في هذه الليلة الربيعية الدافئة..شعرت بحنين جارف للكتابة..آه..هذه الهواية الجميلة التي صاحبتني كثيرا ثم تخلت عني..سئمت التحسر على الماضي..كما لو أني عجوز في الغابرين..مازلت صغير السن..و لا يزال أمامي الكثير لأتعلمه..لكنه الحنين يذبحني..أحن إلى أصدقاء تبددت ملامحهم في غيوم النسيان..أحن إلى أوقات مرت عابرة..كعطر نسوي التقيته ذات مصعد..أحن إلى فرحي الطفولي..إلى ابتسامتي الهادئة ..أحن إلى خجلي المرتسم في عيني بغير سبب..أحن و أحن...عديدة هي الأشياء التي ذبلت باكرا في حياتي..كثيرة هي الأفراح التي اغتيلت دون ذنب..بحياتي لم أكن قط إنسانا ماديا..أشياء بسيطة تكفيني..أشياء قد لا تحظى بأية قيمة عند الناس..لكنها بالنسبة لي قد تغدو كالماء و الهواء..أحتاج أحيانا نظرة..نعم مجرد نظرة..نظرة تنبيه إن أخطأت.. و نظرة تقدير إن أحسنت صنعا..أحتاج أن أشعر أن ثمة هناك من يحتاجني..و أن ثمة تقدير لما أقوم به..لا أحتاج من يجهد نفسه بتعداد عيوبي..و لا إلى من يريد تسطير حياتي..بالمقابل أحتاج من يشعرني بأنه يحبني كما أنا.. و أنه يريدني أن أكون أفضل مما أنا عليه الآن..لا أعرف كيف ينبغي لذلك أن يكون..لكني أحلم بأن أعيش حياة مختلفة بنمط آخر..أريد أن أكون أنا..أن أتصرف على طبيعتي..دون أن أطرح أسئلة تافهة من قبيل: " هل يروقهم ما أفعل؟ هل سيفهمون لماذا فعلت ذلك ؟ كيف سأبدو في أعينهم؟ "أسئلة برغم تفاهتها..فهي تحكم تصرفاتنا بشكل لا يُصدَّق..نحن حين نفكر في حل لمشكلة ما..لا نختار الحل الأنسب..بقدر ما نبحث عن الحل الذي يرضي الآخرين..و حبذا لو كان هذا الحليظهرنا أبطالا في عيونهم..و لو اضطر بنا الأمر إلى تأليف كذبات نلونها بالبياض..و هكذا نجد أنفسنا تحولنا إلى مسوخ جميلة المنظر..قبيحة الجوهر..حالنا لا يختلف عن حال مدمني الأقراص المهلوسة..فنحن حين نكذب و ننافق ..نكون كمن تعاطى قرصا يجعله يبدو أكثر قوةو تأثيرا..و حين يزول مفعول هذا القرص و هذه الكذبة..يعود إلى حالته الطبيعية..ويتذكر ضعفه و قلة حيلته..فيضطر لأخذ المزيد من الأقراص..و تستمر الحياة بالنسبة له باٌستمرار النفاق.ليرى الحياة بالشكل الذي يرضي غروره..و هكذا فهو يعيش بين عالمين..معذبا ..متخبطا بين عالمين..لا يكاد يفيق من وهم حتى يدخل آخر..و لا تنتهي القصة إلا بنقطة خاتمة لحياة منافقة..حياة عاشت بين عالمين و لم تحط الرحال في أي منهما.أنا أريد حياة واحدة و هادئة..أعيشها بإحساسي أنا..بتفكيري أنا..أنا..أنا..ليست أنا الأنانية و لا الكبر أو الغرور..أنا البساطة..أنا الحب..أنا الآخر..أنا الصراحة..أنا الحقيقة الضائعة..أنا التي تشعرك بوجودك حرا..أنا النملة التي تخرج كل صباح لتلتقط لقمة عيشها دون أن يأمرها أحد بذلك..أنا النحلة التي تفرز عسلها دون طمع في غرضاء أي كان..أنا العصفور الذي يهرب إلى الفضاء ضنا بحريته أن تُسترقَّ..فرحا رغم بطنه الفارغة..أنا الإنسان الذي يكاد يموت بداخلنا..مختنقا بكل تلك الأقنعة و الاصباغ التي علىوجوهنا..كي نبدو أجمل في عيون الناس..أنا الآن أشعر بأني أفضل..أحس أنه بإمكاني أن ألتقي يوما ب "أنا"..و أن أصاحبها إلى الأبد..و إن كنت لا أدري ما العلاقة بين كل ما ذكرت في البداية..و بين ما ختمت به..ألم أقل لكم أني أنا لست أنا..و يظل الطريق أمامي طويلا.