عينية أبو ذؤيب في رثاء أبنائه
ما أشد الألم الذي يصيب الإنسان عندما يفقد شخص عزيز عليه، ولكن ما بال الأب الذي يفقد خمسة من أبنائه خلال عام واحد، كان هذا حال أبو ذؤيب الهذلي والذي حصد الطاعون أرواح أبنائه دون رحمة، ولم يتمكن الرجل من فعل شيء سوى أن ينظم رثاء ينعى به فلذات كبده الذين انتزعوا من حضنه ليحتضنهم القبر.
وأبو ذؤيب الهذلي هو أحد الشعراء المخضرمين، وهو شاعر فحل أدرك الجاهلية والإسلام، ودخل إلى الإسلام وشارك في عدد من الغزوات، وشهد فتح إفريقيا.
ويقول في قصيدته "العينية"
أَمِــــنَ الـمَـنـونِ وَريـبِـهـا iiتَـتَـوَجَّـعُ
وَالـدَهـرُ لَـيـسَ بِـمُعتِبٍ مِـن iiيَـجزَعُ
قـالَـت أُمَـيـمَةُ مــا لِـجِسمِكَ شـاحِباً
مُــنـذُ اِبـتَـذَلـتَ وَمِـثـلُ مـالِـكَ iiيَـنـفَعُ
أَم مـــا لِـجَـنـبِكَ لا يُــلائِـمُ مَـضـجَعاً
إِلّا أَقَــــضَّ عَـلَـيـكَ ذاكَ الـمَـضـجَعُ
فَـأَجَـبـتُـها أَن مــــا لِـجِـسـمِيَ أَنَّـــهُ
أَودى بَــنِـيَّ مِـــنَ الــبِـلادِ فَـوَدَّعـوا
أَودى بَـــنِــيَّ وَأَعـقَـبـونـي غُــصَّــةً
بَــعــدَ الــرُقــادِ وَعَــبــرَةً لا iiتُــقـلِـعُ
سَـبَـقـوا هَــوَىَّ وَأَعـنَـقوا iiلِـهَـواهُمُ
فَـتُـخُـرِّموا وَلِــكُـلِّ جَــنـبٍ مَــصـرَعُ
فَــغَـبَـرتُ بَـعـدَهُـمُ بِـعَـيـشٍ iiنــاصِـبٍ
وَإَخــــالُ أَنّــــي لاحِــــقٌ iiمُـسـتَـتـبَعُ
وَلَـقَـد حَـرِصـتُ بِــأَن أُدافِــعَ iiعَـنهُمُ
فَــــإِذا الـمَـنِـيِّـةُ أَقــبَـلَـت لا iiتُــدفَــعُ
وَإِذا الـمَـنِـيَّـةُ أَنــشَـبَـت iiأَظــفـارَهـا
أَلــفَــيـتَ كُـــــلَّ تَــمـيـمَـةٍ لا تَــنـفَـعُ
فَـالـعَـيـنُ بَــعـدَهُـمُ كَــــأَنَّ iiحِـداقَـهـا
سُـمِـلَت بـشَـوكٍ فَـهِـيَ عـورٌ iiتَـدمَعُ
حَــتّــى كَــأَنّــي لِــلـحَـوادِثِ iiمَـــروَةٌ
بِـصَـفـا الـمُـشَرَّقِ كُــلَّ يَــومٍ تُـقـرَعُ
لا بُـــدَّ مِـــن تَــلَـفٍ مُـقـيـمٍ iiفَـاِنـتَظِر
أَبِـأَرضِ قَومِكَ أَم بِأُخرى iiالمَصرَعُ
وَلَــقَــد أَرى أَنَّ الــبُـكـاءَ سَــفـاهَـةٌ
وَلَـسَـوفَ يـولَـعُ بِـالـبُكا مِـن iiيَـفجَعُ
وَلــيَـأتِـيَـنَّ عَــلَــيـكَ يَـــــومٌ iiمَـــــرَّةً
يُــبـكـى عَــلَـيـكَ مُـقَـنَّـعاً لا iiتَـسـمَـعُ
وَتَــجَــلُّــدي لِـلـشـامِـتـيـنَ أُريـــهِــمُ
أَنّـــي لَــرَيـبِ الـدَهـرِ لا iiأَتَـضَـعضَعُ
وَالــنَــفـسُ راغِـــبِــةٌ إِذا رَغَّـبـتَـهـا
فَـــــإِذا تُــــرَدُّ إِلــــى قَــلـيـلٍ تَــقـنَـعُ
كَـم مِـن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ iiالهَوى
بــاتــوا بِـعَـيـشٍ نــاعِـمٍ فَـتَـصَـدَّعوا
فَـلَـئِن بِـهِـم فَـجَـعَ الـزَمـانُ iiوَرَيـبُـهُ
إِنّـــــي بِـــأَهــلِ مَــوَدَّتــي iiلَـمُـفَـجَّـعُ
وَالــدَهـرُ لا يَـبـقـى عَــلـى حَـدَثـانِـهِ
فـــي رَأسِ شـاهِـقَـةٍ أَعَـــزُّ مُـمَـنَّـعُ
وَالــدَهـرُ لا يَـبـقـى عَــلـى حَـدَثـانِـهِ
جَـــونُ الــسَـراةِ لَــهُ جَـدائِـدُ iiأَربَــعُ
صَــخِـبُ الـشَـوارِبِ لا يَــزالُ iiكَـأَنَّـهُ
عَــبــدٌ لِآلِ أَبــــي رَبــيـعَـةَ مُــسـبَـعُ
أَكَـــلَ الـجَـميمَ وَطـاوَعَـتهُ iiسَـمـحَجٌ
مِــثـلُ الـقَـنـاةِ وَأَزعَـلَـتـهُ iiالأَمـــرُعُُ
بِـــقَــرارِ قــيـعـانٍ سَــقـاهـا وابِــــلٌ
واهٍ فَـــأَثــجَــمَ بُـــرهَـــةً لا يُــقــلِــعُ
فَـلَـبِـثـنَ حـيـنـاً يَـعـتَـلِجنَ iiبِــرَوضَـةٍ
فَـيَـجِدُّ حـيـناً فــي الـعِـلاجِ iiوَيَـشـمَعُ
حَــتّـى إِذا جَـــزَرَت مِــيـاهُ iiرُزونِـــهِ
وَبِـــــأَيِّ حـــيــنِ مِــــلاوَةٍ iiتَـتَـقَـطَّـعُ
ذَكَــرَ الــوُرودَ بِـهـا وَشـاقـى أَمــرَهُ
شُـــــؤمٌ وَأَقـــبَــلَ حَــيــنُـهُ iiيَــتَـتَـبَّـعُ
فَـاِفـتَـنَّهُنَّ مِـــن الــسَـواءِ iiوَمـــاؤُهُ
بِـــثــرٌ وَعـــانَــدَهُ طَــريــقٌ iiمَــهـيَـعُ
فَــكَـأَنَّـهـا بِــالـجِـزعِ بَــيــنَ iiيُــنـابِـعٍ
وَأولاتِ ذي الـعَـرجاءِ نَـهبٌ مُـجمَعُ
وَكَـــأَنَّـــهُــنَّ رَبــــابَــــةٌ وَكَــــأَنَّــــهُ
يَـسَرٌ يُـفيضُ عَـلى الـقِداحِ iiوَيَصدَعُ
وَكَــأَنَّـمـا هُــــوَ مِــــدوَسٌ iiمُـتَـقَـلِّـبٌ
فـــي الــكَـفِّ إِلّا أَنَّـــهُ هُــوَ iiأَضـلَـعُ
فَوَرَدنَ وَالعَيّوقُ مَقعَدَ رابِىءِ الض
ضُــرَبــاءِ فَـــوقَ الـنَـظـمِ لا iiيَـتَـتَـلَّعُ
فَـشَـرَعنَ فـي حَـجَراتِ عَـذبٍ iiبـارِدٍ
حَـصِـبِ الـبِطاحِ تَـغيبُ فـيهِ الأَكـرُعُ
فَـشَـرِبـنَ ثُــمَّ سَـمِـعنَ حِـسّـاً دونَــهُ
شَـرَفُ الـحِجابِ وَرَيـبَ قَـرعٍ iiيُقرَعُ
وَنَـمـيـمَـةً مِــــن قــانِــصٍ مُـتَـلَـبِّـبٍ
فـــي كَـفِّـهِ جَــشءٌ أَجَــشُّ iiوَأَقـطُـعُ
فَـنَـكِـرنَهُ فَـنَـفَـرنَ وَاِمـتَـرَسَـت بِـــهِ
سَـطـعـاءُ هــادِيَـةٌ وَهـــادٍ iiجُــرشُـعُ
فَــرَمـى فَـأَنـفَـذَ مِـــن نَـجـودٍ عـائِـطٍ
سَـهـمـاً فَــخَـرَّ وَريــشُـهُ iiمُـتَـصَـمِّعُ
فَــبَــدا لَــــهُ أَقــــرابُ هـــذا رائِــغـاً
عَـجِـلاً فَـعَـيَّثَ فــي الـكِـنانَةِ يُـرجِـعُ
فَــرَمـى فَـأَلـحَقَ صـاعِـدِيّاً iiمِـطـحَراً
بِـالـكَشحِ فَـاِشـتَمَّلَت عَـلَيهِ الأَضـلُعُ
فَــأَبَــدَّهُــنَّ حُــتــوفَـهُـنَّ iiفَـــهـــارِبٌ
بِــذَمــائِــهِ أَو بــــــارِكٌ iiمُـتَـجَـعـجِـعُ
يَـعـثُـرنَ فـــي حَـــدِّ الـظُـباتِ كَـأَنَّـما
كُـسِـيَـت بُـــرودَ بَـنـي يَـزيـدَ iiالأَذرُعُ
وَالــدَهـرُ لا يَـبـقـى عَــلـى حَـدَثـانِـهِ
شَــبَــبٌ أَفَــزَّتــهُ الــكِــلابُ مُـــرَوَّعُ
شَـعَـفَ الـكِـلابُ الـضـارِياتُ iiفُـؤادَهُ
فَـإِذا يَـرى الـصُبحَ الـمُصَدَّقَ iiيَـفزَعُ
وَيَــعــوذُ بِــالأَرطـى إِذا مـــا iiشَــفَّـهُ
قَـــطــرٌ وَراحَــتــهُ بَــلِـيـلٌ زَعــــزَعُ
يَــرمـي بِـعَـيـنَيهِ الـغُـيـوبَ iiوَطَـرفُـهُ
مُـغـضٍ يُـصَـدِّقُ طَـرفُـهُ مــا يَـسمَعُ
فَــغَــدا يُــشَــرِّقُ مَـتـنَـهُ فَــبَـدا iiلَـــهُ
أَولــــى سَـوابِـقَـهـا قَـريـبـاً iiتـــوزَعُ
فَـاِهـتاجَ مِــن فَــزَعٍ وَسَــدَّ iiفُـروجَهُ
غُــبــرٌ ضَــــوارٍ وافِــيـانِ iiوَأَجـــدَعُ
يَــنـهَـشـنَـهُ وَيَــذُبُّــهُــنَّ iiوَيَــحـتَـمـي
عَــبـلُ الــشَـوى بِـالـطُـرَّتَينِ iiمُـوَلَّـعُ
فَــنَــحـا لَـــهــا بِـمُـذَلَّـقَـيـنِ كَــأَنَّــمـا
بِـهِـما مِــنَ الـنَـضحِ الـمُجَدَّحِ iiأَيـدَعُ
فَـــكَــأَنَّ سَــفّــودَيـنِ لَــمّــا iiيُــقـتَـرا
عَــجِـلا لَــهُ بِـشَـواءِ شَــربٍ iiيُـنـزَعُ
فَـصَـرَعـنَهُ تَــحـتَ الـغُـبـارِ iiوَجَـنـبُهُ
مُــتَـتَـرِّبٌ وَلِــكُــلِّ جَــنــبٍ iiمَــصـرَعُ
حَـتّـى إِذا اِرتَــدَّت وَأَقـصَـدَ iiعُـصـبَةً
مِــنـهـا وَقـــامَ شَـريـدُهـا iiيَـتَـضَـرَّعُ
فَـــبَــدا لَـــــهُ رَبُّ الــكِــلابِ بِــكَـفِّـهِ
بــيـضٌ رِهـــافٌ ريـشُـهُـنَّ iiمُــقَـزَّعُ
فَــرَمـى لِـيُـنـقِذَ فَــرَّهـا فَـهَـوى iiلَــهُ
سَــهــمٌ فَــأَنـفَـذَ طُــرَّتَـيـهِ الــمِـنـزَعُ
فَــكَـبـا كَــمــا يَـكـبـو فِـنـيـقٌ iiتـــارِزٌ
بِــالـخُـبـتِ إِلّا أَنَّـــــهُ هُــــوَ iiأَبــــرَعُ
وَالــدَهـرُ لا يَـبـقـى عَــلـى حَـدَثـانِـهِ
مُـسـتَـشـعِرٌ حَــلَـقَ الـحَـديـدِ مُـقَـنَّـعُ
حَـمِـيَت عَـلَـيهِ الـدِرعُ حَـتّى iiوَجـهُهُ
مِــن حَـرِّهـا يَــومَ الـكَـريهَةِ iiأَسـفَعُ
تَـعـدو بِــهِ خَـوصـاءُ يَـفصِمُ iiجَـريُها
حَـلَـقَ الـرِحـالَةِ فَـهِـيَ رِخـوٌ iiتَـمزَعُ
قَـصَرَ الـصَبوحَ لَـها فَـشَرَّجَ لَـحمَها
بِـالـنَيِّ فَـهِـيَ تَـثـوخُ فـيـها iiالإِصـبَعُ
مُـتَـفَـلِّـقٌ أَنــسـاؤُهـا عَــــن قــانِــيٍ
كَـالـقُـرطِ صـــاوٍ غُــبـرُهُ لا iiيُـرضَـعُ
تَــأبـى بِـدُرَّتِـهـا إِذا مــا اِسـتُـكرِهَت
إِلّا الــحَــمــيـمَ فَــــإِنَّـــهُ iiيَــتَــبَـضَّـعُ
بَـيـنَـنـا تَـعَـنُّـقِـهِ الــكُـمـاةَ iiوَرَوغِـــهِ
يَــومـاً أُتــيـحَ لَـــهُ جَــرىءٌ iiسَـلـفَعُ
يَــعـدو بِــهِ نَـهِـشُ الـمُـشاشِ كَـأَنّـهُ
صَــــدَعٌ سَــلـيـمٌ رَجــعُــهُ لا يَـظـلَـعُ
فَــتَــنـادَيـا وَتَــواقَــفَــت خَــيـلاهُـمـا
وَكِــلاهُـمـا بَــطَـلُ الـلِـقـاءِ iiمُــخَـدَّعُ
مُـتَـحـامِـيَينِ الــمَـجـدَ كُــــلٌّ iiواثِـــقٌ
بِــبَــلائِـهِ وَالـــيَــومُ يَــــومٌ iiأَشــنَــعُ
وَعَـلَـيـهِما مَـسـرودَتـانِ iiقَـضـاهُـما
داودٌ أَو صَـــنَــعُ الــسَــوابِـغِ تُــبَّــعُ
وَكِــلاهُــمـا فـــــي كَـــفِّــهِ يَــزَنِــيَّـةٌ
فــيـهـا سِــنــانٌ كَـالـمَـنارَةِ iiأَصــلَـعُ
وَكِــلاهُــمـا مُــتَــوَشِّـحٌ ذا iiرَونَــــقٍ
عَـضـباً إِذا مَــسَّ الـضَـريبَةَ iiيَـقـطَعُ
فَــتَـخـالَـسـا نَـفـسَـيـهِـمـا بِــنَــوافِــذٍ
كَــنَـوافِـذِ الــعُـبُـطِ الَّــتــي لا تُــرقَـعُ
وَكِـلاهُـما قَــد عـاشَ عـيشَةَ iiمـاجِدٍ
وَجَـنـى الـعَـلاءَ لَــو أَنَّ شَـيئاً iiيَـنفَعُ