بقلم - نجيب الشامسي
تشكّل دول الخليج أهمية اقتصادية واستراتيجية كبرى لدول الاتحاد الأوروبي، على الرغم من تعثر المفاوضات حول إبرام اتفاقية منطقة التجارة الحرة، لاسيما إذا علمنا أن المستفيد الأكبر من إبرام هذه الاتفاقية هي دول أوروبا، فدول الاتحاد الأوروبي تدرك جيداً مدى الأهمية الاستراتيجية لنفط وغاز دول الخليج، وأن النمو الاقتصادي الذي تشهده اقتصاداتها يعتمد إلى حد كبير على تدفق النفط والغاز الخليجيين، إذ تؤمّن دول الخليج ما نسبته 25٪ من احتياجات أوروبا من مصادر الطاقة، علماً أن احتياطات دول الخليج مضافة إلى ما تملكه العراق وإيران تمثل نسبة 45٪ من الاحتياطات العالمية من النفط. وتدرك دول الاتحاد الأوروبي مدى أهمية القطاع النفطي الخليجي الذي يشكل فرصاً سانحة ومجالاً خصباً للشركات الأوروبية التي تهيمن على مختلف العمليات، سواء الاكتشافات والتنقيب أو الإنتاج أو التصدير والتسويق، كما أن مصادر الطاقة تشكل أهمية كبرى للنمو الاقتصادي الذي تحققه دول الاتحاد الأوروبي. وتدرك هذه الدول أهمية الأسواق الخليجية في تصريف منتجاتها من السلع والبضائع الأوروبية التي تجد إقبالاً كبيراً من قبل شركات وسكان دول الخليج.
ومن ناحية أخرى، وفي إطار التنافس الشديد على دخول الأسواق العالمية وإثبات الوجود فيها ـ ولاسيما الأسواق التي تتسم بالقوة الشرائية والنزعة الاستهلاكية ـ فإن دول الاتحاد الأوروبي، تبدي حرصاً أكيداً على أسواق المنطقة، لتصريف فائضها من السلع والبضائع، إذ تؤكد المؤشرات البيانية أن الميزان التجاري بين الطرفين يميل بحدة لمصلحة الطرف الأوروبي، في حين تمثل دول الخليج دور الشريك التجاري المهم للاتحاد الأوروبي، وتعد السوق التجارية خامس أكبر سوق للصادرات الأوروبية، وكذلك فإن أسواق دول الاتحاد الأوروبي ومصارفها وشركاتها تعدّ المستفيد الأكبر من تدفق السيولة النفطية لدول الخليج، فالودائع الخليجية المودعة لدى المصارف الأوروبية تقدر بعشرات المليارات، والمساهمات المالية الخليجية في الشركات الأوروبية وفي الأسواق المالية الأوروبية تقدر بمليارات الدولارات أيضاً، وحجم الاستثمارات الخليجية في السوق العقارية بدول الاتحاد الأوروبي ـ سواء كانت استثمارات حكومية أو خاصة ـ يزيد حجمها على 53٪ من استثمارات دول المنطقة. وأكدت الأزمة المالية العالمية مدى أهمية دول المنطقة لدول الاتحاد الأوروبي حينما توافد المسؤولون السياسيون والاقتصاديون الأوروبيون إلى دول المنطقة طلباً لمساعدتها في الخروج من مأزق «الأزمة».
وأخيراً، تأتي أهمية دول الخليج اقتصادياً من حيث حجم استفادة الاتحاد الأوروبي من اقتصاداتها من حيث الصادرات غير المنظورة لدول الاتحاد الأوروبي، والتي تتمثل في تحويلات القوى الأوروبية العاملة في دول المنطقة من أجور ورواتب، وكذلك السياحة الخليجية في دول الاتحاد الأوروبي، وخدمات الاستثمار والمقاولات والخدمات المصرفية والعلاج والتعليم التي تصب عوائدها في اقتصادات دول أوروبا وأسواقها!.
* نقلاً عن صحيفة الإمارات اليوم .