البيان /
لا تعيش الخدمة العربية لـ «BBC» افضل أوقاتها على الاطلاق. فالاذاعة التي ظلت على مدى عقود الصوت الإخباري الموثوق بالنسبة إلى المستمع العربي، قد فقدت، بحسب التقرير السنوي لخدمة بي بي سي العالمية، أكثر من 20 مليون مستمع للراديو على الموجات القصيرة. أما خدمة التلفاز، فتراوح عند حدود أوهن بكثير من تلك التي بايعها الجمهور العربي «هواه» منذ زمن طويل.
وهي قنوات «الجزيرة» و«العربية»، من دون أن ننسى دخول لاعبين جدد أمثال «روسيا اليوم» و«فرانس 24». وتدل التغيرات الادارية المتوالية على المناصب القيادية في تلفزيون «بي بي سي عربي» على أزمة شهدتها توجهات القناة في الآونة الأخيرة وخططها وقدرتها على النفاذ إلى عقل وقلب الجمهور العربي. وسبق لكاتب هذه السطور، وفي هذا السياق ذاته، أن كتب في فبراير الماضي عن ملامح هذه الأزمة، والرغبة التي بدت «مستعصية» على بي بي سي، بخدمتها العربية، على اختراق الشاشات المفضلة في المنطقة والمنافسة.
في التقرير المشار اليه، يذكر بيتر هوروكس، مدير «بي بي سي وورد سرفيس»، أن الشبكة قد بدأت تلمس دورها في الأسواق المحلية ومنافستها للإعلام التقليدي: «لقد بدأنا نشعر بقوة تأثير مدرستنا الصحفية على الإعلام المحلي ومجريات الأحداث».وبالفعل، قد لا يبدو الحديث عن «مدرسة» ل» بي بي سي» مبالغا به، اذ أنه أمر معترف به ولا غبار على واقعيته، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ويحاجج رأي هوروكس هو التالي: ما هو الثمن الذي تدفعه «بي بي سي»، حين تغوص في «فخ» المنافسة مع إعلام محلي، حول العناوين المحلية، من دون أن تفقد «قليلا» أو ربما «كثيرا» من تلك المصداقية وأسس «المدرسة»؟ وهل هوروكس على يقين تام أن النسخة العربية تقرأ فعلا في ذات الكتب الخاصة بتلك المدرسة، أم بوسعها أن ترتكب الأخطاء المهنية، حتمية ب«ماركة» البي بي سي العالمية؟
مناسبة السؤال هو الوثائقي الذي أنتجته «بي بي سي العربية» باسم «دبي هي العالم» مؤخرا، ثم عرضته الخدمة العالمية باسم آخر (يحمل الكثير من الخبث) هو «دبي، الأحلام المنتهية»، ليكون مثالا حقيقيا عن التخبط الذي تعيش فيه هذه القناة ورغبتها بالوصول إلى المشاهد العربي بأي ثمن، حتى لو كان اقتراف أكثر من 7 أخطاء مهنية في شريط واحد مدته 50 دقيقة. هنا توليفة لبعض هذه الأخطاء.
1- العنوان: رسالة مفخخة
يستبق العنوان (دبي نهاية الاحلام) المغزى الذي من الواجب أن يترك للمشاهد حق استنتاجه. بهذا يعلن الشريط منذ البداية أنه بصدد حكاية قصة محكوم عليها «بالنهاية». وهنا يظهر التحامل كذلك تبييت النوايا ومحاولة اسقاط مضمون على عنوان معد سابقا (نعرف جميعا ان هذا نوع من المقامرة المرفوضة صحافيا).
أما العنوان العربي «دبي هي العالم»، فإنه يتناول احدى المقولات المؤثرة لحاكم دبي في محاولة لدحضها واظهار السخرية منها، وهو ما لا يليق بصحف «التابلويد» (أمثال الصن البريطانية)، فكيف بمؤسسة بحجم «بي بي سي»!
2- استغلال الشخصيات
أظهر الفيلم شخصية إماراتية تتمثل برجل الاعمال الشاب يحيى لوتاه، وعلى طريقة «لا تقربوا الصلاة»، تمت الاستعانة بشهادته، التي تضمنت قناعاته وفلسفته وايمانه برؤية حاكم دبي، وتاريخ عائلته في المشاركة بتدعيم اقتصاد الامارة.. وزجها في سياقات تظهر التناقض المهيب بين ما يعيشه وبين ما يعيشه العمال أو موظفو الطبقة المتوسطة، والأدهى رجل الاعمال البريطاني.
اراد الشريط أن يقول: ان لم تكن إماراتيا، كما لوتاه، فحلمك محكوم عليه بالفشل في دبي. تظهر وقائع الحياة في دبي وارقام نشاطها أن مئات الآلاف من العرب والأجانب المقيمين في دبي، والذين يتوزعون على 180 جنسية، قد حققوا ذواتهم الشخصية والمهنية في دبي، وساهموا في تدعيم اقتصاد بلادهم عبر التحويلات المنتظمة إلى العواصم العربية والآسيوية، أو الانطلاق من دبي كمنصة للتوسع في أسواق آسيا وافريقيا واوروبا الشرقية.
وفي المقابل، فهناك الكثير من رجال الاعمال الإماراتيين الذين تأثروا بالأزمة المالية العالمية، وخسروا الكثير من مصالحهم كما امتيازاتهم. اذا، فالأمر لا يتعلق بالجنسية، بقدر ماهو مرتبط بتأثير أزمة واحدة تأثر بها الجميع.
والدليل أن رجل الاعمال البريطاني الذي يظهر في الفيلم قد تمكن من أن يكون جار ديفيد بيكهام في فيلا فاخرة على نخلة الجميرا، ذات يوم، وهذا اثبات أن الجميع بمقدوره الحصول على فرص متساوية في الامارة، أما شأن الحفاظ عليها وادارتها بالطريقة السليمة، فهو شأن الأشخاص لا الحكومات في الاقتصاد الحر!
3- مبالغات مضحكة
من المضحك جدا أن تسمع عبارة مثل «هؤلاء هم المحظوظون»، في توصيف لمجموعة مهندسين التقوا على مقهى في أبوظبي، لمجرد أنهم لا يعيشون في دبي. فهل قام معدو الشريط بفحص التاريخ الشخصي لهؤلاء وخرجوا بنتيجة مفادها أنهم «المحظوظون»، وهل استعانوا بوكالة «ايبسوس» لتقول لهم ان كل سكان دبي البالغ مليونا و790 الف نسمة يندبون حظهم؟
عبارات أخرى لا تقل سذاجة مثل: «المال هو محور الحديث الوحيد بين الحارس البنغالي وزملائه». لنلاحظ كلمة الوحيد، ونسأل الباحثتين اللتين عملتا للشريط رحاب خطاب ومروة حسين: كم من الوقت قضيتما مع الحارس و«شلته» لكي تتأكدا أن المال هو المحور «الوحيد» لأحاديثهم؟ اليس في تلك المبالغة تجن على المتحدثين واستغلال صورهم وسط «كلام كبير» قد لا يرضون عنه بالضرورة!
«هذه قصة امارة دبي»، أما هذه العبارة فهي النكتة الصارخة، اذ كيف يمكن التوهم أن حكاية امارة شغلت العالم بنشاطها الاقتصادي ونموذجها الانساني، بالامكان اختصارها في خمسين دقيقة؟
4- دراما ممجوجة
حسنا. ترك رجل الاعمال البريطاني زوجته تدير شركة تنظيم الفعاليات التي أسسها و«هرب» إلى لندن مع ابنته الصغيرة التي كانت تستمتع كثيرا بشمس دبي واللهو على شاطيء بحر الجميرا. ثم قرر دعوة طاقم البي بي سي إلى مكان ما في لندن لكي يسجل له لقطات درامية وهو يتحدث إلى الزوجة يسألها عن حالها في مواجهة «الحياة الصعبة»، فتقول أنه «في النهار عليها أن تكون قوية»، وفي الليل تنام ودمعها يشق خدودها.
ثم تقول البنت لأمها:«أريد العودة إلى دبي. اشتقت اليك». هل يذكركم هذا المشهد بفيلم أميركي من الدرجة الثالثة، حيث استدرار عاطفة الجمهور، واللعب على عواطفه، من دون احترام عقله وذكائه، هو السبب؟
لماذا «هرب» رجل الأعمال، وكيف تورط في «شيكات مرتجعة»، ومن الذي أجبره على «التخلي عن بيته»؟ أسئلة لا يهتم معدو البي بي سي بالاجابة عليها، قدر اهتمامهم بتصويره يرتعد في الفلاء خارج مقر شركته (للمفارقة يتم تصويره في دبي التي ادعى سابقا انه ممنوع من دخولها) وهو يقول:«هناك موظفو حكومة يرتدون الزي العربي (!)
يسألون عني، لا بد أنهم علموا بوجودي في دبي». من هو الرجل المدعو ديفيد، ولماذا يلاحقه «موظفو الحكومة ذوو الزي العربي»( من المفترض أن الشخصية الانجليزية قد تجاوزت رهاب الزي العربي منذ لورنس العرب)؟ لا نعرف شيئا عنه؟ غالب الظن أنه، كمئات رجال الاعمال الاجانب والعرب، قد تضرر بفعل الأزمة، لكنه، على ما يبدو رفض التخلي عن حلم (هل نقول جشع) تحقيق الأرباح، وتورط في أمر ما، جعله يخشى، إلى هذه الدرجة، البقاء في دبي.
هل هي القصة الأكثر مثالية التي بوسع بي بي سي أن تعتمد عليها لتكون المحور الرئيسي في وثائقي عن حياة الناس في الامارة؟ سؤال نحتاج أيضا إلى اجابة عنه!
5- تاريخ منقوص
لن نخوض هنا في عملية التشويه الذي لحق باستخدام التاريخ، تاريخ الإمارة وقادتها، من أجل خدمة مآرب شريط يريد أن يطعن في الوحدة الوطنية بين أبناء الإمارات بطريقة واضحة، لكننا سنتوقف عند التاريخ الحديث، وهو العامين 2008 و2009، حيث أنهما من المفترض يشكلان الفترة التي جرت فيها أحداث وحكايات أبطال الشريط. واذا كانت الأزمة المالية التي لم تتفجر بادئ ذي بدء من منطقة بر دبي، بل من انهيار «ليمان براذر» الأميركي.
قد أرخت بظلالها على حياة الجميع، في دبي ولندن وريو دي جانيرو وموزمبيق، فإن، للمفارقة، تصريحات مسؤولين بريطانيين على مستوى عال، تناولت حياة الانجليز المقيمين في دبي، ومصالحهم، بالأرقام والوقائع، قد تم تجاهلها بالكامل، أو ربما لم يجد المعدان الجسوران كريس وود ومصطفى المنشاوي الوقت اللازم لتصيدها.
ففي تلك الأيام «السوداء» التي عاشها الانجليزي ديفيد (بالمناسبة هو يظهر في الفيلم حانقا من كونه لم يحقق ارباحا من فعالية ليلة افتتاح برج خليفة!)، زار وزير التجارة وقطاع الأعمال واصلاح الأنظمة البريطاني بيتر ماندلسون دبي، وصرح آنذاك للإعلام العالمي والمحلي أن «دبي جزء فعال من الاقتصاد العالمي، ولو كانت منزوية لكانت أقل تأثرا بالأزمة، لكن تأثرها يثبت مكانتها المتميزة وشفافية أنظمتها وكونها مركزا تجاريا وماليا مرموقا جعل أنظار العالم تتجه اليها خلال الأزمة». لماذا لم يرد هذا التصريح في الشريط؟
هل تحتاج «بي بي سي» إلى عنوان البريد الالكتروني للورد ماندلسون؟ ومن يتوجب علينا أن نصدق: شريطا باهتا موجها يحمل عنوان «نهاية الأحلام» أم تصريحا خبيرا موثوقا يتحدث عن «دعامة الاقتصاد العالمي».
6- بريطانيون: أي أزمة؟
لا يعيش البريطانيون أزمة في دبي. ومن يحاول إقناعنا بالعكس يجافي الواقع، وان نظرة سريعة على أرقام مجلس العمل البريطاني وتصريحات أعضائه تظهر حجم الازدهار والفرص التي يحظى بها رجال الأعمال الانجليز (في الواقع رجال الأعمال من مختلف الجنسيات، لكن تركيز البي بي سي على شخصية انجليزية يجعلنا نركز بدورنا على هذه الجنسية).
في أرقام يسوقها مارتن دي الناطق الرسمي للحكومة البريطانية، يتضح لنا أن 1400 شركة بريطانية مسجلة رسميا تحت مظلة مجلس العمل البريطاني، إضافة إلى المئات غيرها من تلك غير المسجلة، تعيل أكثر من مائة ألف بريطاني يعيشون في دبي.
فيما تشير احصاءات المجلس أن 20% من رجال الأعمال الانجليز رغبوا بالانتقال إلى دبي لمزاولة أعمالهم في عز الأزمة. في هذا السياق، الا يحق لنا أن نتساءل: لماذا أغفلت بي بي سي هذه الوقائع وركزت على قصة رجل أعمال فشل في ادارة مصالحه!
7- دبي ليست هافانا
لم تعلن دبي في يوم من الأيام أنها «هافانا». وأنا مرتع النظام الاشتراكي في المنطقة. وبالتالي فإن الحديث عن الطبقية، أو وجود فقراء وأغنياء، ورجال أعمال يملكون يخوتا في مقابل من لا يملكون خبز أيامهم، فإنما هو حديث ممجوج و«شاعري» في زمن الاقتصاد الحر، وفي سوق ليبرالي يعطي الفرص للجميع.
أما أن يتم تصوير المدينة وكأنها مسؤولة عن معاناة الطبقية، الموجودة منذ فجر التاريخ، فهذا أمر يبلغ من السذاجة التي تجعلنا نسأل ان كان معدو الشريط من الهواة أو المحترفين، ولأي زمن ينتمون فعلا؟
الحكومة السودانية ترفض تجديد رخصة هيئة الإذاعة البريطانية بدءاً من أغسطس
رفضت السلطات السودانية المختصة التجديد لبث هيئة الإذاعة البريطانية ذائعة الصيت (بي بي سي) لبرامجها عبر الموجة القصيرة (اف ام) والتي تقدم الخدمة منذ عشر سنوات تقريباً لمستمعيها بالخرطوم وود مدني.
وينتظر أن يدخل القرار حيز التنفيذ الفعلي اعتباراً من مطلع أغسطس. فيما علمت «الأحداث» بابتدار مشاورات بين الطرفين لتسوية الأمر والتجديد مرة أخرى. وأكدت وزيرة الدولة بوزارة الإعلام سناء حمد أن الأمر لا يعدو أن يكون إجراءً إدارياً عادياً وليس سحباً أو إلغاء رخصة.
ورفضت سناء في حديثها المقتضب ل(الأحداث) أمس إضفاء أي مسحة أو ظلال سياسية على القرار. مؤكدة أنه لا يتعدى إجراءً روتينياً يتمثل في عدم رغبة الطرف الحكومي بتجديد العقد المبرم بين الطرفين.
من جانبه رفض مسؤول البي بي سي بالخرطوم التعليق على القرار الحكومي القاضي بوقف خدمة البث الأثيري على موجة (اف ام) وذكر ل(الأحداث) التي هاتفته أمس أنه وصل متأخراً ولم يحط علماً بفحوى القرار.
احصاء
« بي بي سي العربية» تخسر 8 ملايين من جمهورها
أكد التقرير السنوي لخدمة بي بي سي العالمية «وورلد سرفيس» ان خدمة بي بي سي عربي خسرت 8 ملايين من جمهورها رغم أنها سجلت 22 مليوناً ما بين مشارك ومشاهد ومشترك في الخدمة.
وكشف التقرير عن تراجع كبير في نسبة الاستماع الي راديو بي بي سي العربي والذي ظل علي مدار عقود الأكثر شعبية في العالم العربي بأسره وبالصوت المميز هنا لندن اذ سجل خسارة 20 مليون مستمع للراديو على الموجات القصيرة، أي انه بشكل عام استطاعت بي بي سي ان تجذب 180 مليون متلق جديد نحو خدمات بثها متعدد الوسائط (8 ملايين أقل عن نسبة عدد العام المنصرم).
من جانبه اكد بيتر هوروكس، مدير بي بي سي وورلد سرفيس ان هذه الأرقام تنقل لنا جزءاً يسيراً من الحقيقة الكاملة ويبدو ان التحرك الاستراتيجي لتأسيس بي بي سي عربي وبي بي سي فارسي حقق الهدف المرجو منه ونحن سعداء بما حققناه .
إذ ان مجمل متلقي خدمة بي بي سي عربي ازداد 5 .3 ملايين، الامر الذي يحعلها أكبر خدمات اللغات غير الانجليزية في بي بي سي ككل، بعد ان جذبت 22 مليون متلق على كل وسائط بثها المتعدد، بينما جذبت بي بي سي فارسي حوالي 1 .3 ملايين مشاهد في ايران وحدها.