك، لأنظر إلى وجهك، فوالله ما بي ما تريد النساء، ولكني أحب أن يبعثني الله في نسائك يوم القيامة)... وهكذا حافظت على صحبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة...
وفاتها
توفيـت -رضي الله عنها- في آخر زمان عمـر بن الخطـاب... وبقيت السيدة عائشـة تذكرها وتؤثرها بجميل الوفاء والثناء الحسن في حياتها وبعد مماتها -رضي الله عنهما
رضي الله عنها وأرضاها.