تعددت أشكال الترويع والاعتداء التي تتعرض لها المرأة في مجتمعاتنا التي تدعي احتضانها لتقاليد العفاف والشرف ، واختلفت تأثيراتها على نفسية مجتمع النساء كما اختلفت طرق التعامل معها ما بين امرأة تثور رافضة وفاضحة ما تتعرض له، وامرأة تنصاع مستكينة صابرة منتظرة الفرج الذي قد تحمله لها الأيام .
لكن معاناة المرأة في مجتمعنا المغربي تزداد يوميا بسبب ما تتعرض له من ألوان مختلفة للتحرش الجنسي تتراوح بين إطلاق التعليقات البذيئة والكلمات الجنسية أو وصف الجسد ، والإلحاح من اجل تبادل الحديث أو من أجل عقد لقاء ، أو تعقب المرأة بالنظرات، ثم تتصاعد حتى تصل إلى اللمس والتحسس والتقارب الجسدي وغير ذلك.
التحرش الجنسي ظاهرة تعيشها المرأة يوميا في الشارع وفي وسائل النقل وفي العمل وأحيانا في البيت دون أن تكون لديها الشجاعة الكافية للاعتراف به على الملأ أو التحدث عنه .
إنها فعلا ظاهرة تستدعي التأمل في مجتمعنا المغربي ،خاصة وأنها أصبحت منتشرة بشكل ملحوظ، ويكفيك الخروج إلى إحدى شوارع مدينتك الرئيسية والوقوف مليا في احد الأركان لتشاهد بأم عينك حالات مختلفة لتحرش الرجال من الشباب وحتى الشيوخ بنساء مختلفات الأعمار والأشكال.
قد يرجع هذا الأمر إلى الفراغ الذي يعيشه أبناء هذا الوطن والذي يجعلهم يقضون اغلب أوقاتهم هائمين في الشوارع باحثين عن أشكال التسلية وقضاء الوقت حتى لو كان ذلك بالعبث بامرأة قد تكون في لحظة ما أمهم أو أختهم أو إحدى قريباتهم.
قد يكون التحرش الجنسي بالمرأة تحركه الرغبة الجنسية وإشباع اللذة المكبوتة، فكثيرون هم الرجال الذين يتحينون الأوقات التي تكون فيها الحافلات مكتظة بالطالبات والموظفات والنساء عموما ليقضوا وطرهم وسط الزحام دون حسيب أو رقيب.
قد يكون ذلك في بعض الأحيان بدافع التسلط والرغبة في إذلال المرأة الطرف الأضعف ، فكثيرون هم الرجال الذين يستغلون سلطتهم الذكورية والنفوذ الذي يمنحهم إياه المجتمع فيتحرشون بالمرأة ويمرغون انفها بالتراب وهم متيقنين بان المجتمع لن يحاسبهم ولن يلومهم أو ينقص من رجولتهم .
إن مجتمعنا ينظر في الغالب إلى المرأة التي تكون عرضة للتحرش الجنسي على أنها الملامة بالدرجة الأولى ، فهي التي استثارت الرجل وحركت غريزته ، واضطرته إلى التحرش بها بسبب ملابسها المثيرة أو حركاتها المغرية أو طريقة كلامها أو مشيتها وغير ذلك ، لكن الواقع ومعه بعض الدراسات التي أجريت في دول تمنع خروج المرأة إلى الشارع مكشوفة الجسم ، تثبت أن ضحايا التحرش الجنسي لسن النساء السافرات فقط بل حتى النساء المحتشمات في اللباس ، وحتى إن كان الأمر كذلك فالواقع يثبت أن الحيوان الذي نتشاطر معه الغريزة قادر على التحكم بها والسيطرة عليها ، فما بالك بالإنسان العاقل المفكر ؟
إن الذين يعتنقون هذه الفكرة ويعملون على تكريس الإحساس بالذنب لدى المرأة هم في الغالب الذين يختزلونها في كونها كائنا جنسيا متحركا، وفي هذه النظرة إجحاف وظلم كبير في حق كل النساء وتغييب لإنسانيتهن .
رغم أن التحرش الجنسي سواء لفظا أو فعلا سلوك يجرمه القانون المغربي ويعاقب مرتكبه بالحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من 5000 إلى 50 ألف درهم ، إلا أن النساء لا تقدمن على هذه الخطوة والسبب بسيط : إذ كيف يمكنهن إثبات التحرش بدليل مادي ؟
بل كيف يمكن لامرأة أن تقاضي رجلا مجهولا اعترض طريقها في الشارع وحاول التحرش بها ؟
إنها في الغالب تتجاهله وان كانت أكثر شجاعة فإنها تصرخ في وجهه ثم تغادر.
هل المرأة أصبحت مطالبة بحمل كاميرا خفية كي تسجل كل حالات التحرش الجنسي التي تتعرض لها يوميا ، أم أنها مطالبة باستجداء الشهود كي توفر الدليل المادي ؟
بالمقابل نجد أن مجتمعات أخرى متقدمة تكتفي بسماع شكوى المرأة من اجل إثبات تهمة التحرش الجنسي ، بل ما يدعو للاستغراب هو أن إحدى المناطق الأوربية أقرت قوانين تعاقب كل رجل نظر إلى المرأة نظرات سببت لها الخوف والرعب في مكان مظلم .
ماذا لو طبقت مثل هذه الإجراءات في مجتمعنا المغربي ؟ طبعا سيصبح نصف رجاله أو أكثر خلف القضبان أو قيد الاتهام.
إذا لم تحم القوانين بإجراءاتها المعقدة المرأة من الألم النفسي المر والجرح العاطفي الغائر الذي تتعرض له يوميا من جراء التحرش الجنسي ، فعلى المجتمع برجاله ونسائه أن يتحمل مسؤوليته وأن يعمل على محاصرة الظاهرة والتقليص من انتشارها وشيوعها ، فكل أسرة مغربية مطالبة بأن تعلم أبناءها من الجنسين أن العلاقة بينهما هي علاقة احترام وتكامل وليست علاقة تبعية ، وان المرأة إنسان لها اعتزازها بذاتها وبكرامتها ، ولها قدرات عقلية وفكرية تتجاوز الزاوية الجنسية التي تحشر فيها