إن رأيت البحر يطغى الموج فيه و يثور
أو سمعت البحر يبكي عند أقدام الصخور
فارقــُبي الموج إلى أن يحبس الموج هديره
و تناجي البحر حتى يسمع البحر زفيره
راجعا منك إليه
هل من الأمواج جئت ؟
إن سمعت الرعد يدوي بين طيات الغمام
أو رأيت البرق يفري سيفه جيش الظلام
فارصدي البرق إلى أن تخطفي منه لظاه
و يكف الرعد لكن تاركا فيك صداه
هل من البرق انفصلت ؟
أم مع الرعد انحدرت ؟
إن رأيت الريح تذري الثلج عن رؤوس الجبال
أو سمعت الريح تعوي في الدجى بين التلال
تسكن الريح و تبقى باشتياق صاغيه
و أناديك و لكن أنت عني قاصيه
في محيط لا أراه
هل من الريح وُلدت ؟
إن رأيت الفجر يمشي خلسة بين النجوم
و يُوشـّـي جُبـّـة الليل المولــّـِي بالرسوم
يسمع الفجر ابتهالا صاعدا منك إليه
و تخرّي كنبي هبط الوحي عليه
بخضوع جاثيه
هل من الفجر انبثقت ؟
إن رأيت الشمس في حضن المياه الزاخره
ترمُق الأرض و ما فيها بعين ساحره
تهجع الشمس و قلبي يشتهي لو تهجعين
و تنام الأرض لكن أنت يقظى ترقــُبين
مضجع الشمس البعيد
هل من الشمس هبطت ؟
إن سمعت البلبل الصداح بين الياسَمين
يسكب الألحان نارا في قلوب العاشقين
تلتظِي حزنا و شوقا و الهوى عنك بعيد
فاخبريني هل غِنا البلبل في اليل يعيد
ذكر ماضيك إليك
هل من الألحان أنت ؟
إيهِ يا نفسي أنت لحن فيَّ قد رن صداه
وقــّعتك يد فنان خفي لا أراه
أنت ريح و نسيم أنت موج أنت بحر
أنت برق أنت رعد أنت ليل أنت فجر
أنت فيض من إله !
للشاعر ميخائيل نــُعيـْمَة
هذا الشاعر ــ الذي ترك بلاده و تغرب عنها و أصبح واحدا من شعراء المهجر الذين كوّنوا مدرسة في الشعر العربي ــ يتحدث إلى نفسه كما يتحدث الحبيب إلى حبيبته